السؤال: ما معنى البتريّة؟ وما مدى صحّة هذه الرواية الواردة فيهم سنداً ومضموناً؟ فقد ورد في الحديث: «لو أنّ البتريّة صفّ واحد ما بين المشرق إلى المغرب، ما أعزّ الله بهم ديناً».
وتذهب البتريّة إلى القول بتقدّم عليّ عليه السلام وأحقّيته بالخلافة بعد رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وأنّه أفضل من أبي بكر وعمر، إلا أنّهم يعتقدون مع ذلك بأنّ خلافة أبي بكر وعمر كانت صحيحة، وأنّ الإمام عليّاً عليه السلام قد أمضاها بعد ذلك وتعايش معها، ومن هنا تعدّ البترية من أقرب مذاهب الزيدية إلى أهل السنّة، ولهذا مُدح بعض أئمّتهم عند أهل السنّة وأخذوا من كتبهم، وهي قريبة أيضاً إلى التوجّه العامّ الذي اتخذه معتزلة بغداد بعد ذلك، مثل ابن أبي الحديد وغيره، ممّن كانوا يقولون: «الحمد لله الذي قدّم المفضول على الفاضل أو الأفضل». إلا أنّهم مع هذا كلّه لديهم رفض تامّ لخلافة عثمان بسبب ما حصل فيها، دون أن يجزموا بكفره، كما قالوا بإمامة كلّ فاطمي من أولاد الحسن أو الحسين يخرج بالسيف.
وأمّا وجه تسميتهم بالصالحيّة، فهو النسبة إلى الحسن بن صالح المتقدّم ذكره، وأمّا وجه تسميتهم بالبترية، فقد وقع خلاف في ذلك بين مؤرّخي الفرق وعلماء الرجال والتاريخ، وذلك على أقوال أهمّها:
1 ـ إنّه حيث تبرّوا من عثمان بن عفان سمّوا بالبترية، وكأنّهم قطعوا علاقتهم به وبتروها، على خلاف علاقتهم بكلّ من أبي بكر وعمر وعليّ.
2 ـ إنّهم تركوا الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، فاُطلق عليهم اسم البتريّة، وكأنّهم قطعوا هذا الجهر وقاطعوه، وهذا قول أحمد بن يحيى بن مرتضى من أئمّة الزيدية.
3 ـ ما ذكره الكشي في رجاله من أنّ سبب تسميتهم هو حضورهم عند الإمام الباقر عليه السلام، وإعلانهم تولّي أبي بكر وعمر والبراءة من أعدائهما، وكان الإمام زيد بن علي حاضراً في المجلس فقال لهم: فما هو موقفكم من فاطمة؟ أفهل تتبرؤون منها؟! «بترتم أمرنا، بتركم الله»، فسمّوا بالبتريّة.
5 ـ إنّ كثير النوى كان مقطوع اليد وأبترها، فسمّوا بالبترية نسبةً إليه أيضاً.
أمّا الرواية التي أوردتموها، ولعلّها الرواية الرئيسيّة في مصادر الشيعة الإماميّة التي تحدّد الموقف من هذه الفرقة، فقد تفرّد بنقلها الشيخ الكشي في (رجال الكشي 2: 499)، وهذا هو نصّها الحرفي: «لو أنّ البتريّة صفّ واحد ما بين المشرق إلى المغرب، ما أعزّ الله بهم ديناً».
وأمّا اعتبارها فهي ضعيفة السند، حيث ورد فيها ثلاثة رواة لا يمكن الاعتماد على مرويّاتهم وهم: أ ـ محمد بن الفضيل، وهو رجل ضعيف، ضعّفه الكثير من علماء الرجال وآخرهم السيد الخوئي. ب ـ سعد الجلاب، وهو رجل مجهول الحال عند علماء الرجال، حتى عند السيد الخوئي في رأيه الأخير في كامل الزيارة. ج ـ سعد بن جناح (صباح)، وهو مهمل كما يرى ذلك أيضاً السيد الخوئي وغيره.
وأمّا مضمون الرواية، فهو المضمون العام الذي يقصد منه أنّ حركات الثورة التي وقعت بعد الإمام الحسين عليه السلام كلّها مرفوضة، ولم يكن أهل البيت راضين عنها إلا بعض الثورات المحدودة التي وردت النصوص في مدحها وتأييدها، فأريد بهذا الحديث رفض منطق الثورة في تلك الأزمنة فيما يبدو، وأنّ البترية مهما فعلوا فلن يوفّقوا في ذلك، هذا ما يحتمل جدّاً في معنى الحديث والله العالم.