السؤال: في بحثه حول حديث الكساء أثبت….. أنّ هناك زيادة موضوعة في الحديث في كتاب مفاتيح الجنان، وكما تعلمون بأنّ كتاب مفاتيح الجنان يحتلّ مكانة عظيمة من بين كتب الأدعية والزيارات وبقيّة الأعمال المندوبة، ولعلّ جزءاً من ذلك يعود لمكانة مؤلّفه من جهة، ومن جهة أخرى يعود للأهميّة والقدسيّة التي أضفاها عليه العلماء، مثل الإمام الخميني. ما هو تفسيركم لمكانة هذا الكتاب لدى الشيعة اليوم، رغم أنّ مؤلّفه من المعاصرين، مما يعني أنّ الكتاب لا يمتلك امتداداً زمانيّاً كبيراً؟! (محمد عباس ابراهيم، البحرين).
الجواب: إنّ كتاب (مفاتيح الجنان) للعلامة المحدّث الشيخ عباس القمّي (1359هـ) رضوان الله عليه، من الكتب التي أخذت رواجها في العقود الأخيرة، ويرجع ذلك ـ كما تفضلتم ـ إلى:
1 ـ شخصيّة المؤلّف ونفوذه الروحي من جهة، فإنّ العلماء الذين يملكون نفوذاً روحياً تبقى أعمالهم ذات حضور في الأوساط الشعبية عادةً، تماماً كالتأثيرات التي تركتها شخصية السيد ابن طاووس في القرن السابع الهجري، لاسيما على موضوع الاستخارة بالسبحة والرقاع والمصحف الشريف، حيث اشتهرت بعده وكانت مهجورة قبله، على بحث مفصّل تعرّضنا له في دروسنا المتواضعة حول فقه الاستخارة.
2 ـ مواقف بعض العلماء منه، ودعوتهم للاستزادة من أعماله العلميّة، وهذا أيضاً يترك أثراً لاسيما عندما يكون هؤلاء العلماء ممّن لديه تأثيره الخاص على الشارع الشعبي العام.
3 ـ إنّ الشيخ عباس القمّي ـ رحمه الله ـ كان معروفاً بالتتبّع والنقد التاريخي والحديثي، فأعطى ذلك كتبه قيمتها العلميّة المعروفة، فعندما يكتب لك شخصٌ معروف بالتشدّد التاريخي كتاباً لكي يعمل الناس به، فهذا يوجب مزيد وثوق الناس بهذا الكتاب، أكثر من وثوقهم بكتابٍ كتبه شخص غير ناقد ولا مدقّق، ولا متشدّد، وهناك ما يشير في كتاب المفاتيح (الفارسي) إلى أنّه راعى موضوع الأسانيد أيضاً بحسب رؤيته الشخصيّة.
4 ـ جامعيّة كتاب مفاتيح الجنان، من حيث احتواؤه على الأدعية والزيارات والصلوات والأذكار وغير ذلك، لاسيما بعد الإضافة التي ألحقت به في آخر الكتاب (الباقيات الصالحات)، وهذا ما يوفّر على القارئ الكثير من الوقت والجهد لمعرفة أيّ صلاة أو دعاء أو زيارة يريد، مجعولاً ذلك كلّه في كتاب واحد، لا في مجلّدات متعدّدة فيه، على خلاف كتاب (مفتاح الجنات) للسيد محسن الأمين العاملي، والذي طبع في ثلاثة مجلدات.
5 ـ لقد عرف كتاب مفاتيح الجنان شهرته في الوسط الإيراني أولاً؛ لأنّه في الأصل كتاب فارسي، وضع لكي يتداوله الناطقون باللغة الفارسية، ثمّ تمّت ترجمته لاحقاً إلى اللغة العربية والأوردية وغيرها، وطبع عدّة مرات بعضها رديء، وهذا الموجود بين أيدينا اليوم باللغة العربية إنّما هو ترجمة لذاك الكتاب الأصل، وقد ساعد هذا الكتاب على تسهيل أمر الأدعية للفرس والإيرانيين بلغتهم وتيسير فهمهم للأمور أكثر فأكثر. وتشبه هذه الخطّة تلك التي كان يقوم بها الشيخ محمّد باقر المجلسي (1111هـ)، في تأليفه لبعض الكتب الحديثية الموجزة نسبيّاً باللغة الفارسية، وهو ما ساعد على تداول واسع للحديث في الوسط الشيعي الذي كان الإيرانيون يمثلون النسبة الأكبر منه بشريّاً، وزاد من مكانة العلامة المجلسي نفسه في الوسط الإمامي.
هذه العناصر وغيرها ساعدت على حضور الكتاب، وتأثيره الكبير في الحياة اليومية العبادية للشيعة، وليس هو أوّل كتاب أخذ هذا الوضع والحال، فقبله كان العلماء يصنّفون في مثل هذا المجال، وتأخذ كتبهم حضوراً لفترة زمنية طويلة أو قصيرة، إلى أن تحلّ مكانها كتب أخرى أسهل وأجمع، مثل كتاب (مصباح المتهجّد) للشيخ الطوسي، وكتاب (المصباح) و(البلد الأمين) للكفعمي، وكتاب (عدّة الداعي) لابن فهد الحلي، وكتاب (الدعوات) لقطب الدين الراوندي، وكتاب (مفتاح الفلاح) للشيخ البهائي، وكتاب (مهج الدعوات) وسائر كتب السيد ابن طاووس، فضلاً عن كتب (المزار) وغيرها من الكتب المعروفة التي سمّاها الشيخ ابن إدريس الحلّي بكتب العبادات مقابل كتب الفقه كما صنّفها.
هذا كلّه لا يعني أنّ هذه الكتب مصادر حديثية بحيث يحتجّ بها، إلا إذا كانت قديمة كمصباح المتهجّد للشيخ الطوسي، بل هي مجرّد كتب تجمع الروايات الواردة في المندوبات ذات الطابع العبادي، وحيث إنّ مجالها الأمر المندوب لهذا يصبح الاحتجاج بها ضعيفاً، وذلك أنّه من الممكن أنّ العلماء الذين صنّفوها (وكلامي بالمطلق، وليس بالضرورة عن شخص الشيخ القمي)، ولو كانوا مدقّقين في الحديث والتاريخ، لكنّهم تساهلوا في توثيق روايات هذه الكتب، انطلاقاً من اعتمادهم على قاعدة التسامح في أدلّة السنن، فطبيعة هذه الكتب هي عبارة عن سنن ومندوبات عبادية في الغالب، وهذا الأمر يجعلها تلقائياً تحت سلطة قاعدة التسامح، فإذا أورد الشيخ الطوسي في مصباحه روايةً في هذا المجال، فإنّه من غير المعلوم أنّه قد تيقّن بصدورها أو اعتبرها حجّة، ولو أنّه في بداية كتاب المصباح بيّن أنّه وضع هذا الكتاب للعمل من قبل الفرد العادي، فإنّ جعله له للعمل لا ينافي اعتماده على قاعدة التسامح الشائعة بين العلماء المسلمين حتى أهل السنّة، وبناء عليه لا نستطيع أن نضع هذا النوع من المصنّفات في نفس الدرجة الحديثية مع المصنّفات الحديثية الأخرى، إلا مع قيام شواهد خاصّة، كأن يبيّن المؤلّف أنّني لم أعتمد إلا على الحديث الصحيح، أو يكون منكراً لقاعدة التسامح، ثم يدرج الأحاديث في هذا الكتاب، معلناً أنّه وضعها للعمل والرجوع إليها والتعبّد بها، وإلا ففي غير هذه الحال لا نستطيع التعامل مع هذا النوع من الكتب بالطريقة المتعارفة في الحديث، حتى لو كانت قديمة فضلاً عمّا لو كانت متأخّرة ككتاب ضياء الصالحين أو غيره، ولهذا عندما شنّ ابن إدريس الحلّي (598هـ) هجومه النقدي على استخارة ذات الرقاع واستخارة البنادق، ذكر أنّ هذه الاستخارة لا وجود لها في كتب الفقه، وإنما هي موجودة في كتاب العبادات، قاصداً مثل كتاب مصباح المتهجّد الذي أورد رواية الرقاع، وتمييزه صحيح، خلافاً للعلامة الحلي، ووفاقاً للمحقق التستري في هذا الموضوع، مما تعرّضنا له في محلّه ولا نطيل فيه الساعة.
من هنا، فإنّ أيّ حديث يكون موجوداً في مثل مفاتيح الجنان يجب علينا أن نبحث عن أصله، ومن أين أخذه الشيخ القمّي؟ وندرس أصله ومصادره وسنده ومتنه وفقاً للطريقة التي نختارها مسبقاً في التعامل مع الحديث الشريف. وهناك نعرف هل أنّ هذا الحديث كان موجوداً عند المتقدّمين أم لا؟ وهل هو حجّة أم لا؟ وهل أضيف على نسخ مفاتيح الجنان أم لا؟ وأيّ شيء نقوله يجب أن يكون معنا عليه دليل، سواء نفياً أم إثباتاً، هذه هي القاعدة في التعامل هنا، أمّا أن نقول بأنّه روي في مفاتيح الجنان، وأنتهى الكلام، ولا مجال للنقاش! فهذا ليس دأب الباحثين والمحقّقين فيما نعلم. وكذلك رمي أيّ رواية بحجّة أنّها موجودة في مفاتيح الجنان، أو لأنّنا لا نستذوقها، أو اتهام كتاب المفاتيح كلّه أو التجريح بمؤلّفه أو غير ذلك! فإنّ هذا ممّا لا ينسجم أيضاً مع عمل أهل التحقيق والفحص والتدقيق.