السؤال: متى بدأ التقليد؟ وكيف نشأ؟
الجواب: تحدّثنا غير مرّة عن هذا الموضوع، وفي رأيي فإنّ التقليد نشأ ـ من حيث المبدأ ـ مع الإنسان، وأنت تجده في الديانات المختلفة، فيرجعون إلى رجال الدين في أخذ الدين منهم، وهذا شيء طبيعي جداً، وعلينا أن لا نخلط بين مبدأ التقليد وبين الشكل الزمني الذي نراه اليوم للتقليد، فالمبدأ حالة طبيعيّة نراها في المسلمين الذين كانوا يرجعون إلى أهل البيت والصحابة بعد وفاة النبي؛ ليسألوهم عن الدين، ويرجعون إلى التابعين وإلى العلماء اللاحقين في كلّ عصر ومصر.
إنّما معركة الرأي في التقليد تظهر في بعض جوانبه، وأبرزها باختصارٍ شديد:
1 ـ هل التقليد اتّباع للعالم الديني ولو لم يحصل لك قناعة أو اطمئنان بقوله أم أنّه خاص بحالة ما إذا سَكَنْتَ ـ رغم كونك غير متخصّص ـ إلى قوله؟ هذه مسألة مهمّة جداً وفيها بحث وكلام، فهل السيرة العقلائيّة تدفع الجاهل إلى العالم حتى لو لم يحصل للجاهل وثوق واطمئنان بقول العالم بحيث بقي متذبذباً قلقاً من رأيه؟ فلو حصل له ارتياب من قول الطبيب بحيث لم يطمئن إلى تشخيصه للمرض أو للعلاج فهل يكون مذموماً لو لم يتبعه أم لا؟
2 ـ مركزيّة التقليد، بمعنى وجود مرجعيّة دينية تمثل قطب ومركز دائرة حركة المكلّفين، وهذه المركزيّة تقوم على مبدأين:
أ ـ لزوم تقليد الحيّ من العلماء.
ب ـ لزوم تقليد الأعلم من الأحياء.
3 ـ سعة دائرة المركزيّة بتوسعة صلاحيات المقلَّد، وهي تعني امتلاكه سلطة استثنائيّة تقوم على عناصر مجتمعة أو بعضها وأبرزها:
أ ـ ولاية الفقيه العامّة أو الحقّ الحصري في الإدارة السياسيّة والاجتماعيّة للمجتمع الإسلامي.
ب ـ الحقّ الحصري في الولاية أو أخذ الحقوق الشرعيّة ونحوها (الأخماس، ومجهول المالك، والأوقاف العامّة، وأموال القصّر والغائبين و..).
إنّ التقليد بمعناه الأوّلي العام ظاهرة قديمة جداً، أمّا التقليد بمعناه الثاني المركزي، فهو ظاهرة متأخّرة على مستوى الواقع الديني، أو على الأقلّ يصعب إثباتها قديماً، وغالباً ما نجد اشتدادها منذ عصر الشهيد الأوّل في القرن الثامن الهجري، لتأخذ منحى جديداً مع تجربة المحقق الكركي في القرن العاشر من خلال منصبه في الدولة الصفويّة، ليكون منصب شيخ الإسلام في هذه الدولة تكريساً لمركزيّة كبيرة علمية عند الشيعة، وقد لا نجد قبل ذلك ما نراه اليوم من نظام التقليد والمركزيّة بالطريقة المعاصرة، وقد سبق أن بحثنا في جواب عن سؤال سابق حول تسليم الخمس للمرجعية الدينية وقلنا بأنّ هذا الرأي لا يعرفه المسلمون ولا الشيعة قبل ثلاثة قرون، وهذا يؤكّد أنّ نسبة المركزيّة وحجم الصلاحيات لم يكن بالشكل الذي تسير عليه الأمور اليوم، بل قد حارب بعض الإخباريين كثيراً (في العصر الصفوي وبعده) هذا النظام المركزي في التقليد، واعتبروه استنساخاً للتجربة السنّية وتقليصاً لمرجعيّة أهل البيت في حياة المسلم الذي يجب عليه أن يرجع دوماً إلى النصوص الواردة عنهم عليهم السلام، لا أن يعيش حياته مع نصوص العلماء والمراجع.
ولكن المهم هنا هو البحث في أدلّة الفقهاء في هذا النظام المركزي، فلعلّها تكون صحيحة وقد لا تكون كذلك، ومن هنا يبحثون إلى اليوم في ولاية الفقيه العامّة، ويبحثون في مسألة تقليد الميت ومسألة الأعلميّة، ومسألة إرجاع الحقوق الشرعيّة إلى المرجع الديني وغير ذلك، فمن اختار هذه النظريّات فله العمل بها، ومن لم يخترها جميعاً عمل بما توصّل إليه وعاد إلى الأصل الأوّلي لمسألة التقليد بشكله غير المركزي. وما أريد أن أؤكّد عليه هو أنّ وجود مشكلة مع مسألة الخمس أو ولاية الفقيه أو الأعلميّة أو نحو ذلك لا يسمح لمن يرى هذه المشكلة في إبطال مبدأ الرجوع إلى علماء الدين في القضايا الدينية بشكلٍ من أشكال الرجوع، فعلينا عدم الخلط بين الأمور وتحديد مركز الاختلاف.
أحسنتم
من ارتبط دفع الأخماس لمرجع التقليد ظهرت هذه المشاكل ، ولكن سؤالي متى بدأ خمس أرباح المكاسب؟ قرأت اجوبتكم السالفة ولم أرى شرحا كافيا ومفصلا عن خمس أرباح المكاسب ورأيكم فيه بكل صراحة