السؤال: هل تجوز رياضة الفنون القتالية كالكاراتيه والملاكمة والمصارعة مع ما يتخلّل ذلك من لكمٍ في الوجه وأثر ذلك اللكم؟ وهل يختلف الحكم إن كانت ممارسة هذه الرياضات هو في سبيل الإعداد الشخصي والتدريب للدفاع عن النفس والأعراض؟ (حسن الحاج، لبنان).
الجواب: كلّ رياضة بدنية ترجع بالفائدة ـ أو لا ترجع بالضرر ـ على الإنسان ولا يلزم منها فساد ديني أو أخلاقي فهي جائزة، بل ورد الحث في بعض النصوص على بعض الرياضات كالسباحة والرماية وركوب الخيل وغير ذلك، لكن إذا كانت الرياضة توجب ـ يقيناً أو ظنّاً وجيهاً ـ أن تُلحق ضرراً معتدّاً به بالإنسان، لا مطلق الضرر، فتكون محرّمةً حينئذٍ، إن من جهة الضرر اللاحق على الإنسان نفسه وإن من جهة الضرر الذي سيُلحقه هو بالطرف الآخر الذي يلعب معه، كما في مثل الملاكمة والمصارعة، فإذا كان الاحتمال معتدّاً به وكان الضرر المحتمل هو الآخر معتدّاً به، كما في حال كسر اليد أو الوجه أو إتلاف طاقة من الجسم كالبصر أو الذوق أو نحو ذلك فهو حرام فقهيّاً ما لم يكن مزاحم أهم، وأمّا في غير ذلك فهو جائز، فمجرّد اللكمة في الوجه أو بعض الورم نتيجة سقوط لاعب كرة القدم على الأرض أو كان احتمال إصابته بالإصابة المحرّمة قليلاً جدّاً ليس بالحرام.
نعم، قد تكون الحالة الأولى المحرّمة وغيرها جائزةً في بعض الموارد، كما فيما لو كانت طبيعة الاستعداد للدفاع عن النفس شخصيّاً أو للدفاع عن الوطن الإسلامي ومجاهدة الأعداء المعتدين مما يحتاج إلى تدريبات قاسية تصل حدّ احتمال الضرر هنا أو هناك، ففي هذه الحال قد يكون ذلك جائزاً لو كان الأمر بالغاً حدّ الضرورة بحيث تكون طبيعة التدريبات القتالية المحتاج إليها مما لا ينفكّ عن ذلك عادةً. كما أنّ الرياضات المؤذية للجسم لو تمّ تأمين الحماية فيها بحيث تقلّص احتمال الضرر البالغ إلى حدّ قليل، صارت جائزة؛ لتوفّر أشكال الحماية فيها للاعبين والمتدرّبين والمتسابقين.
ولا بأس أن نشير إلى أنّه ليس من الضروري إذا راجت رياضةٌ ما في مكانٍ ما من العالم أن نتابعها ونحاول استنساخها في أوطاننا، بل من الضروري دراستها من قبل المختصّين ـ دينيّاً وصحيّاً وتربويّاً ونفسيّاً واجتماعيّاً ـ على مستوى السلامة البدنية العامّة وعلى المستوى الأخلاقي والاجتماعي، قبل ترخيصها قانونيّاً أو الترويج لها إعلاميّاً وإعلانيّاً، فبعض أنواع الرياضة المنتشرة في العالم لا توفّر لياقةً أو قوّة بدنيّة بقدر ما توفّر وحشيّةً أو همجيّةً في الحياة، وفي حياة المتابعين لها والمهووسين بها من الشباب والفتيات، فجدير بنا ـ مسؤولين وعائلات وأفراداً ـ الانتباه لمثل هذه الأمور، واختيار ما ينفعنا من هذه الألعاب والمباريات والرياضات، وترك ما لا ينفع أو يضرّ، دون أن نعيش عقدة رفض هذه الألعاب ولا عقدة استنساخها وتقليدها.