السؤال: شيخنا الجليل، نظراً لمعرفتكم العميقة بمباني ونظريات السيد الخوئي الرجاليّة والحديثية، نريد منكم أن تعلّقوا على هذه الرسالة التي كتبها أحد العلماء الكبار حول سند زيارة عاشوراء، من وجهة نظر السيّد الخوئي خاصّة لا بقيّة العلماء، وشكراً لكم (كمال، أحمد، فؤاد، طارق، سمير، العراق وعُمان ولبنان).
الجواب: سأحاول أن أسير ـ كما طلبتم ـ على منهج مثل السيد الخوئي في التعليق على هذا النصّ خاصّة، وإلا فالحديث عن ثبوت متن زيارة عاشوراء أو عدمه له بحث آخر ومجال مختلف بعض الشيء لا نخوض فيه الساعة، وسوف أنقل كلّ مقطع من مقاطع نصّ العلامة الجليل…. ثم أذكر التعليق وفقاً لمناهج السيد الخوئي.
يقول العلامة الجليل…: (سند زيارة الحسين في يوم عاشوراء، إنّ استحباب زيارةسيّدالشهداء الحسين بن علي عليهما السَّلام في اليوم العاشر من محرم الحرامممّا أصفقعليه علماء الطائفة الإمامية عبْر القرون، واتفاقهم هذا من أتقن الأدلّةعلى صحّتهاوصدورها عن أئمّة أهل البيت عليهم السَّلام).
إجماع الطائفة إذا أريد منه الاستدلال على أصل وجود زيارة في يوم عاشوراء فهذا لا بأس به، بل إنّ احتمال وجود هذه الزيارة في يوم العاشر احتمال قويّ جداً ولو من دون الإجماع، لبُعد احتمال أنّ الأئمة لم يذكروا لأبي عبد الله روحي فداه زيارةً في هذا اليوم العظيم. أما اذا قصد بذلك الاستدلال على هذا النصّ الخاص للزيارة، فهو فرع أنّهم عملوا به، وإحراز ذلك صعب، ولو سلّم فهو إجماع مدركي اعتمدوا فيه على وجود الروايات فلا حجيّة فيه، وسيأتي بعض التعليق المتصل بهذه النقطة في آخر الكلام إن شاء الله.
ويقول العلامة الجليل…:
(قد ورد إلينا سؤال عنسندها فيكتب الإمامية، فقمنا بتأليف هذه الرسالة لإزالة الشبهة العالقة ببعضالأذهان، فنقول: إنّ زيارة سيّد الشهداء في العاشر من محرّم وردت بطرق خمسة، رواهاشيخالطائفة بطرق ثلاثة، غير أنّ السند الأوّل يختصّ ببيان ثواب الزيارة دونالنصّالمعروف، والأخيرين طريقان لنفس النصّ، ويعلم ذلك بالإمعان في ما نقله الشيخ في هذاالمضمار. ورواها ابن قولويه بطريقين، فيكون الطرق إليها خمسة. وإليك الأسانيدبنصّها وتحليلها: قال الشيخ الطوسي: روى محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالحبنعقبة، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السَّلام، قال: من زار الحسين بن علي عليهماالسَّلام في يوم عاشوراء من محرّم الحرام حتّى يظلّ عنده باكياً ألقى اللّهعزّ وجلّ يوم يلقاه ثواب ألفي حجّة وألفي عمرة وألفي غزوة، ثواب كلّ غزوة وحجّةوعمرة كثواب من حجّ واعتمر وغزا مع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـومع الأئمّة الراشدين. قال: قلت: جعلت فداك فما لمن كان في بعيد البلادوأقاصيه ولم يمكنه المصير إليه في ذلك اليوم؟ قال: إذا كان كذلك برز إلى الصحراء أوصعدسطحاً مرتفعاً في داره وأومأ إليه بالسلام واجتهد في الدعاء على قاتلهوصلّى منبعدُ ركعتين، وليكن ذلك في صدر النهار قبل أن تزول الشمس، ثمّ ليندب الحسين عليهالسَّلام ويبكيه، ويأمر من في داره ممن لا يتّقيه بالبكاء عليه، ويقيم فيدارهالمصيبة بإظهار الجزع عليه، وليعزَّ بعضهم بعضاً بمصابهم بالحسين عليهالسَّلام، وأنا الضامن لهم إذا فعلوا ذلك على اللّه تعالى جميع ذلك. قلت: جعلتفداك أنتالضامن ذلك لهم والزعيم؟! قال: أنا الضامن وأنا الزعيم لمن فعل ذلك. قلت: فكيف يُعزّي بعضنا بعضاً؟ قال: تقولون: أعظم اللّه أُجورنا بمصابنابالحسين عليه السَّلام وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهديمن آلمحمد عليهم السَّلام، وإن استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجة فافعلفإنّه يومنحس لا يُقضى فيه حاجة مؤمن، فإن قضيت لم يبارك له فيها ولم يرَ فيها رشداً،ولايدَّخرن أحدكم لمنزله فيه شيئاً فمن ادّخر في ذلك اليوم شيئاً لم يبارك لهفيماادّخره، ولم يبارك له في أهله، فإذا فعلوا ذلك كتب اللّه تعالى لهم أجر ثواب ألفحجّة وألف عمرة وألف غزوة كلّها مع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وكانله أجر وثواب مصيبة كلّ نبي ورسول ووصي وصدّيق وشهيد مات أو قتل منذ خلق اللّهالدنيا إلى أن تقوم الساعة. إلى هنا تمّ سند الشيخ إلى بيان ثوابزيارة الحسين يوم عاشوراء، دون أن يذكر فيه نصّ خاص للزيارة، بل اقتصرت الرواية فينيلالثواب على ما جاء في الرواية من البروز إلى الصحراء أو الصعود إلى السطحالمرتفعوالإيماء إليه بالسلام والاجتهاد في الدعاء على قاتله… إلى آخر ما جاء في نفسالرواية، وليس فيها أيّ أثر من الزيارة الخاصّة التي نحن بصدد تقويم سندها. وإليكدراسة سندها: أقول: قد أخذ الشيخ الرواية من كتاب محمد بن إسماعيل بنبزيع، ونقل سنده إلى كتابه في الفهرست بالنحو التالي: ابن أبي جيد، عن محمد بنالحسن بنالوليد، عن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع. وعلى هذافالشيخيروي ثواب زيارة الحسين عليه السَّلام في يوم عاشوراء عن المشايخالتالية: ابن أبي جيد. ومحمّد بن الحسن بن الوليد. وعلي بنإبراهيم. ومحمّد بن إسماعيل بن بزيع. وصالح بن عقبة. وعقبةبنقيس. عن أبي جعفر الباقر عليه السَّلام. وإليك دراسة أحوالهم).
لعلّ سماحة العلامة الجليل.. نسي ترجمة ابن أبي جيد الذي صدّر السند به في طريق الطوسي إلى ابن بزيع، وابن أبي جيد ثقة عند السيد الخوئي؛ لكونه من مشايخ الشيخ النجاشي الذين حكم السيد الخوئي بوثاقتهم.
يقول العلامة الجليل…:
(محمد بن الحسن بن الوليد (المتوفّى عام 343هـ)، وهومن مشايخ الطائفة وأجلاّئها، غنيٌّ عن الوصف والبيان، ويصدر عنه الشيخالصدوق فيالتعديل والتجريح.
علي بن إبراهيم القمّي: علي بن إبراهيم، وهو شيخالكلينيالذي كان حيّاً عام 307هـ، وهو من مشايخ الطائفة الذين لا يُشق غبارهم.
محمّدبن إسماعيل بن بزيع، من أصحاب أبي الحسن الأوّلوالرضاوالجواد عليهم السَّلام، يقول الشيخ في رجاله: ثقة صحيح كوفي. ويقولالنجاشي: من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم، كثير العمل.
صالح بن عقبة، وهو صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان. عرّفه النجاشي بقوله: صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان بنأبي ربيحة. روى عن أبيه عن جدّه. وروى عن زيد الشحام. روى عنهمحمّد بنالحسين بن أبي الخطاب. وابنه إسماعيل بن صالح بن عقبة.
وليس المراد منهصالح بن عقبة بن خالد الأسدي؛ وذلك لأنّ محمد بن إسماعيل بن بزيع يروي عنهبواسطة محمّد بن أيوب، كما يظهر من طريق النجاشي إلى كتاب خالد الأسدي، حيث قال، بعدذكرعدّة من المشايخ:… عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن محمّد بن أيّوب عن صالح بن عقبةبن خالد الأسدي. كما أنّ الشيخ اقتصر على ذكر شخص واحد، وقال: صالحبن عقبةله كتاب، أخبرنا به ابن أبي جيد عن ابن الوليد عن الصفار محمد بن الحسين عنمحمد بن إسماعيل بن بزيع عنه. ومراده هو: صالح بن عقبة بن قيس لا خالد الأسدي. فمااحتمله المحقّق التستري ليس في محلّه. إذا ظهر ذلك فاعلم: أنّالضابطة فيكلّ ما يذكره النجاشي هو أنّه إماميّ، فلو كان غير إمامي لتعرّض إلى مذهبه، كما أنّهلو كان قدح فيه لذكره. وعلى ذلك بنى جمع من علمائنا الرجاليين كالسيدبحر العلومالطباطبائي رحمه اللّه في الفائدة العاشرة من فوائده الرجاليّة. فذهب إلىأنّجميع من ذكره الطوسي والنجاشي في كتابيهما من الشيعة الإمامية صحيح المذهب،ممدوح بمدح عام يقتضيه الوضع لذكر المصنّفين العلماء والاعتناء بشأنهم وشأنكتبهم،وذكر الطريق إليهم، وذكر من روى عنهم، ومن رووا عنه إلاّ من نصّ فيه على خلافذلك منالرجال كالزيدية والفطحية والواقفية وغيرهم. وعلى ضوء ذلك فهو إماميممدوح بمدح عام والذي جاء سبباً لذكره في الكتب. هذا من جانب. ومن جانب آخر يروي عنهشيخانعظيمان من مشايخ الشيعة الكبار هما: محمد بن الحسين بن أبيالخطاب (المتوفّى عام 262هـ)، ومحمّد بن إسماعيل بن بزيع، من كبار مشايخ الشيعة. نعم ضعّفه ابنالغضائري، كما نقله العلاّمة في خلاصته وقال: غالٍ، كذّاب لا يلتفتإليه. ولكنّ ذمّ الغضائري لا يعتدّ به، لأنّه قدح كثيراً من ثقاتناوعلمائناالذين لا يُشق غبارهم وقد كان له عقائد خاصّة في حقّ الأئمّة الاثني عشر، فمن تجاوزعنها وصفه بالغلو، ومن روى رواية في ذلك الموضوع برواية لا توافق عقيدته وصفهبالكذب، ولذلك رتّب في كلامه على كونه غالياً، قوله: كذّاباً لا يلتفت إليه. وهذادليل على أنّ وصفه بالكذب، لتوهّم الغلوّ فيه. كيف يمكن أن يوصف بالغلو والكذب منهو من مشايخ محمد بن الحسين بن أبي الخطاب أو محمّد بن إسماعيل بن بزيع الذيذكر عندالرضا عليه السَّلام، فقال: وددت أنّ فيكم مثلَه، ومن اعتنى بذكره وذكر كتابه الشيخان النجاشي والطوسي. فوثاقته قويّة وروايته معتبرة).
لست أدري كيف ثبت أنّ الأصل في كلّ اسم ذكره الطوسي والنجاشي في كتابيهما أنّه ممدوح بمدح عام، فهذا مما لم يقبل به أغلب العلماء، ولا أظنّ أنّ العلامة الجليل… يلتزم به في مباحثه الرجالية المنشورة، ولا يقبل بذلك السيد الخوئي الذي اعتبر المئات من الأشخاص مجاهيل رغم ورودهم في كتابي الطوسي والنجاشي، مع أنّ الطوسي والنجاشي ضعّفا عشرات الأشخاص في هذين الكتابين، نعم كون الرجل إماميّاً يمكن تعقّله، أمّا ثبوت وثاقته بمجرّد ذكر اسمه في أسماء مصنّفي الشيعة فهو لا دليل عليه أبداً، لاسيما وأنّ كتابي الطوسي والنجاشي معقودان لبيان أسماء المصنّفين والمصنَّفات، وليسا في مقام بيان أحوال الرواة دوماً. ما لم يقصد من المدح العام نفس أنّه إمامي، وهذا لا يفيدنا هنا حيث غرضنا إثبات إمكان الاعتماد على حديثه. أضف إلى ذلك إنّ كونه ممن روى عنه بعض الرواة الكبار مثل ابن بزيع ليس دليلاًُ على التوثيق عند مشهور العلماء ومنهم السيد الخوئي وغيره، فإنّ الرواة يروون أحياناً بداعي جمع التراث وليس بداعي الاعتقاد، وقد ألمح إلى مثل ذلك ابن إدريس الحلي في كتاب السرائر عند تعليقه على كتاب النهاية للطوسي في مواضع متعدّدة. لكن على أيّة حال فإنّ صالح بن عقبة ثقة عند السيد الخوئي لوروده في أسانيد تفسير القمّي (معجم رجال الحديث 10: 84 ـ 86).
يقول العلامة الجليل….:
(عقبةبن قيس بن سمعان، عنونه الشيخ في رجاله وعدّه من أصحاب الإمام الباقر عليه السَّلام، وكونه من أصحاب الإمام الباقر عليه السَّلام يدلّ علىأنّهإمامي، ولم يظفر الشيخ بشيء من الذمّ فيه).
مجرّد عدم ورود الذمّ في الراوي لا يعني أنّه ثقة، فقد يكون مجهولاً عند المتقدّمين أيضاً، وهذا المبنى الذي يذكره سماحة العلامة الجليل لم يقبل به مشهور الفقهاء، ولا أظنّه يقبل به هو نفسه في أبحاثه الفقهية والرجاليّة، كما لا يقبل به السيد الخوئي. ثم كون الشخص من أصحاب الإمام الباقر لا يعني أنّه إمامي؛ فالفطحيّة والزيديّة وغيرهم يمكن أن يكونوا من أصحاب الباقر، بل وما أكثرهم، لاسيما وأنّ بعض الفرق ظهرت بعد وفاة الإمام الباقر، فكيف تكون صحبة هذا الإمام عليه السلام دليل عدم كون الراوي واقفياً بعد ذلك؟! ولهذا كلّه كان عقبة بن قيس بن سمعان مجهول الحال عند السيد الخوئي لم تثبت وثاقته (معجم رجال الحديث 12: 172).
يقول العلامة الجليل…:
(إلى هنا تمّت دراسة السند الأوّلللشيخإلى بيان ثواب زيارة الحسين في يوم عاشوراء. والسند لا بأس به، وهو منالحسنبمعنى الممدوح بالمدح العام لا الممدوح بالمدح الخاصّ).
تبيّن عدم صحّة هذا السند عند السيد الخوئي، لا أقلّ بجهالة عقبة بن قيس بن سمعان.
ويقول العلامة الجليل…:
(المهمفي المقامهو دراسة سند الشيخ إلى نصّ الزيارة، قال قدَّس سرَّه: صالح بن عقبة، وسيف بنعميرة، قال علقمة بن محمد الحضرمي، قلت لأبي جعفر عليه السَّلام: علّمْني دعاءًأدعو به ذلك اليوم إذ أنا زرته من قرب وأومأت من بعد البلاد، ومن داري بالسلامإليه. قال: فقال لي يا علقمة: إذا أنت صليت الركعتين بعد أن تومئ إليهبالسلام فقل عند الإيماء إليه من بعد التكبير هذا القول، فإنّك إذا قلت ذلك فقددعوت بما يدعوا بن زوّاره من الملائكة، وكتب اللّه لك مائة ألف ألف درجة وكنت كمناستشهد مع الحسين عليه السَّلام حتى تشاركهم في درجاتهم ثمّ لا تعرف إلاّ معالشهداء الذين استشهدوا معه وكتب لك ثواب زيارة كلّ نبي وكلّ رسول وزيارة كلّمن زارالحسين عليه السَّلام، منذ يوم قتل عليه السَّلام وعلى أهل بيته. الزيارة: السّلام عليك يا أبا عبد اللّه، السّلام عليك يابن رسولاللّه،السّلام عليك يابن أمير المؤمنين وابن سيد الوصيّين، السّلام عليك يابنفاطمة سيدةنساء العالمين… ثمّ قال ـ بعد السلام مرّة واللعن مرة ـ: ثمّ تسجد وتقول: اللّهمّ لك الحمد، حمد الشاكرين لك على مصابهم، الحمد للّه على عظيمرزّيتي، اللّهمّ ارزقني شفاعة الحسين عليه السَّلام يوم الورود، وثبّت لي قدم صدق عندك مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السَّلام. قال علقمة: قال أبو جعفر عليه السَّلام: وإن استطعت أن تزوره فيكلّ يوم بهذه الزيارة من دارك فافعل فلك ثواب جميع ذلك. إلى هنا تمّت زيارةعاشوراءسنداً ومتناً، وإليك دراسة السند فنقول: سياق العبارة ظاهر في أنّالشيخ أخذالرواية من كتاب محمّد بن إسماعيل بن بزيع الذي لا كلام في وثاقته، إنّماالكلامفيمن يروي هو عنه، فقد روى محمد بن إسماعيل نصّ الزيارة بالسند التالي: صالح بن عقبة وسيف بن عميرة، وهما عن علقمة بن محمّد الحضرمي. أمّاصالحبن عقبة فقد تقدّمت ترجمته، وقد عرفت أنّه في الكتب الرجاليّة إمامي ممدوحبالمدحالعام لا الخاص، ولكن دلّت القرائن على كونه مقبول الرواية، وأنّ ذمّالغضائري لايعتدّ به. فلو افترضنا عدم ثبوت وثاقته، فلا يضرّ بصحّة هذا السند؛ لأنّمحمد بنإسماعيل بن بزيع يروي نصّ الزيارة عن شخصين، أحدهما صالح بن عقبة والآخر سيفبنعميرة، والثاني ثقة بلا كلام. قال النجاشي: سيف بن عميرة النخعي، عربي،كوفي،ثقة، يروي عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن، له كتاب يرويه عنه جماعات منأصحابنا. وصرّح بوثاقته الشيخ في الفهرست. فالرواة إلى هناكلّهم ثقات،فالرواية صحيحة. إنّما الكلام في الراوي الأخير، أعني: علقمة بن محمدالحضرمي. وأمّا علقمة فعدّه الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر عليه السَّلام،والصادق عليه السَّلام. وليس في الكتب الرجالية تصريحبوثاقته، ولكنّالقرائن تدلّ على وثاقته: روى الكشي عن بكار بن أبي بكر الحضرمي،قال: دخلأبو بكر وعلقمة على زيد بن علي وكان علقمة أكبر من أبيه فجلس أحدهما عنيمينه والآخر عن يساره وكان بلغهما أنّه قال: ليس الإمام منّا من أرخى عليهستره، إنّماالإمام من شهر سيفه. فقال له أبو بكر ـ وكان أجرأهما ـ: يا أباالحسين، أخبرنيعن علي بن أبي طالب عليه السَّلام أكان إماماً وهو مرخ عليه ستره أولم يكنإماماً حتى خرج وشهر سيفه، وكان زيد يبصر الكلام فسكت فلم يجبه، فردّعليه الكلام ثلاث مرات كلّ ذلك لا يجيبه بشيء. قال له أبو بكر: إن كان عليبن أبيطالب عليه السَّلام إماماً فقد يجوز أن يكون بعده إمام مرخ ستره، وإنكان علي عليه السَّلام لم يكن إماماً وهو مرخ عليه ستره فأنت ما جاء بك ها هنا. فطلبعلقمة من أبي أن يكفّ عنه فكفّ. والحديث يكشف عن أنّ الأخوين كانا على بصيرة منأمر الإمامة).
هذه الرواية لو صحّت سنداً تدلّ على كون علقمة شيعياً غير زيدي، وأيّ ربط لها بوثاقته وأمانته في النقل؟! فليس كل شيعي ثقة بإجماع العلماء، والسيد الخوئي معهم. بل إنّ هذه الرواية نفسها غير معتبرة عند السيد الخوئي، حيث قال فيها: (أقول: محمّد بن جمهور ضعيف، وبكّار مجهول، فلا اعتماد على الرواية) (معجم رجال الحديث 8: 363).
ويقول العلامة الجليل…:
(ما سيوافيك عند دراسة السند الثالث للشيخ من أنّ سيف بنعميرةالثقة، اعترض على صفوان بن مهران الثقة بأنّ ما دعا به، لم يرد في روايةالعلقمي عنالباقر عليه السَّلام واعتذر صفوان ـ بما سيوافيك في محله ـ بأنّه سمعهمنالإمام الصادق عليه السَّلام عند زيارته لجدّه الحسين. فالاحتجاج بعدمنقله،والجواب عنه بأنّه سمعه من الإمام الصادق عليه السَّلام، حاك عن تسليمالرجلينالثقتين، وثاقة علقمة بن محمد الحضرمي، وإلاّ لما احتجّ به سيف بن عميرة، ولماأجاب عنه صفوان بالسماع عن الصادق عليه السَّلام).
مجرّد ذلك لا يثبت الوثاقة، فقد تسأل أنت شخصاً ثقة عن شيء وتقول له: إنّ كلامك يعارض كلام زيد من الناس، ويكون زيد مجهول الحال عندك، لا دليل على ضعفه ولا دليل على وثاقته، فيجيبك بأنني سمعت ذلك من الإمام، فأيّ دلالة في هذا على التوثيق، نعم هذا يدلّ على عدم كونه ضعيفاً عنده، وعدم ثبوت الضعف لا يساوي ثبوت الوثاقة.
ويقول العلامة الجليل…:
(وبذلك يعلم: أنّالدعاءالوارد بعد الزيارة ليس لعلقمة، وإن اشتهر بأنّه منه، بل هو لصفوان بنمهران. فخرجنا بالنتيجة التالية: إنّسند الشيخ إلى كتاب محمّد بنإسماعيل بنبزيع صحيح في الفهرست. وأنّ محمد بن إسماعيل بن بزيع ثقة بالاتفاق. وأنّسيف بن عميرة ثقة، صرّح بها النجاشي. وأنّ علقمة بن محمد الحضرمي، ثقة حسبالقرائن التي عرفتها. إلى هنا تمّ السند الثاني، فلو قلنا بوثاقة علقمة كما هوالحقّ فالسند صحيح وإلاّ فهو حسن بالمدح العام).
بما قلناه ظهر ضعف هذا السند أيضاً، والسيد الخوئي يوثق علقمة الحضرمي بناء على مبنى كامل الزيارة (معجم رجال الحديث 12: 201)، وهذا يعني أنّه عدل عن توثيقه له بعد ذلك لأنّه عدل عن هذا المبنى، وليس علقمة من المشايخ المباشرين لابن قولويه، فالحضرمي عند السيد الخوئي في رأيه المتأخّر غير ثابت الوثاقة.
ويقول العلامة الجليل….:
(السند الثالث إلى نصّ الزيارة. ثمّإنّ للشيخ سنداً ثالثاً في «مصباح المتهجّد» إلى نصّ الزيارة نأتي بنصّه: قال الشيخ الطوسي: وروى محمد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن عميرة، قال: خرجتمع صفوانبن مهران الجمّال وعندنا جماعة من أصحابنا بعد ما خرج أبو عبد اللّه عليهالسَّلام [فسرنا] من الحيرة إلى المدينة. فلمّا فرغنا من الزيارة صرف صفوانوجهه إلى ناحية أبي عبد اللّه [الحسين] عليه السَّلام، فقال لنا: تزورون الحسين عليه السَّلام من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين صلواتاللّه عليه من ها هنا، وأومى إليه أبو عبد اللّه [الصادق] عليه السَّلام وأنا معه. قال: فدعا صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمّد الحضرمي عن أبي جعفر عليهالسَّلام في يوم عاشوراء، ثمّ صلّى ركعتين عند رأس أمير المؤمنين عليه السَّلام، وودّع في دبرهما أميرالمؤمنين عليه السَّلام، وأومى إلى الحسين بالسلاممنصرفاً بوجههنحوه، وودّع وكان فيما دعاه في دبرها: يا اللّه، يا اللّه، يا اللّه، يامجيبدعوة المضطرين…(الدعاء المعروف بدعاء علقمة). والرواية صريحة في أنّصفوانزار الإمام الحسين عليه السَّلام بالزيارة التي رواها علقمة بن محمدالحضرميوفي آخر الرواية، قال: سيف بن عميرة، فسألت صفوان: إنّ علقمة بن محمدالحضرمي لميأت بهذا (الدعاء) أعني: يا اللّه يا اللّه يا اللّه، يا مجيب دعوةالمضطرين… وإنّما أتانا بدعاء الزيارة (أي نصّ الزيارة)، فقال صفوان: وردت مع سيدي أباعبداللّه عليه السَّلام إلى هذا المكان ففعل مثل الذي فعلناه في زيارتناودعا بهذاالدعاء عند الوداع. فالاختلاف إنّما كان في الدعاء الذي يُقرأ بعد الزيارةبعد تسليم نصّها المعروف.إنّ الشيخأخذالرواية من كتاب محمّد بن خالد الطيالسي، وذكر سنده إلى كتابه في الفهرست، وقال: لهكتاب رويناه عن الحسين بن عبيد اللّه(الغضائري)، عن أحمد بن محمد بنيحيى(شيخالصدوق)، عن أبيه (محمد بن يحيى العطار القمّي)، عن محمد بن علي بن محبوب،عنه. وسنده إلى الكتاب صحيح، وأحمد بن محمد بن يحيى من مشايخ الصدوقوينقلعنه مع الترضّي عليه، والمشايخ في غنى عن التوثيق).
أحمد بن محمد بن يحيى لم يوثقه أحد من القدماء، وأدلّة توثيقه كلّها ضعيفة؛ ولهذا لم يوثقه السيد الخوئي، انظر (معجم رجال الحديث 3: 122)، فطريق الشيخ الطوسي إلى الطيالسي غير معتبر عند السيد الخوئي كما صرّح هو بنفسه في ذلك (معجم رجال الحديث 17: 76).
ويقول العلامة الجليل…:
(إذا علمت ذلك، فاعلمأنّالحكم بصحّة السند، يتوقف على دراسة أحوال الرواة الواردين فيه وهم: محمد بن خالد الطيالسي. سيف بن عميرة.صفوان بن مهران الجمال. أمّاالثانيأعني سيف بن عميرة فقد عرفت أنّ النجاشي وثّقه، بقي الكلام في الأوّل والثالث. أمّا محمد بن خالد الطيالسي فقد عدّه الشيخ في رجاله في أصحابالكاظم عليه السَّلام، وتؤيد وثاقته رواية المشايخ الأعاظم عنه نظراء: علي بنالحسن بن فضال. سعد بن عبد اللّه القمّي. حميد بن زياد، قالالشيخ فيفهرسته: محمّد بن خالد الطيالسي يكنى أبا عبد اللّه روى عنه حميد أُصولاًكثيرة. علي بن إبراهيم القمّي. محمد بن علي بن محبوب. محمد بنيحيي المعادي. معاوية بن حكيم. وقال النجاشي: محمد بن خالد بنعمرالطيالسي التميمي أبو عبد اللّه مات لثلاث بقين من جمادى الآخرة سنة 259، وهوابن 97سنة. ولعلّ هذا المقدار يثبت وجاهته في الحديث وأنّ له منزلة عندالمحدّثين،فيكون إماميّاً ممدوحاً بل مقبول الرواية).
لم يوثق أحدٌ الطيالسي هذا، ومجرّد رواية العلماء عنه ليس دليل توثيق، ولهذا لم يوثقه السيد الخوئي، إلا بناء على كتاب كامل الزيارة الذي عدل عنه آخر عمره، فانظر: (معجم رجال الحديث 17: 75).
ويقول العلامة الجليل…:
(وأمّا الثالث، أعني: صفوان بنمهران،فهو كوفي ثقة، يكنّى أبا عبد اللّه. إلى هنا تمّت دراسة أسانيد الشيخ الثلاثة، فخرجنا بالنتيجة التالية: إنّ السند الأوّل من الأسانيدالثلاثة، طريقالشيخ إلى ما يترتب على زيارة الحسين عليه السَّلام على وجه الإطلاق من الثواب،وهو ليس بمطروح عندنا في هذا المقال، وإنّما ذكرناه استطراداً؛ لأنّ الشيخروى الجميع في مقام واحد. وأمّا السند الثاني فرواه الشيخ عن سيف بنعميرة وهوثقة بالاتفاق. عن علقمة بن محمد الحضرمي ولم يصرّح بوثاقته، وإنّما دلّتالقرائنعلى وثاقته. وأمّا السند الثالث فرواه الشيخ عن محمّد بن خالدالطيالسي، عن سيف بن عميرة، عن صفوان بن مهران. والأخيران ثقتانوالأوّللم يصرّح بوثاقته، وإنّما دلّت القرائن على مقبوليّة روايته في الحديث).
لم تثبت وثاقة الطيالسي ولا علقمة الحضرمي فهذه الأسانيد غير صحيحة، حتى على رأي السيد الخوئي.
ويقول العلامة الجليل…:
(فحانالبحثعن سند ابن قولويه إلى نصّالزيارة: سند ابنقولويه إلىزيارة عاشوراء: روى ابن قولويه في كتاب «كامل الزيارات» زيارة عاشوراءبالسندالآتي: حدّثني حكيم بن داود بن حكيم وغيره. عن محمّد بن موسىالهمداني، عنمحمّد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن عميرة وصالح بن عقبة جميعاً، عنعلقمة بن محمّد الحضرمي، عن أبي جعفر الباقر عليه السَّلام قال: من زارالحسين يومعاشوراء حتّى يظلّ عنده باكياً لقى اللّه عزّ وجلّ يوم القيامة بثواب ألفيحجّة. ومحمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن مالك الجهني، عن أبيجعفرالباقر عليه السَّلام قال: من زار الحسين عليه السَّلام يوم عاشوراء منمحرّم حتى يظلّ عنده… وقد تمّ السند الأوّل بقوله: عن علقمة بنمحمّد الحضرمي).
قلنا بأنّ علقمة الحضرمي والطيالسي لم تثبت وثاقتهما عند السيد الخوئي، فهذا السند هو بعينه مرجع الأسانيد السابقة وليس شيئاً جديداً، فهو ضعيف.
ويقول العلامة الجليل…:
(ثمّ ابتدأ بسند آخر، وقال: ومحمّد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة. وعلىذلكففي قوله: ومحمد بن إسماعيل احتمالان: الأوّل: أنّ ابن قولويه شرع بأوّلالسندوأخذ الرواية عن كتاب محمد بن إسماعيل بن بزيع، لما عرفت من أنّ الشيخ روىنفس الزيارة عن ذلك الكتاب، وطريقه إليه صحيح فينتج قيام الحجّة على وجود نصّالزيارة فيذلك الكتاب، وقد تناول كلّ من العلمين الطوسي وابن قولويه نقلها من ذلكالكتاب، غير أنّا نعلم بسند الشيخ إلى الكتاب ولا نعلم سند ابن قولويه إليه، ولكنّه لايضرّبصحّة الرواية للعلم بوجود الرواية في ذلك الكتاب عن طريق الشيخ. وهذاالاحتمالهو الأوجه، وعليه يكون لابن قولويه سندان إلى زيارة عاشوراء. الثاني: إنّقوله: ومحمّد بن إسماعيل، عطف على قوله: محمد بن خالد الطيالسي، وأنّ سند ابن قولويه إلىكتاب محمّد بن إسماعيل نفس سنده إلى كتاب محمّد بن خالد الطيالسي، فيروي كتابابن بزيع عن الطريق الذي يروي به كتاب الطيالسي. وعلى ذلك يكون سنده إليهكالتالي: حكيم بن داود، عن محمّد بن موسى الهمداني، عن محمد بن إسماعيلبن بزيع. وهذا الاحتمال بعيد. وثمّة احتمال ثالث لا يتفوّه به من له إلمامبالرجال، وهو أنّ قوله «ومحمد بن إسماعيل» عطف على قوله: «علقمة بن محمد الحضرمي»، وجزء منالسند السابق؛ لأنّه بعيد عن الصواب غاية البعد؛ لأنّ علقمة من أصحاب الباقروالصادقعليهما السَّلام، وابن بزيع من أصحاب الرضا والجواد عليهما السَّلام، ومعالاختلاففي الطبقة كيف يعطف المتأخّر طبقةً، على المتقدّم كذلك؟! إذا عرفت ذلكفلنتاول رواةالسند الأوّل بالبحث:
1 ـ حكيم بن داود بن حكيم، أحد مشايخ جعفر بنقولويه، وقدوثّق مشايخه إجمالاً في أوّل كتابه، فقال: لا يذكر في كتابه إلاّ ما وقع لهمن جهةالثقات، وروى عنه في كامل الزيارات في الباب الثاني، الحديث11 والباب 54الحديث الثالث. مضافاً إلى الباب 71، الحديث 9.
2 ـ محمد بن موسى بن عيسىالهمداني، ذكره النجاشي بقوله: محمد بن موسى بن عيسى أبو جعفر الهمداني السمان،يروي عنه محمد بن يحيى العطار القمّي على ما في طريق النجاشي إلى كتابه، حيثقال: أخبرنا ابن شاذان، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه، عنه بكتبه. كمايروي عنهمحمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، الذي هو شيخ مشايخ الكليني، وقدورد فيأسناد نوادر الحكمة، للأشعري، غير أنّ الغضائري ضعّفه، ومع ذلك قال: ضعيف،يروي عن الضعفاء ويجوز أن يخرج شاهداً. وضعّفه ابن الوليد أُستاذ الصدوق. غير أنّ تضعيف هؤلاء يرجع إلى الاختلاف في مقامات الأئمّة، فإنّ للقمّيين وعلى رأسهم محمّد بن الوليد عقائد خاصة في حقّ أهل البيت عليهم السَّلام ربما لا يرتضيهمحقّقوالإمامية. يقول الشيخ المفيد في تصحيح الاعتقاد: وقد سمعنا حكاية ظاهرةعن أبيجعفر محمد بن الحسن بن الوليد لم نجد لها دافعاً في التفسير، وهي ما حكي عنه أنّه قال: أوّل درجة في الغلو نفي السهو عن النبي والإمام عليه السَّلام، فإن صحّتهذه الحكاية عنه فهو مقصّر مع أنّه من علماء القمّيين ومشيختهم، وقدوجدنا جماعةوردوا إلينا من قم يقصّرون تقصيراً ظاهراً في الدين وينزلون الأئمّة عليهمالسَّلام عن مراتبهم، ويزعمون أنّهم كانوا لا يعرفون كثيراً من الأحكامالدينية حتىينكت في قلوبهم، ورأينا في أُولئك من يقول إنّهم ملتجئون في حكم الشريعةإلى الرأيوالظنون، ويدّعون مع ذلك أنّهم من العلماء، وهذا هو التقصير الذي لا شبهةفيه. وعلى هذا فلا بعد أن يكون تضعيفه من جانب ابن الوليد لأجل اختلافهما فيمقاماتالأئمّة، ولأجل ذلك لمّا نقل النجاشي قول ابن الوليد بأنّه يقول كان يضعالحديث،عقّبه بقوله: واللّه أعلم).
ما جاء في كتاب الغضائري من تضعيف الهمداني لا قيمة له ـ كما هو الحقّ ـ عند السيد الخوئي؛ لعدم صحّة نسبة كتاب الغضائري الموجود بين أيدينا اليوم إليه، لكنّ هذا لا يثبت وثاقة الهمداني؛ إذ لم يوثقه أحد، ومجرّد كونه شيخ شيخ الكليني لا يثبت وثاقته، كما هو واضح من مباني السيد الخوئي. بل إنّ محمد بن الحسن بن الوليد ضعّف الهمداني صريحاً بحسب نقل النجاشي، وضعّفه القميّون أيضاً، كما ضعّفه الشيخ الصدوق صريحاً واتهمه بالكذب، ولهذا لم يوثقه ولم يأخذ بأحاديثه السيد الخوئي، فانظر (معجم رجال الحديث 18: 297 ـ 299)، وعلى تقدير عدم الأخذ بتضعيفاتهم، فهذا لا يثبت وثاقته؛ لأنّه لا دليل على الوثاقة حتى لو لم يكن هناك دليل على الضعف، فالهمداني لا احتجاج بحديثه عند السيد الخوئي.
ويقول العلامة الجليل….:
(3 ـ محمّد بن خالد الطيالسي، قد مرّتترجمته عنددراسة السند الثالث للشيخ الطوسي، وقد دلّت القرائن على كونه مقبول الرواية).
قد مرّ عدم ثبوت وثاقته عند السيد الخوئي، كما هو الصحيح أيضاً.
ويقول العلامة الجليل….:
(4 ـ سيف بن عميرة، قد مرّ أنّه ثقة بلا إشكال.
5 ـ صالح بن عقبة، مرّتترجمته عنددراسة السند الأوّل للشيخ. وأنّه إمامي ممدوح بالمدح العام.
6 ـ علقمة بنمحمدالحضرمي، تقدّمت ترجمته عند دراسة سند الشيخ إليه، وقلنا بأنّ القرائنتدلّ علىوثاقته. إلى هنا تمّ السند الأوّل للشيخ ابن قولويه).
تقدّم أنّ سيف بن عميرة ثقة، وصالح بن عقبة ثقة عند السيد الخوئي ولم تثبت وثاقته عندي، وأمّا علقمة فقد بيّنا سابقاً عدم ثبوت وثاقته، لا عندي ولا عند السيد الخوئي. وعليه فقد تبيّن عدم صحّة هذا السند عند السيد الخوئي بوجود علقمة فيه.
ويقول العلامة الجليل….:
(وإليك دراسة السندالثاني: دراسة السند الثاني لابن قولويه: روى محمّد بنإسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن مالك الجهني، عن أبي جعفر الباقر عليه السَّلام: من زارالحسين عليه السَّلام يوم عاشوراء من محرم حتّى يظل عنده باكياً. وهذاالسندغنيّ عن الدراسة إلاّ ترجمة مالك الجهني).
على القارئ الكريم أن يلاحظ هنا كيف أنّ الرواة يتكرّرون في أكثر الأسانيد، وهذا يعني أنّها ليست أسانيد متعدّدة، بل يمكن إجراء طريقة اختزال الأسانيد عليها.
ويقول العلامة الجليل….:
(فإنّ محمد بن إسماعيل وصالح بنعقبة قدتقدّمت ترجمتهما، وأمّا مالك الجهني فقد عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الباقرومنأصحاب الصادق عليهما السَّلام، قائلاً: الكوفي مات في حياة أبي عبد اللّهعليهالسَّلام. ويمكن استظهار وثاقته من الأُمور التالية:
الأوّل: ما رواهعلي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن يحيى الحلبي، عن مالكالجهني، قال: قال أبوجعفر: يا مالك أنتم شيعتنا ألا ترى أنّك تفرّط في أمرنا، إنّه لا يقدر علىصفة اللّه فكما لا يقدر على صفة اللّه، كذلك لا يقدر على صفتنا، وكمالا يقدرعلى صفتنا كذلك لا يقدر على صفة المؤمن، إنّ المؤمن ليلقى المؤمن فيصافحه، فلا يزالاللّه ينظر إليهما والذّنوب تتحاتُّ عن وجوههما، كما يتحاتُّ الورق من الشّجر، حتّىيفترقا، فكيف يقدر على صفة من هو كذلك. والرواية وإن كانت تنتهي إلىنفسمالك الجهني لكن اعتناء علي بن إبراهيم القمي ومحمد بن عيسى بن عبيد ويونسبن عبدالرحمن بنقلها حاك عن اعتمادهم على روايته).
هذه الطرق في إثبات الوثاقة غير صحيحة عند المحقّقين من علماء الرجال، ومنهم السيد الخوئي، والذي اتبعها هو كلّ من الوحيد البهباني والشيخ النمازي، ويعدّان من المفرطين في منهج التوثيق بين علماء الإمامية، فهي لو تمّت تثبت صحّة كلّ روايات الشيعة، إذ من البعيد أن يروي الصدوق أو الكليني أو الطوسي أو المفيد رواية ولا يكون واثقاً بها، ومعتمداً على رجالها، وبهذه الطريقة لا قيمة لكلّ أبحاثنا في الرجال والحديث ونقد الحديث والتحقيقات السندية والمتنيّة، ولا أدري كيف يتبنّى العلامة الجليل… مبنى الأصوليين وهو من علماء الرجال المعاصرين والحال أنّه يسلك هنا طريقة إفراطيّي الإخباريين. من هنا لم يوثق السيد الخوئي مالك بن أعين الجهني، وهو الصحيح، فانظر: (معجم رجال الحديث 15: 164).
ويقول العلامة الجليل….:
(الثاني: روى الكليني، عنعيسىالحلبي، عن ابن مسكان، عن مالك الجهني قال: قال لي أبو عبد اللّه: يا مالك أماترضون أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتكفّوا وتدخلوا الجنّة؟ يا مالكإنّه ليس منقوم ائتموا بإمام في الدنيا إلاّ جاء يوم القيامة يلعنهم ويلعنونه إلاّ أنتمومن كانعلى مثل حالكم، يا مالك إنّ الميت واللّه منكم على هذا الأمر لشهيد بمنزلةالضارببسيفه في سبيل اللّه).
هذه الرواية ترجع إلى مالك الجهني نفسه، فلا يمكن إثبات وثاقته بروايةٍ هو يرويها لنا، كما يذهب إلى ذلك العلماء بمن فيهم السيد الخوئي، إلا على الطريقة المتقدّمة التي مارسها العلامة الجليل… وقد تقدّم التعليق عليها.
ويقول العلامة الجليل….:
(الثالث: إنّ مدحه للإمام الباقر عليهالسَّلام يعربعن وقوفه بمقام الإمام، وأنّّه كان يجاهر بالولاء يوم كان الجهر بهمحظوراً،وقال: إذا طلب الناس علم القرآن كانت قريش عليه عيالاً. وإن قيل اينابن بنتالنبـي نلت بذاك فروعاً طوالاً. نجوم تهلّل للمدلجين جبال تورّثعلماًجبالاً).
كلّ ما يثبته هذا هو تشيّع الرجل، وقد صرّح العلماء ـ بمن فيهم السيد الخوئي ـ بأنّ تشيّع شخص ليس دليل وثاقته، فأيّ برهان يثبت أنّ كل شيعي ثقة إلا ما خرج بالدليل؟! كيف وبعض الغلاة الكذابين كانوا محبين بإفراطٍ لأهل البيت ويجاهرون بذلك.
ويقول العلامة الجليل….:
(الخاتمة: هذه إشارة سريعة إلى أسانيد زيارة عاشوراء، وقد عرفت صحّة بعضها ومقبوليّة البعضالآخر، والمجموع يشدّ بعضه بعضاً ويورث العلم أو الاطمئنان المتاخم للعلمبصدورالرواية عن المعصوم عليه السَّلام، مضافاً إلى أمرين: 1 ـ اتفاقالعصابة ومواظبتهم على قراءتها عبر القرون، وهي إحدى القرائن على صدور الرواية. 2 ـ إنّالإمعان في مضمون الزيارة يعرب عن أنّه صدر من قلب ملؤه الشجون والأحزان،لا يسكندمعه ولوعه إلاّ بأخذ الثأر، وهو يتفق بذلك مع مضامين سائر الرواياتالواردة في الأدعية والزيارات. إلى هنا تمّ ما أردنا بيانه في هذه الرسالة من دراسةسند زيارة الحسين عليه السَّلام في عاشوراء).
مواظبة الشيعة على هذه الزيارة لا يحرز وجوده في عصر النصّ ليكون سيرةً متشرّعية، وإلا فلنقم الأدلّة على ذلك وكيف عرفناه. ووجوده بعد عصر النص ربما يكون ناشئاً من توجيهات العلماء. وتوجيهات العلماء لا تثبت اعتقادهم بصدورها؛ لأنّ هذه الروايات واردة في الأمور المستحبّة، ومن الممكن أن يكونوا أخذوا بها تساهلاً من باب قاعدة التسامح في أدلّة السنن، وهذا لا يثبت اعتقادهم بصدور الحديث، والسيد الخوئي لا يقول بقاعدة التسامح في أدلّة السنن (الخوئي، مصباح الأصول 2: 320؛ والتنقيح، كتاب الطهارة 1: 526، و4: 8، و5: 417، و9: 294، 295، 324، 331، 339، 353 و…)، كما لا يقول السيد الخوئي بجبر الخبر الضعيف بعمل المشهور (الخوئي، التنقيح، الطهارة 1: 286، 453، و2: 477، و6: 137، و7: 274، 283، و8: 62، 181، و9: 294 ـ 295، 376، ومستند العروة، كتاب الصلاة 2: 160، و4: 23، و5، ق1: 113، و5، ق2: 259، 453، و7: 101؛ والمعتمد في شرح المناسك 3: 323، و4: 223؛ ومباني العروة الوثقى، كتاب النكاح 2: 132؛ وكتاب الخمس: 18؛ ومصباح الأصول 2: 143، 170، 240 ـ 241، و3: 409، ومباني تكملة المنهاج 1: 108؛ ومصباح الفقاهة 1: 6، 7، 51، 101، 140، و5: 143، 238، 239، و7: 32، 39، 50، 600 و…).
أضف إلى ذلك إنّ صدور هذه الزيارة من قلب متألّم متفجّع حزين أمر واضح بالنسبة لي، لكن ألا يمكن وجود هذا القلب عند شيعي صادق مخلص أحبّ أن يروّج لفكر أهل البيت وحبّ أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين، فابتكر هذه الرواية واخترعها بداعي خدمة أهل البيت، فهل مجرّد كون الرواية صدرت عن قلب متفجّع دليل صدقها؟! وهل هذه المعايير في قبول الحديث يرضى بها علماء الحديث والرجال؟! ونحن نعرف ـ كما بحثوا مفصّلاً في علم الدراية، وأشار إلى ذلك الشهيد الثاني والحسين بن عبد الصمد الكركي وغيرهم ـ أنّ الكثير من الوضّاعين كانوا من الصلحاء والأتقياء، وقد وضعوا ذلك احتساباً وتقرّباً إلى الله تعالى، لدفع الناس نحو الخير، وكانوا يقولون بأنّنا نضع الحديث للنبي وليس على النبي، فلا يشملنا حديث: (من كذب عليّ متعمّداً..)؛ لأننا نكذب له صلى الله عليه وعلى آله وسلّم ولا نكذب عليه.
يضاف إلى ذلك أنّ اتفاق حديث مع مضامين أحاديث أخرى صحيحة السند يمكن أن يجعله معتبراً ـ مضموناً ـ في القاسم المشترك، لكنّ هذا لا يثبت صدروه بحيث يمكن الاعتماد عليه في الأمور التي يذكرها ولا تكون في سائر الروايات. فالإنصاف أنّنا بحاجة إلى طرق أخرى لإثبات السند والصدور.
هذا، ولا أدّعي ضعف سند هذه الزيارة؛ لأنّني لست بصدد بحثها بشكل موسّع من جميع المصادر، لكنّني أحببت أن أجيبكم عن موقف السيد الخوئي من سند هذه الزيارة (المشار إليه في رسالة هذا الشيخ الجليل…) وفقاً لأصوله الأصولية والرجاليّة، وأنّ طريقة العلامة الجليل… ليست صحيحة وفقاً لما هو الحقّ ولما يراه السيد الخوئي أيضاً. والبحث التفصيلي في محلّه، ولعلّه توجد طرق أخرى غير هذه الطرق التي ذكرها الشيخ الجليل ترقى بهذه الزيارة إلى مستوى الصحّة.
1 ـ إن السند الأوّل الذي ذكره الشيخ الطوسي ضعيف، لا أقلّ بعقبة بن سمعان الذي هو مجهول، حتى عند السيد الخوئي، فانظر: (معجم رجال الحديث 12: 172).
2 ـ والسند الثاني ضعيف، بعدم ثبوت وثاقة علقمة الحضرمي حتى عند السيد الخوئي الذي وثقه بناء على كتاب كامل الزيارة الذي عدل عنه آخر عمره، فانظر: (معجم رجال الحديث 12: 200 ـ 201).
3 ـ والسند الثالث ضعيف بمحمّد بن خالد الطيالسي الذي لم تثبت وثاقته حتى عند السيد الخوئي، إلا بناء على كتاب كامل الزيارة الذي عدل عنه آخر عمره، فانظر: (معجم رجال الحديث 17: 75). هذا فضلاً عن وجود محمد بن أحمد بن يحيى الذي لم يوثقه السيد الخوئي أساساً كما أشرنا آنفاً.
4 ـ والسند الرابع ضعيف، بكلّ من محمد بن موسىالهمداني، الذي هو رجل ضعيف عند القميين ومحمد بن الحسن بن الوليد وعند الشيخ الصدوق وعند السيد الخوئي، فانظر: (معجم رجال الحديث 18: 297 ـ 299)، وكذلك هذا السند ضعيف بمحمّد بن خالد الطيالسي، وبعلقمة بنمحمّد الحضرمي، اللذين تقدّما، وأنهما لم يوثقا حتى عند السيد الخوئي.
5 ـ وأما السند الخامس، فهو ضعيف على الأقلّ بعدم ثبوت وثاقة مالك الجهني حتى عند السيد الخوئي، فانظر: (معجم رجال الحديث 15: 164).
هذا، والملاحظ تكرّر أسماء بعض الرواة في أكثر من سند من هذه الأسانيد الخمسة، بما يرجعها ـ بعد التأمّل ـ إلى ثلاثة أو أقلّ.
وختام الكلام أنّ السيد الخوئي سئل عن زيارة عاشوراء وهذا هو النصّ: (س: ما هو رأيكم الشريف بسند ومتن زيارة عاشوراء الواردة في كتاب (مصباح المتهجّد) للشيخ الطوسي قدس سره؟ وهل تجزئ قراءتها عن الزيارة المذكورة في كتاب كامل الزيارات لابن قولويه قدس سره؟ فقد تكلّم في ذلك أناس لم يبلغوا رتبة الاجتهاد؟ ج: يجزئك أن تقرأ من أيّ من النسختين مورد مخالفتهما عن الأخرى، برجاء أن يكون هو الواقع الوارد) (منية السائل: 226)، ومعنى قوله (رجاء)، أنّه لم يثبت عنده أيّ من أسانيد هذين الكتابين والتي حاول العلامة الجليل…. إثبات صحّتها، وإلا فلا معنى للإتيان بالزيارة في مورد الاختلاف بقصد الرجاء، بل لقال بأنّ ما ورد في كتاب كذا وكذا يؤتى به ولو بقصد الورود والاستحباب، وأما الثاني فيقصد منه الرجاء، وهذا يكشف عن عدم صحّة أيّ من الأسانيد المتقدّمة عند السيد الخوئي كما بينّاها في جواب سؤالكم أعلاه، والعلم عند الله.
وأحبّ أخيراً أن أشير إلى أنّ السيد الخوئي ليس معصوماً، ورأيه ليس هو نهاية الآراء، لهذا ليس من الحسن أن نأخذ رأيه ونتعاطى معه على أساس أنّ الأمور حسمت. لكن في المقابل ـ ومع وجود عمالقة مثل السيد الخوئي لهم مثل هذه الأنظار ـ لا يحسن ببعضنا أيضاً أن يتعاطى مع ثبوت هذه الروايات وأمثالها بمنطق الأمور الواضحة المسلّمة القطعية التي يُتهم من يناقش فيها بدينه ومذهبه وعقيدته وأخلاقه، فليتق الطرفان الله تعالى فيما يصدر منهما، وليقبلا بتعدّد الآراء في المسألة، وليتريّثا قبل نسبة شيء للنبي وأهل بيته وأصحابه أو نفيه عنهم؛ لأنّنا سنحاسب أمام الله تعالى جميعاً ونسأل عمّا قلنا وفعلنا، وكما سوف نسأل عن نسبة كلام للمعصوم، كذا سنسأل عن نفيه عنه والعكس كذلك، فلنقرّ بالتعدّد، وليعمل كلّ شخص منّا على المنهج العلمي الذي اختاره، لا أن نعتمد في مثل هذه المواضيع منهجاً ركيكاً قائماً على الرغبة في التوثيق أو التضعيف، وفي سائر الموضوعات نعود إلى منهجنا المتين الذي نتبنّاه في بحوثنا الفقهية وغيرها!! والله وحده من وراء القصد.