السؤال: شيخنا العزيز، بصراحة أنا حائر كيف أبدأ معك، ولو كنتَ بالعراق لقصدتك سعياً على الرأس قبل الأقدام للدراسة عندك، ولا أخفيك سرّاً، فقد قمتُ بتحميل دروسك على مشغّل mp3 واستمعت إليها قبل يومين في طريقي لزيارة الإمام الحسين بالنصف من شعبان، ولا تحزن فقد زرت وصلّيت نيابةً عنك، اعترافاً منّي بجميل صنعك عندي. سيدي العزيز، أنا شخصٌ يحبّ الإسلام بحقّ وأتمنّى صادقاً خدمتًه بلا أيّ مقابل، ولكن لا أعرف من أين أبدأ، فقد طالعت كثيراً، وعندي رصيدٌ معرفيٌّ لا بأس به، ولكن أحتاج قاعدةً علميّة قوية أتكئ عليها في الدعوة للإسلام. هذا من جهة. ومن جهة أخرى أجد أنّ دورس الحوزة جافّة من منطق المظفر إلى فلسفة الملا صدرا، ولا أستطيع التعاطي معها بيُسر، رغم حبّي وميلي للأبحاث العقلية، فهل هناك حلّ لهذه الإشكالية؟ أي هل هناك منطق بديل عن المظفر أو كتاب فيه أمّهات مسائل المنطق التي يحتاجها الطالب، وكذلك الفلسفة، فهل يكفي فلسفتنا، وقس على بقية المنهج الحوزوي.(وائل عبد الحميد = أبو حسن العبيدي، العراق).
الجواب: أخي العزيز، حفظك الله ورعاك، أعتقد أنّ نقطة الانطلاق في العمل الإسلامي اليوم هي الواقع، فقبل أن نذهب إلى أيّ مساحة من مساحات العمل علينا أن ننظر في الواقع المحيط بنا والذي سنشتغل عليه دينيّاً، فإذا احتاج هذا الواقع إلى عقل فلسفي يدرس فلسفة صدر المتألهين مثلاً، فعلينا التشمير عن سواعدنا للدراسة وتحمّل الأعباء والصعاب، وإذا كان الواقع المحيط بنا هو واقع التخلّف الفكري والجهل التامّ، فعلينا الاشتغال على التثقيف العام، فلا يمكن أن يعطي الإنسان جواباً مطلقاً في هذا الصدد، بل المسألة تتبع إمكانات الفرد والظروف الموضوعيّة المحيطة به، والتي تفرض عليه الاشتغال على ملفّات بعينها تحظى بأولوية في المجتمع الذي يعيش فيه، فمثلاً في ظلّ مجتمعٍ ـ وهذا مجرّد مثال ـ يعاني من مشكلة ادّعاء المهدويّة أو نحوها من الأمور، يجب أن نشتغل بطريقة علميّة على موضوع روايات الظهور وما قبله وما بعده؛ لنقدها وتمحيصها، وتمييز الغث عن السمين منها، وتحليل مضمونها، ورفع تعارضها، وتفكيك رسائلها؛ لتقديم صيغة بديلة عن الصيغة الخاطئة التي تروج في المجتمع المحيط بنا.
لكن بالإجمال العام ما أراه اليوم أنّ مجتمعاتنا تحتاج لأشياء كثيرة، وهناك ضعف لدينا في القضايا الاجتماعية والأسرية والتربويّة، فنحن لم نهتمّ بهذه المجالات حتى نقدّم أفكاراً مثيرة للجذب والترحيب، وليس من الضروري أن يغرق جميعنا في النخبويّات، وفي منطق المظفر أو منطق الشفاء لابن سينا، ولا أن نستهلك في جواهر الشيخ النجفي أو رجال السيد الخوئي، بل علينا تنويع الأدوار تبعاً لما يحيط بنا من أولويات، وفي هذا السياق فإنّني أنصح ـ لتكوين قاعدة علميّة رصينة ـ بمطالعة ومتابعة والاهتمام الجادّ بمنجزات المفكّرين النهضويّين من العلماء والباحثين خلال العقود الأخيرة، من أمثال: السيد محمد باقر الصدر، والسيد روح الله الخميني، والسيد محمد حسين الطباطبائي، والشيخ مرتضى مطهري، والدكتور علي شريعتي، والسيد محمد حسين فضل الله، والشيخ محمد مهدي شمس الدين، والدكتور عبد الهادي الفضلي، والشيخ محمد عبده، والسيد محسن الأمين، والشيخ محمد جواد مغنيّة، والسيد هاشم معروف الحسني، والشيخ محمود شلتوت، وسيد قطب، والشيخ محمّد الغزالي، والدكتور أحمد الوائلي و… ثم الانتقال بعد ذلك إلى مطالعة الأجيال النقديّة من الكتاب والباحثين المتأخّرين والردود التي كتبت عليهم.