السؤال: ونحن على أعتاب محرّم الحرام، ما هي الطريقة المثالية لردع ظاهرة التطبير، وخصوصاً تزداد في صبيحة عاشوراء في مدينة كربلاء بمنظر لا يسرّ الحبيب ويفرح به العدوّ؟ شيخنا الجليل، حتى أغلب الزوّار لم يسلم من تلطّخ ملابسهم بنجاسة الدم، وبعض هؤلاء المطبّرين يدخل عليهم وقت صلاة الظهرين وهو يسيل منه الدم، ثم يشارك بعزاء ركضة الطويريج ولم يهتم بالصلاة. ومما يؤسف له هو تسهيل العتبة الحسينية والعباسيّة لدخول هؤلاء إلى العتبتين حتى تكون النجاسة داخل الحرم، وهذا مخالف للشريعة، وطبعاً هذه مجاملة من القائمين على العتبة لهؤلاء! ثق شيخنا أصبحنا نترك الزيارة يوم عاشوراء بسبب هذه الظاهرة. (عمار البهادلي، بغداد، العراق).
وطريقة التبرّع بالدم تربط الإنسان بالعطاء المنتج بشكل مضاعف، وفيها فوائد صحيّة للمتبرّع والمتبرّع له، ويمكنها سدّ حاجات المستشفيات لفترة معينة على الأقلّ، وفيها خاصية الجمع بين إحياء المناسبة وإعانة المسلم والتصدّق بالدم له والقيام بما فيه النفع الصحّي للمتبرّع نفسه، والمحافظة أكثر على الصحّة والسلامة العامّة. لكنّ المهم أن لا نعتبر التبرّع بالدم شعيرة نريد فرضها على الناس، أو شيئاً منصوصاً عليه في الدين، بل هو وسيلة تعبيرية زمنية قد يأتي يوم يرى فيه أهل العلم والفضل والرأي أسلوباً آخر بحسب تغيّر الزمان والمكان، ما دام هذا الأسلوب المتبع اليوم لا نصّ فيه بالخصوص من الناحية الشرعيّة. كما أنّ من المهم أن لا نبقى نعيش الصراعات المتواصلة في هذا الموضوع بطريقة غير علميّة، فنتوجّه بالاتهام لبعضنا بعضاً بمعاداة القضيّة الحسينية أو شخص الإمام الحسين عليه السلام والعياذ بالله، وأن نعلن حالة هدنة يحاول كلّ واحد منّا أن يطرح مشروعه فيها دون تجريح بالآخر، ونتنافس إيجابيّاً على ما نراه الأفضل في وسائل التعبير دون صراعات وتشظّيات وتمترسات واصطفافات جديدة، ونحترم الفتاوى التي تصدر لهذا الفريق أو ذاك، مع حقّنا جميعاً في النقد حيث نملك مقوّماته العلميّة والأخلاقية.
ب ـ قد تحصل تجاوزات شرعيّة هنا وهناك أثناء القيام بفريضة أو مستحبّ ديني، وهذا يكون حتى في الحجّ والعمرة. والمطلوب توعية الناس، علماً أنّ تنجيس الآخرين ليس محرّماً إلا إذا كانوا لا يرضون بتلطيخ ثيابهم بالدم، فيجب على (المطبّرين) مراعاة ذلك شرعاً، ولا يحسن بهم تأخير الصلاة عن أوّل وقتها حيث يستحبّ الإتيان بها في أوّل الوقت، وإن كان التأخير بما لا يخرج عن وقت الصلاة غير محرّم.
ج ـ يتفق الفقهاء على حرمة تنجيس المساجد مطلقاً، أمّا تنجيس المشاهد المشرّفة والعتبات فلهم في ذلك رأيان:
الرأي الأوّل: ما هو المشهور، وهو ظاهر عبارات أغلب الفقهاء، بمن فيهم جمهور المراجع الأحياء، من أنّ حرمة التنجيس خاصّة بحالة ما إذا لزم هتك حرمة المشاهد المشرّفة، أمّا إذا لم يلزم هتك الحرمة فيجوز التنجيس ولا تجب إزالة النجاسة. وقال كثير من هؤلاء بأنّ حكم المصحف الشريف هو هذا الحكم أيضاً.
الرأي الثاني: ما ذهب إليه بعض الفقهاء، من أنّ حرمة تنجيس المشاهد المشرّفة حرمة مطلقة، بمعنى أنّ تنجيسها حرام، سواء لزم منه الهتك أم لم يلزم، وهذا هو رأي أمثال الشيخ فاضل اللنكراني، والسيد الصدر في الفتاوى الواضحة، أمّا الشيخ وحيد الخراساني فذهب إلى حرمة التنجيس مطلقاً على الأقوى في المشاهد، وعلى الأحوط في المصحف الشريف.
وعليه، فينبغي النظر في تنجيس المطبّرين للعتبة الحسينية، هل يلزم منه الهتك فيحرم بإجماع العلماء، وإلا فلا يكون حراماً إلا على بعض الفتاوى. هذا من الناحية الفقهية والقانونية. أمّا من الناحية الأخلاقية والاجتماعيّة والإعلامية فلا ينبغي أبداً وقوع ما يقع في العتبات المشرّفة في كربلاء، وقد سمعنا ـ ولا أدري مدى دقّة النقل ـ أنّ المرجعيّة الدينية في النجف لا توافق على ذلك، وأنّها تحاول أن تحول دون تنجيس العتبة بوضع العوازل على الأرض أو على الجدران، وأنّ الظروف الضاغطة تحول دون التصريح بالأمر ومواجهته، والله العالم.
وأخيراً، علينا جميعاً أن نتحمّل بعضنا، ونعمل ولا نيأس، وتكون لدينا العزيمة والإرادة للتغيير وتصحيح الأمور فيما نراه الحقّ، والله معنا حيثما نكون معه إن شاء الله.