السؤال: تنتشر في السنوات الأخيرة في الأوساط الخليجية الدورات المعروفة بعلم الطاقة، حيث تقام في هذا الصدد دورات كثيرة ولقاءات ومحاضرات، وهذا العلم معنيّ بإفراغ الطاقة السلبية من الإنسان وجذب الطاقة الإيجابية، ويعمد المدرّبون هنا إلى الاستفادة من القرآن الكريم والسنّة الشريفة، وهناك بعض الجدل في هذه الدورات، ففيما يراها بعضهم أمراً إيجابيّاً، ينظر إليها بعضٌ آخر على أنّها محاولة سلبية آتية من الثقافة الغربية، وأنّها تشكّل خطراً على الدين. كيف ترون هذا العلم؟ وكيف تجدون الطريقة الأفضل للتعاطي مع هذا الوضع؟ ملاحظة: أرسلنا إليكم ملفّاً فيه تقارير عن بعض الدورات التي أقيمت في بعض البلدان العربية، يمكنكم النظر فيه والبناء عليه (فاطمة).
الجواب: علم الطاقة كبقية العلوم التي لها جوانب متعدّدة في شبكة العلوم الطبيعية والإنسانيّة معاً، لا يمكننا الحديث عنه من زاوية الصحّة والخطأ ما لم نكن متخصّصين في هذا العلم؛ لنفهم أصوله الفكرية، ونحكم عليها بالصواب أو بالخطأ، وبالنسبة لي فلست متخصّصاً بهذا العلم لأحكم عليه، وينبغي الرجوع للمتخصّصين والنقّاد، لكن ووفقاً للتقرير المرفق بهذا السؤال، يمكنني هنا اختصار التعليق على هذا الوضع الحالي بما يلي:
أولاً: إنّني أعتقد أنّ إقبال الناس على مثل هذه الدورات وتأثرهم بهذه الثقافة التي يقدّمها هذا العلم ناتج عن حالة الضغط أو الفراغ النفسي العام الذي يعيشونه على الصعد المختلفة، سياسياً واقتصادياً وروحيّاً وغير ذلك، من هنا، ينبغي تفهّم هذا النوع من الإقبال، وإذا كانت لدينا ملاحظات على هذا العلم أو على طريقة توظيفه في مجتمعاتنا الإسلاميّة فعلينا أيضاً أن نسعى لتقديم بدائل تخفّف من الضغط النفسي والروحي الذي يعيشه الناس، بمن فيهم المتديّنون.
ثانياً: لست أوافق على منطق بعض المتديّنين الذين يرفضون أيّ جديد وافد، ويتهمون الآخر بمنطق المؤامرة، معوّضين بذلك عن فشلهم ونقصهم في إدارة الأمور، وقد لاحظت من بعض نقّاد هذا العلم ودوراته التي تنتشر في غير بلد عربي، أنّهم قلقون على مساحة نفوذهم، حيث باتوا يشعرون بأنّ هناك من يدخل على النفوس ويعالج مشاكل الأرواح غيرهم. ينبغي التنبّه لمبرّرات نقدنا لأيّ شيء، حتى لا نغلّف أغراضنا الذاتية بأغلفة دينية وعناوين رفيعة سامية، فهذا من دسائس الشيطان وألاعيب النفس الأمّارة بالسوء. والمشكلة أنّ بعض المتديّنين عندما يَفِدُ الوافد الجديد عليهم يرفضونه ويشنّون عليه أعنف الحملات، لكنّهم يتأقلمون معه بعد فترة وتجدهم من أنصاره والمستفيدين منه في خدمة الدين وقضايا التديّن، فعلينا أن ننتبه لهذا الأمر جيّداً حتى لا يتكرّر منّا مثل هذا الخطأ الذي تكرّر عدّة مرات في القرن الماضي على صعد مختلفة، نتيجة استعجالنا برفض الأمور قبل فهمها ووعيها بطريقة صحيحة. والنقطة الأبرز هنا أنّنا لسنا بحاجة بالضرورة لكي نقبل بعلمٍ ما أن تأتي النصوص الدينية لكي تؤكّد تبنّي معطيات هذا العلم، بل يكفي أن لا تكون هناك معارضة للقيم الدينية في ثقافة هذا العلم، وهذا موضوع مهم جدّاً أيضاً.
ثالثاً: استكمالاً لما تقدّم، فإنّني أعتقد بأنّ تقديم الإسلام بلغة روحية وأخلاقية وقيمية يمكن أن يشكّل مساعداً لتنفيس الاحتقان والضغط أو لرفع حالة الإحساس بالفراغ والعبيثة والعدمية بين الناس. من الضروري أن نركّز على الجانب الروحي في الإسلام والدين عامّة، ولا نغفل هذا الجانب ونقصر تركيزنا على الجوانب العقدية والتاريخية والفقهية التي باتت تؤدّي في فترتنا الراهنة دورَ الضاغط النفسي الموتّر لأعصاب الناس، نتيجة الاحتقانات الطائفية والفئوية وتنازع الجماعات داخل الطوائف نفسها. إنّ التركيز على الجانب الروحي بطريقة عقلانية وجدانيّة هادئة، لا بطريقة ممزوجة بالخرافة والأساطير، يشكّل عاملاً مساعداً على تقديم بدائل لمثل هذه العلوم تعتمد الدين ولا تشكّل مصدر قلقٍ عليه.
رابعاً: كما هي العادة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، تظهر هناك ما أسمّيه (الموضة)، وهي لا تقف عند حدود الأزياء التي تجعل الجميل في عصرٍ قبيحاً ثم تردّه في عصر آخر رائعاً جدّاً، فـ (الموضة) في حياتنا تستوعب أيضاً حتى القضايا الثقافية والدينية، فإذا هبّت (موضة) في مسألة دينية سارع الناس للعمل عليها، لا لأجل قناعة ناتجة عن وعي بالأمور، بقدر ما هي رغبة في المشي مع أيّ مستجدّ والإحساس بأنني موجود عندما أمارس شيئاً جديداً مختلفاً عن الماضي أو عندما لا أقف على النقيض مما يسير عليه غالب الناس. إنّ ما أعتقده هنا مشكلةً في الموضوع الذي نتحدّث عنه هو هذا الأمر، فينبغي أن يقدّم هذا العلم بطريقة واعية لا بطريقة إعلاميّة ودعائيّة تجتذب الناس الذين يرغبون دوماً في أن يعيشوا ثقافة (الموضة) والمواكبة. وهذا ما لم ألاحظه على هذا الصعيد، فقد قدّمت معطيات هذا العلم على أنّها حقائق، ولم يجرِ توضيح الأصول الفكرية للناس ولو بطريقة مبسّطة، أقول ذلك وفقاً للتقرير المرفق وبعض التقارير الأخرى التي اطّلعتُ عليها عبر الشبكة العنكبوتية. وعلى الناس أن لا يستجيبوا لأيّ طرح دون تفكير بالأمور وعواقبها. لا أريد أن نعيش القلق من أيّ شيء بقدر ما أريد أن نعيش همّ أن نعي أيّ شيء جديد، كي نُقْبِل عليه بطريقة واعية، لا بطريقة غرائزيّة اندفاعيّة. إنّ مشكلة المعرفة في عالمنا العربي أنّه في كثير من الأحيان نتلقّى منجزات غربية على أنّها حقائق علميّة حاسمة، فيما لا تكون في الغرب سوى تيار فكري معيّن أو وجهة نظر أو نظريّات ما تزال موضع جدل، ولم ترتقِ إلى مستوى الحقائق العلميّة، وكما يطالب المثقّفون والواعون في الأمّة أن يعمل الناس على امتلاك وعي ديني فلا ينقادون لأيّ رجل دين مهما قال، بل يطالبونه بالدليل، كذلك يفترض ـ إذا كنّا مستنيرين ـ أن نفعل مع أيّ فكرة تأتي من الغرب، فنسأل عنها بطريقة واعية، لا بقصد أن نعيش قلقها والخوف منها، بل بقصد أن نملك وعياً حقيقيّاً بها، بعيداً عن ثقافة (الموضة)، التي تتأثر بالإعلام والدعاية.
خامساً: انطلاقاً من النقطة السابقة، فإنّني أدعو الجوّ الديني عموماً وكذلك الحوزات والمعاهد الدينية، إلى تنظيم ملتقيات فكريّة جادّة ومتخصّصة في هذا الموضوع، لدراسته وتحليله من زوايا مختلفة، بحيث تعرض نتائج هذه الملتقيات ومضمونها الرئيس على الناس ليكونوا على بيّنة من الأمر، وأن لا نكتفي بسؤال وجّه إلى هذا العالم أو ذاك، فأجاب عنه بسطرٍ أو سطرين أو بفكرةٍ أو فكرتين.
سادساً: الشيء الذي لفت نظري بقوّة في التقرير المرفق بسؤالكم، هو محاولة الكثير وربما كلّ القيّمين على هذه الدورات، دمجَ مشروعهم وبرامجهم بالدّين، والاستشهاد بالنصوص الدينية لتدعيم أفكارهم في هذا المجال، ولست أريد الآن أن أنفي ما فهموه من بعض النصوص وما ربطوه بين مشروعهم وبينها، فلديّ ملاحظات مورديّة كثيرة على هذا الأمر لا ينفع الحديث عنها الآن. كما لا أملك معلومات عن الأشخاص المتصدّين الذين يقومون بعملية الربط والتأويل هذه، لكن ما يهمّني هو أنّ هذا الأمر فيه نوع من المخاطرة، فالطريقة التي تستخدم فيها عملية ربط النصوص الدينية بموضوع علم الطاقة طريقة عشوائيّة كما بدا لي، وغير قائمة على منهج صحيح في فهم النصوص الدينية، بل بعضها ينتقي النصوص على طريقته ويتجاهل نصوصاً أخرى تقف على طرف النقيض من طريقة فهمه للنصوص الأولى، وإنّني لأخشى دوماً من استخدام الدين وسيلة لترويج ثقافةٍ ما، في بلاد تعتبر الدين أساساً في المكوَّن الثقافي، وإقحام الدين في كلّ الأمور بطريقة غير صحيحة، بل بطريقة لا تحوي أيّ استدلال ممنهج يمكن الاستناد إليه. من هنا يبدو لي أنّ هذه مشكلة وإذا لم يكن هؤلاء المتصدّون من أهل الخبرة والاختصاص بالعلوم الدينية (ولا أقصد أن يكونوا خرّيجي الحوزات العلمية بالضرورة) فإنّ محاولتهم هذه ستغدو تطويعاً للنصّ أو ستغدو تقوّلاً بغير علم، وقد رأينا في العصر الحديث كيف أنّه كلّما جاء تيارٌ فكري معيّن حاول بعض المتديّنين أن يقبلوا هذا التيار عبر تأويل النصوص الدينية بطريقة تدعم هذا التيار، وكأنّ النصوص جاءت لتتكلّم عنه، لا أقول بأنّ هذا باطلٌ بالمطلق، لكنّني أقول بأنّه منزلق خطر يحتاج لتجرّد كبير وتخصّص عالٍ في فهم النصوص الدينية وطريقة تفسيرها وربطها بما تعطيه العلوم الأخرى. فإسقاط العلم على الدين وتأويل النصوص الدينية بطريقة عشوائيّة ـ بما يخدم قضايا علميّة معيّنة، لا نعلم أنّها بلغت مستوى الحقيقة العلميّة وقد تكون مجرّد نظريات يدور حولها جدل في الغرب أو ما زالت في فترة اختبار ـ لا أرى فيه صواباً.