السؤال: إنّ تنازع القوى الباطنية عند الإنسان في موارد الحُسن والقبح وموارد الأمور التي ينبغي والتي لا ينبغي، هي السبب الرئيسي في مصادر الخطأ عند الإنسان، فما هي مصادر الخطأ عند الجنّ؟ (عمار الكعبي، العراق).
الجواب: المفهوم من النصوص الدينية أنّ الجنّ حالهم كحالنا في وجود من هو صالح فيهم ومن هو غير صالح، ومن القريب ـ بحسب النصوص الدينية ـ أن يكونوا مثلنا في الأمر، ولا أملك طريقاً آخر لإثبات هذا الأمر غير النصّ الديني. وحادثة آدم وإبليس تعطي دلالةً أيضاً على أنّ إبليس ـ وهو من الجنّ ـ قد وقع في نفس الحوادث التي يقع فيها الإنسان من اشتباه الأمور عليه، وحسبانه أنّ النار أفضل من التراب، وشعوره بالتفوّق وحقّ التقدّم، أو بالحسد أو بغير ذلك، فالنصّ القرآني يقدّم لنا الجنّ مخلوقات تشبه أوضاعنا في الصواب والخطأ أو في الانحراف والهداية. وحتى عندما تكلّم القرآن الكريم عن الجنّ الذين سمعوا القرآن من النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم كيف تأثروا به، وكيف رجعوا إلى قومهم وتحدّثوا إليهم، في قصصٍ تشبه حالاتنا، دون أن يشير إلى امتياز لهم في ذلك، كما أنّ سورة الجنّ نفسها تبيّن وضعهم بشكل يشبه حالنا، وأنّ فيهم السفيه خفيف العقل، وأنّهم قد يلتبس الأمر عليهم فلا يدركون أنّه توجد قيامة وبعث، وأنّ منهم من هو قاسط ظالم. كما أنّ قصّة موت سليمان عليه السلام تكشف عن أنّ الجنّ يتعاطون مع ظواهر الأمور وقد يقعون في الخطأ نتيجة الحكم على الشيء من خلال معطيات ظاهريّة، وهي وقوف سليمان على عرشه وعدم معرفتهم بموته إلا من خلال دابّة الأرض. كما أنّ هناك مجموعة من الآيات تتعاطى مع الإنس والجنّ في الخطاب وفي بيان الثواب والعقاب والذمّ والمدح بنفس الطريقة، مما يوحي بأنّنا أمم متشابهة، بل لنلاحظ سويّةً الآيات التالية، قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ﴾ (الأنعام: 128 ـ 130)، فالتوصيفات متشابهة وأنّهم يستمتعون ببعضهم وأنّهم تغرّهم الحياة الدنيا، وأنّهم يخوَّفون ويُنذَرون، مما يوحي بقدرٍ كبير من التشابه في العوارض النفسيّة والروحية والسلوكيّة بين الإنس والجنّ. كما أنّ الحديث في القرآن الكريم عن أنّ الحور العين لم يطمثهنّ إنسٌ ولا جانّ (على افتراض أنّ الجانّ والجنّ واحد)، يوحي بميولهم الغريزية أيضاً تماماً كالإنس، الأمر الذي يضعهما في إطار متشابه. إلى غير ذلك من الشواهد القرآنية.
ولكنّ هذا كلّه لا يكشف بشكل حاسم طبيعة البُنية التي تكوّن الجنّ جسديّاً وروحيّاً وجوهر هويّتهم الذاتيّة، وإنّما هي مؤشّرات للتشابه في الظواهر العقليّة والسلوكيّة والنفسيّة بينهم وبين الإنس، لاسيما بناء على القول بأنّ الجنّ مخلوقات ماديّة، وليست مجرّدات، غاية الأمر أنّهم من المادّيات التي لا تُرى بالعين المجرّدة ولا يتمّ الشعور بها عادةً من خلال الحواس الظاهرة، كما قال بذلك بعض الفلاسفة والمتكلّمين والمفسّرين والباحثين. هذا ما يمكن قوله في هذه العجالة وللتفصيل مكان آخر.