السؤال:ورد في الحديث أنّ الله خاطب نبيّه فقال له: (يا أحمد، لوصلّى العبد صلاة أهل السماء والأرض وصام صيام أهل السماء والأرض،وطوى من الطعام مثل الملائكة،ولبس لباس العاري، ثم أرى في قلبه من حبّ الدنيا ذرّةً أو سمعتها أو رئاستها أو حليتها أو زينتها، لا يجاورني في داري،ولأنزعنّ من قلبه محبّتي). هل هذا الحديث صحيح؟ وهل يعقل أن يدخل هذا الإنسان النار؟! (كمال).
الجواب: الذي يبدو هو أنّ المصدر الوحيد المتوفّر بين أيدينا لهذا الحديث هو كتاب (إرشاد القلوب 1: 199 ـ 206)، للحسن بن محمد الديلمي المتوفى في القرن الثامن الهجري، وقد ذكره بلا سند أصلاً، بل بصيغة: روي عن أمير المؤمنين.. وأقرّ بإرساله الفيض الكاشاني في (الوافي 26: 141)، غير أنّه ذكر أنّ غير الديلمي قد روى الحديث مسنداً، لكن لم يذكر لنا الكاشاني من هو وما هو السند، ونقله عن الديلمي مرسلاً أيضاً كلّ من المحدّث النوري في (مستدرك الوسائل 12: 36)، والحرّ العاملي في (الجواهر السنية: 191).
أمّا المجلسي في (بحار الأنوار 74: 21)، فقد بيّن ما لعلّه مراد الفيض الكاشاني، وذلك حين قال: (ورأيت في بعض الكتب لهذا الحديث سنداً هكذا: قال الإمام أبو عبد الله محمد بن علي البلخي، عن أحمد بن إسماعيل الجوهري، عن أبي محمد علي بن مظفر بن إلياس العبدي،عن أبي نصر أحمد بن عبد الله الواعظ،عن أبي الغنايم، عن أبي الحسن عبد الله بن الواحد بن محمد بن عقيل، عن أبي إسحاق إبراهيم بن حاتم الزاهد بالشام، عن إبراهيم بن محمد، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله عبد الحميد بن أحمد بن سعيد، عن أبي بشر، عن الحسن بن علي المقري، عن أبي مسلم محمد بن الحسن المقري، عن الإمام جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن جدّه، عن علي بن أبي طالب عليهما السلام قال: هذا ما سئل رسول الله صلّى الله عليه وآله ربّه ليلة المعراج، وذكر نحوه إلى آخر الخبر. ووجدت في نسخة قديمة أخرى قال الشيخ أبوعمرو عثمان بن محمد البلخي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسماعيل الجوهري، قال: حدّثنا أبو علي المطر بن إلياس بن سعد بن سليمان، قال: أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الله بن إسحاق الواعظ، قال: أخبرنا أبو الغنايم الحسن بن حماد المقري قراءة بأهواز في آخر شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة، قال: أخبرنا أبو مسلم محمد بن الحسن المقري قراءةعليه من أصله، قال: حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عقيل، قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن حاتم الزاهد بالشام، قال: حدّثنا إبراهيم بن محمد بن أحمد، قال: حدّثنا إسحاق بن بشر، عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن جدّه، عن علي بن أبي طالب عليهما السلام، وذكر نحوه).
ومن الواضح أنّ صاحب البحار قد عثر على كتابين لا يعرفهما ولم يبيّن لنا ما هما ومن هما المؤلّفَين لهما، كما أنّ السندين فيهما اختلاف وارتباك واضح، وجملة من الرواة مجاهيل، هذا مضافاً إلى أنّ بعض الرواة لعلّه يميل إلى الزهد والتصوّف مما يناسبه مثل هذه الأحاديث، من هنا يصعب الوثوق بهذا الحديث وثوقاً صدوريّاً.
وأمّا المضمون فلعلّه لا يراد دخوله جهنّم وعدم قبول عمله، بل المراد من المقطع المنقول أعلاه كونه ممّن لا يجاور الله ولا يذوق طعم المحبّة له سبحانه، وهذا غير أنه لا يُقبل عمله أو أنّه يدخل جهنّم، فكثير من الناس يصلّي ويصوم لكنّه لم يعش معنى حبّ الله وعشقه بشكل حقيقي، والله العالم.