السؤال: شخص تزوّج من طفلة صغيرة لكي تصبح أمّها حلالاً عليه (عقد تحريم)، فهل يصحّ هذا العقد؟ وهل تصبح الأمّ حراماً عليه بحيث يجوز له النظر إليها؟ ولو فرضنا أنّ الرجل أحبّ الأمَّ بعد عقد التحريم، فهل من طريقة تجوّز له الزواج منها أم لا؟
الجواب: ما يسمّى بعقد التحريم هو عند الفقهاء أن يعقد الشخص على طفلةٍ صغيرة بإذن وليّها؛ لكي تصبح أمّ الطفلة ـ مثلاً ـ محرّمةً عليه؛ إذ بالعقد تغدو أمَّ زوجته، فهو عقدٌ يهدف لنشر الحرمة، وعادةً ما يكون منقطعاً لساعة أو نصف ساعة مثلاً. ويحرم على الإنسان الزواج مطلقاً من أمّ زوجته، وهو عند الفقهاء عقدٌ مثله مثل سائر العقود، غاية الأمر أنّه بما أنّ الزوجة صغيرة غير بالغة، ووقع عقدهامن طرف وليّ أمرها ـ وهو والدها أو جدّها لوالدها.. ـ فتكون زوجةً، لكن لا يجوزالدخول بها قبل البلوغ. وحرمة أمّها عليه تبقى ثابتة حتى لو حصل الطلاق بين الرجل والزوجة الصغيرة أو توفّيت البنت الصغيرة مثلاً أو انتهت مدّة العقد المنقطع، ولا حاجة في الحرمة المؤبّدة لأمّ زوجته عليه إلى فرض دخوله في الزوجة، فأمّ الزوجة تحرم على الزوج مؤبّداً بمجرّد عقد الزواج شرعاً على الرأي المشهور، فلو طلّق أو انتهت المدّة قبل الدخول تظلّ الأمّ محرّمةً عليه شرعاً.
وأمّا في الصورة التي وردت في السؤال أخيراً، ورغبة الطرفين في الزواج، فهذا غير شرعيّ أبداً، إلا إذا أريد إعادة النظر في شرعيّة العقد الأوّل نفسه من خلال بعض الآراء الفقهيّة مثل:
أ ـ الرأي الذي يرى أنّ ولاية الأب وأمثاله على زواج الصغيرة مشروطة بكون الزواج فيه مصلحة حقيقيّة للصغيرة من وجهة النظر الاجتماعيّة، ولا يكفي عدم وجود مفسدة على الصغيرة من هذا الزواج، فلو لم تكن هناك أيّ مصلحة عرفاً لهذه الزوجة الصغيرة فإنّ العقد عليها مشكلٌ حينئذٍ من باب إشكاليّة ولاية الأب على العقد المذكور، فإذا ثبت أنّ هذا العقد لم تكن فيه مصلحة حقيقيّة للصغيرة، لاسيما لو كان المهر رمزيّاً ـ حتى لو كانت فيه مصلحة لأمّها مثلاً ـ فسوف يكشف ذلك عن عدم صحّة العقد من الأوّل، وأنّ العقد لم يقع، فلا يكون هناك تحريم أساساً، فيجوز للرجل الزواج من الأمّ؛ كونها ليست أمّ زوجته الشرعيّة فقهيّاً.
ب ـ الرأي الذي يرى عبثيّة عقود التحريم المتداولة، ويرى أنّ العقد على الصغيرة منقطعاً لربع ساعة، أو دائماً ثم طلاقها بعد ربع ساعة مثلاً، لا يحوي قصداً جديّاً حقيقيّاً للزواج بما للزواج من مفهوم عرفي، بل هو أمرٌ صوري ليس إلا، فلا يقال: إنّه قصد أن يتزوّج، بل يقال بأنّه قدّم صورة عقد زواج بهدف آخر غير الارتباط بهذه البنت، وفي مثل هذا الرأي الفقهي تُصبح الكثير من صور ما يسمّى بعقود التحريم لا معنى لها أساساً، فيكشف ذلك عن عدم كون الأم محرّمةً على هذا الرجل من الأوّل، فيجوز له بعد ذلك الزواج منها، ولا يجوز له النظر إليها دون زواجه بها مكتفياً بصورة العقد التحريميّ هذا.
هذا، ولابدّ من مراجعة الفقيه الذي يقلّده الإنسان ليحكم له في القضيّة من وجهة نظره الفقهيّة، وعلى كلّ إنسان العمل باجتهاده أو الاحتياط أو التقليد المبرئ للذمّة.