السؤال: إذا كنت أحقّق مخطوطةً بخطّ المؤلّف، فما الداعي أن أذكر فروق النسخ الثانوية في الهامش كما يصنع الكثير من المحقّقين؟ أليس الذي أشتغل على تحقيقه هو نصّ المؤلف المقطوع به؟ (عمران).
الجواب: إنّ قيمة النسخ الأخرى تأتي من أسباب متعدّدة كما هو معروف في علم قواعد التحقيق:
أ ـ فقد تكون نسخة المؤلّف المتوفّرة بين أيدينا مسوّدة وليست مبيّضة، فيما تكون النسخ الثانوية منقولة عن النسخة المبيّضة فنحتاج للمقارنة بين النسخ.
ب ـ وكذلك لو كان المؤلّف قد عدّل في الكتاب بعد فترة زمنيّة بحيث غيّر أو حذف أو زاد، ولهذا يقولون في هذا المجال بأنّه لو تعدّدت نسخ المؤلّف نفسه فالمطلوب التركيز على النسخة الخطيّة الأخيرة زماناً التي وصلتنا منه، والعديد من المؤلّفين في التراث العربي والإسلامي تركوا أكثر من نسخة لكتبهم، مثل ما ينقل عن الجاحظ في كتابه (البيان والتبيين) من أنّه كتبه مرّتين، وأنّ المرّة الثانية كانت أصحّ وأجود، وهناك بعض المؤلّفين أملوا كتبهم أكثر من مرّة أيضاً، وقد يكونوا أضافوا شيئاً أو توضيحاً أثناء الإملاء.
ج ـ بل المعروف تاريخيّاً أنّ المؤلّف قد يصنّف كتابه بخطّه، ثم بعد مدّة يقوم بالإشراف على نسخةٍ أخرى لكتابه، يتمّ استنساخها عن كتابه في زمنه، ويكون الناسخ على صلة بالمؤلّف، فيُجري المؤلّف تعديلات على النسخة التي هي بخطّ الناسخ، بدل أن يعيد كتابة الكتاب من جديد.
د ـ كما أنّه من المحتمل أن يكون قد وقع سقط في النسخة الأصل التي وصلتنا من يد المؤلّف، فنحتاج للنُسخ الأخرى لمعالجة المشكلة، بل في كثير من الأحيان نكتشف أنّ نسخة المؤلّف التي وصلتنا فيها سقط أو خلل عبر مقارنتها بالنسخ الأخرى الهامشيّة.
هـ ـ كما أنّه في بعض الأحيان قد يشكّ في جملة أضيفت في نسخة المؤلّف هل هي منه أو من النسّاخ أو العلماء اللاحقين ذكروها كشرح أو تعليق، فيكون للنسخ الأخرى دور في مساعدتنا في ذلك.
و ـ كما أنّ نسخة الأصل التي بيد المؤلّف قد تكون رديئة في بعض خطوطها وتشكيلها ونُقَطِها، فنحتاج إلى النسخ الثانوية الأخرى لترجيح احتمال معيّن في قراءة الجملة المكتوبة على احتمال آخر في نسخة الأصل التي كُتبت بيد المؤلّف، فليس كلّما قلنا بأنّ النسخة بخطّ المؤلّف فجميع النسخ الأخرى أخذت منها هي بالضرورة، بل قد تكون أخذت إملاء أو من نسخة أخرى بخطّ المؤلّف أيضاً أو غير ذلك. هذا وتوجد مبرّرات عديدة أخرى في هذا الصدد أيضاً. والله العالم.
وطبعاً، لابدّ من التأكّد مسبقاً وبالقرائن من كون هذه النسخة هي النسخة الأمّ التي بخطّ المؤلّف، أو بتعبير الجاحظ (النسخة المنصوبة)؛ لأنّ إثبات أنّ هذا خطّ المؤلّف يحتاج إلى خبرة خاصّة، وفي بعض الأحيان قد يكون من الصعب الجزم، لكن يكون هناك ظنّ راجح في كون هذه النسخة بخطّ المؤلّف، فمن هنا تبقى الحاجة أيضاً إلى سائر النسخ ومقابلتها بهذه النسخة.
شكرا جزيلا على الإجابة شيخنا