السؤال: ماذا يقصد بالعلمانية المؤمنة؟ وما هو الفرق بينها وبين نظيرتها الغربية؟ (أبو يسرى).
الجواب: العلمانيّة المؤمنة طرح يستوحى من كلمات جماعة من علماء الدين والباحثين الإسلاميّين، بهدف التقليل من حجم التصادم بين الدين والحياة العامّة، وتنسب هذه الفكرة إلى العديد من الشخصيات والكتّاب في العالم العربي، مثل: السيد محمد حسن الأمين (لبنان)، والشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسّون (سوريا)، والباحث صلاح الدين الجورشي (تونس)، والدكتور حسن الترابي (السودان) وغيرهم.
ويقصد أنصار العلمانية المؤمنة أنّ النظام السياسي يجب أن يكون نظاماً ديمقراطيّاً، يعتمد رأي الشعب في اتخاذ القرارات، لكنّ هذا النظام لا يعادي الدين، ولا يحاول أن يتخطّى قيمه العليا، فلا يحارب الإيمان ولا يشجّع على الرذيلة، ويقول هؤلاء: إنّ الحركة الإسلاميّة عليها أن تعمل في هذا السياق، فتطرح نفسها في الساحة، فإذا قبل بها الآخرون اعتمدت رأي الشعب في تعيين الدستور وفي الانتخابات، فإذا أرادها الشعب جاءت للسلطة، فاسحةً المجال للتيارات الأخرى، فإذا عاد الشعب وأراد التغيير، تركت السلطة لغيرها، مع استخدامها كلّ الأساليب المشروعة في المعارضة، وهكذا يجب على الآخرين أن يعتمدوا هذا السبيل، آخذين جميعاً بعين الاعتبار احترام المقدّسات الدينية العليا المتوافق عليها، مع السماح ببعض الخصوصيات الدينية التي تفرضها حالة كون غالبية الشعب مسلماً. ولهذا فالعلمانية المؤمنة تحترم الخصوصيّة الدينية والقومية للشعب المسلم الذي تريد أن تطبّق نفسها عنده، وتجعل ذلك ضمن القوانين والدستور، فهي تراعي بعض الأمور المجتمعيّة العامّة، ولا تسمح بتخطّيها.
إذن، فالعلمانية المؤمنة عند هؤلاء نظام يتمّ التوافق عليه في العالم الإسلامي بين التيارات المتناحرة، يقضي بأنّ كلّ من يصل إلى السلطة فعليه أن لا يحارب الإسلام والقيم الدينية المقبولة عند الجمهور المسلم، لكنّه في الوقت عينه لا يفرض قوانين الإسلام على الناس، ما لم تقم هي باختيار هذه القوانين ولو عبر ممثليها في المجلس النيابي، على أن يكون لها حقّ الاختيار مجدّداً في العودة عمّا اختارته سابقاً. وبهذا يتمّ التمييز بين خطأ الاختيار الذي يمارسه الشعب عندما يختار ما هو مغاير للإسلام، وبين حقّه في تقرير مصيره عبر هذا الاختيار، فليس إعطاء الشعب حقّه في تقرير مصيره هو موافقة على ما يختار، لكنّه حقّ ثابت له ويحاسب هو عليه وهو مسؤول عنه أمام ربّه، وعلينا نحن أن نعمل بالوسائل القانونية لإقناع الشعب بتغيير خياراته التي آمن بها، وكانت غير منسجمة تماماً مع الإسلام في لحظة تاريخيّة معينة، ولا حقّ لنا في فرض نظام الشريعة الإسلاميّة عليه.
ولعلّ الأنموذج التركي ـ بحسب تجربة الإسلاميّين فيه لا العلمانيين ـ أحد النماذج التي ينسجم معها نسبيّاً أنصار العلمانية المؤمنة، حيث يسعى فيه الإسلاميّون لترسيخ قواعد الإسلام في الحياة والمجتمع، وفي المقابل لا يمارسون فرض القوانين الإسلاميّة إلا عندما يصبح ذلك قانونياً عبر الوسائل الديمقراطيّة المعروفة، والتي بإمكانها تغيير الاختيار.
وهذه النظرية يشوبها قدرٌ من الغموض في تقديري، وتحتاج للمزيد من التنظير على مستوى التفاصيل من جهة وعلى مستوى مقاربتها للاجتهاد الشرعي من جهة ثانية، وهناك مساهمات مفيدة في هذا الإطار يمكن مراجعتها في كتابات وأعمال أمثال السيد محمد حسن الأمين، والشيخ محمد مهدي شمس الدين، والسيد محمّد خاتمي، والشيخ حسين علي منتظري، والدكتور حسن الترابي، والشيخ محسن كديور و.. حيث تنفع في توضيح بعض ثنايا مثل هذه الأفكار، حتى لو لم تسمّها بالعلمانية المؤمنة في بعض الأحيان.