السؤال: ما هو رأيكم في كتاب الضعفاء لابن الغضائري؟ (صالح).
الجواب: إنّ الشيخ أحمد بن الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضائري، المشهور بـ(ابن الغضائري) (ق 5هـ)، أحد الأعلام الكبار في مجال النقد الرجالي عند الإماميّة، ورغم معاصرته للشيخين النجاشي والطوسي، بل كان زميلاً للنجاشي عند أبيه الحسين بن عبيد الله، كما صرّح بذلك النجاشي في ترجمة أحمد بن الحسين بن عمر (فهرست النجاشي: 83)، رغم ذلك لم يترجمه النجاشي في فهرسته، مع أنه كان مطّلعاً على مصنّفاته! بل اكتفى بذكره وذكر بعض آرائه في طيّات ما كتبه عن الآخرين، بل حتى الشيخ الطوسي لم يترجم له، إلا أنّه ذكره في مقدّمة فهرسته مادحاً فهرسيه، وأنّهما من أجود ما كُتب في مجاليهما (فهرست الطوسي: 2)، ولأن ابن الغضائري لم يترجم من قِبل معاصريه لم تحدَّد سنة مولده ووفاته، إلا أنه توفي في القرن الخامس الهجري بالتأكيد. وقد ذكرت له مجموعة من المصنّفات، وهي: فهرست المصنّفات. وفهرست الأصول، كما نصّ الطوسي في الفهرست، ولم يذكر الطوسي للغضائري غير هذين الكتابين. لكن له كتب أخرى فيما يبدو مثل كتاب الممدوحين الذي قد يظهر من تتبّع كتب العلامة الحلّي أنّ هذا الكتاب كان قد وصله، وهناك أيضاً كتاب الضعفاء له وهو الكتاب الذي بين أيدينا اليوم. ويوجد نقاش بينهم في صاحب كتاب الضعفاء: هل هو الأب أو الابن؟ وكلاهما من العلماء الأجلاء.
لكنّ مشكلة هذا الكتاب أنّ من يراجع كتب القرن الخامس الهجري يجد في بعضها نقلاً عنه، لاسيما مراجعة كتاب النجاشي، حيث يظهر أنّ كتاب الضعفاء وآراء ابن الغضائري الرجالية كانت متوفّرةً عند الشيخ النجاشي في القرن الخامس الهجري. لكنّ المفاجأة أنّه بعد هذا القرن لا يظهر للكتاب أيّ أثرٍ أو ذكر في الأوساط العلميّة، فربما ضاع الكتاب؛ لأنّ مؤلّفه لم يتسنّ له نقل الكتاب إلى طلابه ليرووه عنه، وقد ظلّ هذا الاستتار للكتاب سارياً إلى القرن السابع الهجري، حيث نجده يظهر مرّةً أخرى على يد السيد أحمد بن طاووس الحلي (673هـ) في كتابه (حلّ الإشكال في معرفة الرجال). ويصرّح ابن طاووس أنّه لا طريق له إلى كتاب ابن الغضائري (التحرير الطاووسي: 5)، وهذا ما جعل السيد الخوئي يشكّك في مصداقية النسخة التي أدرجها ابن طاووس في كتابه هذا. ولولا هذا الإدراج من قِبل ابن طاووس لكتاب الضعفاء؛ لانحصر الطريق في التعرّف على آراء ابن الغضائري بما نقله لنا النجاشي في كتابه.
ولمّا كان الغضائري نقاداً، وكانت هناك مشكلة في نسخة كتابه، تعدّدت المواقف من هذا الكتاب، كالتالي:
1 ـ تبنّى الشيخ آغا بزرك الطهراني (1389هـ)، عدم إمكان الاعتماد على هذا الكتاب؛ لأنّ ابن الغضائري «…أجلّ من أن يقتحم في هتك أساطين الدين، حتى لا يفلت من جرحه أحدٌ من هؤلاء المشاهير بالتقوى والعفاف والصلاح؛ فالظاهر أنّ المؤلّف لهذا الكتاب كان من المعاندين لكبراء الشيعة، وكان يريد الوقيعة فيهم بكلّ حيلة ووجه؛ فألّف هذا الكتاب وأدرج فيه بعض مقالات ابن الغضائري تمويهاً؛ ليُقبل عند الجميع ما أراد إثباته من الوقايع والقبايح. والله أعلم..» (الذريعة 10: 89). ويلتقي السيد الخوئي (1413هـ) مع هذا الرأي، في عدم إمكان الاعتماد على هذا الكتاب أساساً، ليس لأجل المبرّر الذي افترضه الطهراني، بل لأنّ المشكلة في كتاب ابن الغضائري والتي ترفض على أساسها آراؤه، هي الطريق الذي وصلنا الكتاب من خلاله؛ فالكتاب وصلنا عن طريق ابن طاووس الحلي (673هـ) والعلامة الحلي (726هـ). وابن طاووس نفسه ـ مع العلامة ـ ينصّ على أنّه لا طريق له إلى هذا الكتاب، إذاً فالمشكلة المحورية هي توثيق طريق هذا الكتاب؛ إذ لعلّ الكتاب الواصل إلينا قد حرّف أو أُضيفت فيه آراء ليست لابن الغضائري، فكيف نثق بكتاب اختفى لمدّة قرنين ثم ظهر فجأةً بطريقة لا نعرف عنها شيئاً؟! (معجم رجال الحديث 1: 42).
2 ـ واختار العلامة الحلي (726هـ) رأياً آخر، وهو الاعتماد على تضعيفات ابن الغضائري، إلا في الموارد التي يتعارض فيها تضعيفه مع توثيقات غيره. وهذا الرأي يقع على خلاف القاعدة الرجالية المشهورة: (الجرح مقدّم على التعديل).
3 ـ وذهب العلامة الكلباسي (1315هـ)، إلى أنّ الكتاب ثابت النسبة لمؤلِّفه؛ فجرحه لرواة الحديث معتبر ولا يقدّم قول غيره عليه عند التعارض، خلافاً لما فعله العلامة الحلي (الرسائل الرجاليّة 1: 419).
4 ـ أمّا الرأي الرابع في الكتاب، فهو ما يلوح من كلمات بعضهم، من رفض التضعيفات الرجالية الموجودة في كتاب الضعفاء أو فسح المجال لنقدها ورفضها؛ بصرف النظر عن قيمة أصل الكتاب ونسخته، وقد اختلف أصحاب هذا الموقف في المبرّرات التي دفعتهم لهذا الرفض، فعدّوا منها اثنين:
المبرّر الأول: وهو يقرّ بأنّ الكتاب الموجود بين أيدينا هو لابن الغضائري، إلا أنّه يعتمد في جرحه لرواة الحديث على الاجتهاد بالنظر في مرويّات الراوي؛ فإن وجد فيها شيئاً من الارتفاع/الغلو ـ بحسب توسعته لمعنى الغلو ـ حَكَمَ بضعف هذا الراوي وعدم الاعتماد على رواياته. وقد توافق ابن الغضائري في هذه الطريقة من تقويم الرواة مع أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمّي. ولعلّ ممّن اعتمد هذا المبرّر في اتخاذ موقف من تضعيفات الغضائري هو الوحيد البهبهاني (1205هـ)، حيث يلوح هذا الرأي من بعض كلماته (الفوائد الرجالية: 39).
المبرّر الثاني: ويتحفّظ على آراء ابن الغضائري؛ لأنه كثير الجرح والتضعيف قليل التعديل، فلم يكد يسلم أحدٌ من جرحه أو غمزه في رواياته أو دينه أو.. وهذه الطريقة غير معتدلة في التعامل مع رواة الحديث؛ لذا لا يمكن الركون إلى آرائه الرجالية (انظر: السبحاني، كليات في علم الرجال: 102).
وما بدا لي ـ بذهني القاصر ـ أنّه الرأي الأرجح من بين هذه المواقف، هو موقف السيّد الخوئي، شرط السعي لحشد الشواهد، فإذا فقدناها لتأكيد نسبة تضعيفٍ ما إلى الغضائري، فالحقّ عدم إمكان إثبات النسخة، فنقتصر في أخذ أقوال الغضائري على ما نقله النجاشي عنه مباشرةً في الفهرست.
هذه خلاصة موجزة حول الموضوع.