السؤال: هناك من يرى أنّ على خطباء المنبر الشريف عدم المبالغة عند استعمالهم لمبدأ لسان الحال، والذي ينسب للإمام الحسين وأهل بيته في مصيبة عاشوراء من أجل إبكاء الجمهور، بعدم التقوّل أو نقل ما هو قد يكون خاطئ عنهم عليهم السلام. ويرى بعضٌ أيضاً أنّ خطباء المنبر يجب أن يكونوا حريصين وأن لا ينقلوا كلّ الروايات المتعلّقة بالمصيبة، وخاصّةً تلك التي تصوّر الإمام عليه السلام بحالة جزع وحزن كبيرين (وكمثال على ذلك, خبر تلقّي الإمام الحسين لمقتل علي الأكبر) لعدم موافقته قول الإمام عليه السلام: «هيهات منّا الذلّة». وفي المقابل هناك من يرى أنّ حالة الحزن المبالغ بها طبيعيّة للمعصوم ويجب عدم ربطها بحالة المنطق والعقل؛ لأنّنا في كثير من الأمور لا نعلم عللها، وكمثال على ذلك بكاء النبيّ يعقوب عليه السلام سنين طويلة، مع منافاتها لمبدأ الرضا بقضاء الله سبحانه! أرجو من سماحتكم بيان وجهة نظركم في هذا الموضوع (وائل المسقطي).
1 ـ مبدأ أنّ كل شيء يتعلّق بالتاريخ الحسيني فلا ينبغي إخضاعه للمنطق والبحث العلمي، حتى رأينا بعضنا يتأذّى جدّاً من معالجة علميّة هنا أو هناك لرواية تاريخية في هذا المجال أو ذاك. هذا ما أسميته مرّةً باللامعقول الحسيني، هناك من يريد أن يعتبر حدث كربلاء ما فوق طبيعي، وأنّه حدث لا يخضع للقوانين التي وضعها الله في الطبيعة والوجود، وأنّه حدث فوق كلّ هذا العالم وخارج كلّ التاريخ والإنسان والحياة، ولهذا فهو حدثٌ متعالٍ عن الفهم العقلي والمنطقي، ولا يصحّ استخدام مناهج البحث التاريخي والعقلي والكلامي والفلسفي وغير ذلك في التعامل مع التاريخ الحسيني، فمن الممكن أن يكون الإمام الحسين قد قتل مليون شخص في صبيحة عاشوراء مثلاً، دون أن أفهم أنا كيف حدث ذلك، وحتى لو عجزت كلّ وسائلنا المعرفيّة عن فهم هذا الحدث أو نفته نفياً قاطعاً، فينبغي أن نأخذ به وأن لا نكذّبه وأن لا نواجهه حتى لو كان النقل التاريخي له نقلاً ضعيفاً هزيلاً من الناحية العلمية والتاريخية والحديثية. بالفعل هناك من يريد أن يحرّر التاريخ الحسيني من التناول العقلاني، وهذه نزعة وجدنا بشائرها في العصر الصفوي، وها هي اليوم تتنامى بقوّة في أوساطنا.
ما هو الدليل على تحرّر التاريخ الحسيني من معايير الفهم الإنساني والعقلاني والتاريخي؟ دعونا نتحاكم لمنطق يؤكّد هذا المبدأ المزعوم نفسه، بعيداً عن لغة التخوين والتهويم والتعالي والأدبيات واستجلاب لغة العرفاء لزجّها في هذه القضية بما يحول دون إمكانية فهمها العقلاني. طبعاً عندما ندّعي إمكان الفهم وأنّها حدث لابدّ من تعقيله، فهذا لا يعني أنّ الإنسان يستطيع فهم كلّ جوانب هذه النهضة، لكنّ هذا لا يلغي التعقيل وخضوع مرويّات هذه النهضة التاريخية للبحث العلمي المعتمد، فهذا مثل قول علماء القرآنيات وأصول الفقه من أنّ القرآن يمكن فهمه، إذ قولهم هذا لا يعني أنّ القرآن ميسورٌ فهم كلّ زواياه لكلّ إنسان، أمّا عندما أعالج التاريخ بمنهج ثم أكسر هذا المنهج عندما أصل إلى قضيّة الثورة الحسينية فهذا يحتاج إلى دليل، ما دامت هذه النهضة هي حدثٌ في الزمان والمكان، فالسيرة النبوية نحن نخضعها للبحث العلمي، ونناقش فيما كتبه المؤرّخون حولها، ونفنّد روايةً مزعومة هنا أو مدّعاة هناك، وفقاً لأسس البحث العلمي والتاريخي، فهل الحسين أعظم من النبيّ؟!
نعم، من حقّ الطرف الآخر أن يناقشني في منهج فهمي واجتهادي التاريخي عموماً، حسناً هذا شيء ممتاز، لكن أمّا أن نجده يدرس التاريخ وفق منهج، ثم يرمي بهذا المنهج عرض الجدار عندما يصل للتاريخ الحسيني، فهذه مفارقة من حقّنا أن نطالبه بدليل علمي عليها، وليس بكلام عاطفي أو برواية أو روايتين ضعيفتين متهالكتين تالفتي المصدر والإسناد.
2 ـ مبدأ تعالي الخطباء وقرّاء العزاء عن النقد، فهناك من يريد اليوم أيضاً تجنيب الخطباء الكرام وقراء العزاء النقدَ، وأنّ النقد لهم هو تضعيف للمنبر الحسيني، هذه وجهة نظر، لكنّني أعتقد أنّ نقد قراء العزاء ونقد الخطباء عندما يكون ناشئاً من تصفية حسابات ومن تسقيط ومن تجنٍّ واتهام ومن سخرية واستهزاء فهو غير مقبول أبداً، وهو بالفعل سعيٌ نحو تضعيف المنبر الحسيني، وهو مرفوض جملةً وتفصيلاً، لكن عندما يكون هذا النقد ناشئاً من الحرص والمحبّة والإخلاص والإيمان، ويعتمد الهدوء والمعرفة، فلماذا يكون موجباً لتضعيف المنبر؟ لماذا لا نقول بأنّ بعض قرّاء العزاء يساهمون هم بأنفسهم ـ من حيث لا يشعرون وعن حسن نيّة ـ في تضعيف المنبر بخطابهم القائم اليوم؟ قد يقول شخص ذلك. وإذا قمت بنقد هذا الخطاب أو بعض قرّاء العزاء فسوف أساهم في تقوية المنبر ودفعه نحو الأمام. لا أعتقد أنّه من الصلاح وضع جماعة ـ مهما كانت مخلصة ـ فوق النقد، سيكون ذلك بمثابة إعطاء ضمانات لأي خطأ يُرتكب ولأيّ انحراف يقع، دون أن أسمح بتصحيحه.
ما هو المبرّر لكبح حريات الآخرين الذين يرون في بعض الأخطاء هنا وهناك تضعيفاً للمذهب؟ هل يعني ذلك أنّ كلّ من يقوم بمهمّة نبيلة فيجب تحييده عن النقد؟ وهل يعني ذلك أنّ من يقوم بمهمّة نبيلة فمن حقّه استخدام أيّ وسيلة دون محاسبة أو رقابة؟ وهل حقّاً أنّ هذه المهمّة النبيلة أو تلك حسنةٌ لا تضرّ معها سيئة؟ ما يبدو لي هو العكس تماماً، حيث يجب أن يظلّ قرّاء العزاء الكرام ـ كغيرهم من فئات المجتمع الأخرى ـ تحت المجهر النقدي، بوصفهم شأناً عامّاً لا شأناً خاصّاً، ليكونوا أكثر جديّةً وأكثر دقّةً وأكثر فاعليّةً وأكثر رقابةً على أنفسهم وما يقولون، وهذا من الحرص عليهم ومن الحبّ لهم ومن الإرادة الصادقة تجاههم. إنّ ما نشهده اليوم من حركة تطرّف ومبالغة لا حدود لها وسعي نحو التحرّر من كلّ القيود ليس شيئاً صحيّاً وهو نذير شؤم للمستقبل. كيف يمكن أن نسكت عن شخص يقول بأنّ القرآن الكريم كتاب ضلال لولا العترة؟! هل يقبل هو نفسه أن نقول له: إنّ كلّ أحاديث العترة وما أتانا من أهل البيت هو ضلال لو أخذ لوحده دون القرآن، وحديث الثقلين يساوي النسبة بين القرآن والعترة من حيث التلازم؟! هل مطلوبٌ منّي حقّاً أن أسكت عن هذا كما يسكت كثيرون؟! هل مطلوبٌ أيضاً أن نسكت عن آخر قال بأنّ الله فوّض الحسين عليه السلام إدارة الكون بحيث لا يرجع له الحسين في كلّ صغيرة وكبيرة؟! أيّهما أغلى عليّ: الخطباء أم القرآن الكريم الذي وصف نفسه بأنّه يهدي للتي هي أقوم؟ أيّهما أغلى عليّ: الخطباء أم التوحيد؟ وما أدراك ما التوحيد! لسنا نريد قمع هؤلاء، بل كلّ ما نطالب به هو نقدهم بكلّ أسلوب علمي وأخلاقي ـ كما نطالب الآخرين بنقدنا بكلّ أسلوب علمي وأخلاقي أيضاً ـ لا الصمت تجاههم، حتى اعتبروا بعض كبار مراجع الطائفة ممّن نطق بالكفر في آخر حياته، فهل محمّد باقر الصدر نطق بالكفر ومات على كلمة الكفر؟! ﴿تكاد السماوات يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّاً﴾ (مريم: 90). إنّني أعرف أنّ هناك اعتبارات للشخصيات الكبرى في الدخول في مثل هذا الموضوع أو ذاك، لكن من المفروض علينا جميعاً توجيه الرأي العام ـ ولو بنحو غير مباشر ـ نحو تخفيف الاحتقانات وتنفيس الأصول الفكريّة لهذا النمط من التفكير، لا السكوت عنه بحجّة أنّ ذلك صدر عن إخلاص، فلسنا اليوم في يوم الحساب نحاسب النوايا، وإنّما نحن في هذه الدنيا نتناقش بالتي هي أحسن، ولا ننفي ولا نُقصي ولا نسبّ ولا نشتم ولا نقتل ولا نسلب أحداً حريّته، كلّ ما في الأمر هو أنّنا نطالب بوجهة النظر الأخرى أن تفصح عن نفسها، وأن نكفّ عن السكوت والصمت واللامبالاة، وأن يعرف كلّ واحدٍ منّا أن هناك فريقاً ورقيباً يناقشه ويختلف معه، لا أنّه يقول كلّ ما يريد دون حسيب أو رقيب. هذه هي الفكرة التي أريد أن أوصلها.
نحن نعرف أنّ هناك عشرات الآلاف من قرّاء العزاء في العالم من الرجال والنساء، وبعض هؤلاء ممّن تنحني لهم الرقاب احتراماً وإجلالاً لعلمهم وجهادهم، لكن أليس بعض قراء العزاء ممّن لا يملك المستوى المطلوب من المعرفة؟ كيف يمكن أن أتصوّر كلّ هذا الحشد الهائل من قراء العزاء ولا أجد في مقابل ذلك أيّة معاهد كبرى لتخريجهم؟ أين هي معاهد قرّاء العزاء؟ غاية ما تعطيك ـ وما أقلّها ـ التدرّب على الألحان والأطوار وبعض المعلومات الطفيفة، لكن ألا يحتاج قراء العزاء اليوم ـ وتحت منبرهم الآلاف ـ إلى تخصّص أيضاً، وهم يمثلون موقعاً متقدّماً في صناعة الوعي الشعبي الديني؟ لا يوجد أيّ عمل تأهيلي يُذكر لقراء العزاء، لا على مستوى المضمون، ولا على مستوى الشكل عبر التثقيف على وسائل الدعاية والإعلام والتأثير.
من هنا، أجد أنّ من الواجب الشرعي علينا جميعاً عدم تحييد أحد من النقد عندما نملك مقوّمات النقد، ونملك أخلاقيّة النقد، بل لقد طالبتُ مراراً برقابة دائمة على قراءة العزاء من قبل المتخصّصين في التاريخ والسيرة والفقه وغيرهم، تجعل قارئ العزاء بحكم المسؤول عمّا يقول، لا أن يلقي ما يريد في المجلس وتحت منبره فقهاء وأساتذة، ولا يجرؤ أحد على التفوّه بكلمة أمامه، لا لشيء سوى الخوف من أنّ التعرّض له قد يفتح باب جهنّم بوجهك، هذا شيء مرفوض تماماً، ولست أوّل من رفضه، فهذا الشيخ المطهّري قد أسهب في هذا، ومن يريد صناعة الوعي الشعبي الديني يجب أن يكون عالماً قبل أن يكون خطيباً أو قاصّاً.
إنّ نقد الخطباء وقرّاء التعزية جزءٌ من فريضة الأمر بالمعروف والتوجيه والدعوة إلى الخير، وهذه الفريضة لا يقوم بها العلماء والخطباء فقط تجاه الناس، بل هي ـ وكما يقول الفقهاء أنفسهم في كتبهم الفقهية ورسائلهم العمليّة ـ وظيفة الناس أيضاً تجاه بعضهم وتجاه العلماء والخطباء، وليس الأمر بالمعروف تدخّلاً في غير التخصّص بالضرورة، بل هو دعوةٌ للصدق في القول والتثبّت والانضباط الشرعي والأخلاقي، وهذا المقدار لا يحتاج إلى تخصّص، فهو معلومٌ من الدين بالضرورة. إنّ من واجبنا جميعاً ـ كتاباً وأدباء وشعراء ونقاداً وأهل إعلام وصحافة وعلماء ومفكّرين ومثقّفين وفقهاء ومؤرّخين ـ أن نساهم في عمليّة نقد المنبر الحسيني، وهي ليست نقداً للحسين، بل نقدٌ لصالح الحسين عليه السلام. نعم، من الخطأ أن نجعل قرّاء العزاء كلّ همّنا وكأنّه لا وظيفة شرعيّة أخرى غيرهم، فننسى كلّ عناصر الخير والعطاء في الخطباء، وننسى كلّ التقصير الحاصل في مجتمعاتنا من فئاتٍ مختلفة، لنتفرّغ فقط لنقد المنبر! هذا خطأ جسيم، وهو ظلمٌ أيضاً بحقّ المنبر الحسيني وأهله، لكنّ هذا لا يعني التخلّي عن مهمّة الدعوة إلى الخير المطالبون بها جميعاً، شرط الالتزام العلمي والأخلاقي وحفظ حرمات الناس.
3 ـ مبدأ تصحيح كلّ المرويات التاريخية ذات الطابع المذهبي، وهي دعوى وجدناها عند بعض العلماء أيضاً حفظهم الله، فكل نصّ تاريخي ولو رجع إلى خمسين سنة فقط من اليوم يجب الحفاظ عليه وتظهيره وتفعليه وعدم نقده والتوقّف عن استنكار استحضاره في مجالس العزاء، لماذا؟ لأنّ بني أميّة طمسوا التاريخ وعلينا أن لا نشارك في هذه الجريمة، وكل نصّ ولو كان ضعيفاً من الناحية التاريخية فيجب أن لا نحذفه؛ لأنّ في حذفه تضييعاً للتراث. هذه وجهة نظر نحترمها.
لكنّني أعتقد بأنّه حصل خطأ أساسي في وجهة النظر هذه، فهناك فرق بين حذف الوثائق التاريخية ولو الضعيفة، وإحراقها وإتلافها حتى تذهب بحيث لا يمكن بعد ذلك الحصول عليها، وبين عدم ترويجها بين الناس، هناك من يقول ـ ومنهم صاحب وجهة النظر هذه في بعض كتاباته حفظه الله ـ: لا ينبغي أن نؤلّف في صحيح الأحاديث؛ لأنّ هذا سوف يؤدّي إلى تلاشي الأحاديث الضعيفة وزوالها عبر التاريخ، وفقداننا قرائن وشواهد وتراثاً قيّماً. لكنّ هذا الكلام يقرأ الأمور بشكل تحليلي نظري، في حين أنّ الواقع بعكس ذلك تماماً، فلنأخذ تجربة أهل السنّة الذين اعتمدوا الصحيحين المؤلّفين في القرن الثالث الهجري، أي قبل ما يزيد عن ألف ومائة عام من اليوم، فهل ضاع تراثهم الحديثي الموجود في غير صحيحي البخاري ومسلم؟! كلا، فها هو هذا التراث يهتمّون به وينقّحونه ويخرّجونه ويدرسونه ويطبعونه أيّما طباعة، وما زال حاضراً في الفكر والبحث والاجتهاد عندهم إلى يومنا هذا، مثل معاجم الطبراني ومسند ابن حنبل وصحاح ابن خزيمة وابن حبان البستي ومجمع الزوائد للهيثمي وعشرات من الكتب الأخرى، فلماذا إذا طالبنا بالتدوين في صحيح الأخبار نكون قد طمسنا الحديث؟! ولماذا إذا طالبنا بالتدوين في صحيح السيرة الحسينية ـ كما فعل ذلك مؤخراً العلامة الشيخ محمدي الري شهري رعاه الله ـ نكون قد طمسنا سيرة الحسين عليه السلام؟! إنّ التدوين في الصحيح للناس يعني أن لا تقدّم بين يدي الناس إلا الأخبار الحديثية والتاريخية المعتبرة أو على الأقل غير المتهالكة، لكنّ هذا لا يعني أنّ سائر الأخبار قد أتلفناها، بل هي في متناول الباحثين والعلماء والنقّاد والمحدّثين والمؤرّخين، فمن هو هذا الذي طالب بحذف التراث؟! وأين قال هذا؟ إنّ كل ما نقوله هو المطالبة بأنّ نميّز بين ما يُعرض على الناس بوصفه مكوّناً للثقافة الدينية الشعبية العامّة، وبين ما هو في متناول واهتمام الباحثين والمتخصّصين، فما يُعرض على الناس هو الشيء الذي فرغ الباحثون من إثباته، وما نميل إلى عدم عرضه هو ما لم يثبت، فإذا عاد وثبت الضعيف بقرائن وشواهد فلا مانع من تعويمه على المستوى الشعبي، وإذا ظلّ ضعيفاً فيبقى في متناول يد الباحثين ليستعينوا به هنا وهناك في أبحاثهم حيث يشكّل فائدةً وقرينة، وإذا ثبت عند بعض العلماء دون بعض فمن حقّ من ثبت لديه أن يسعى لترويجه بين الناس، ومن حقّ من ضعّفه أن يبيّن رأيه في ضعفه ويناقش في اعتماده، وأيّ ضير في ذلك؟. وما علاقة هذا الموضوع ببني أميّة؟ وما علاقته بحفظ التراث وعدم ضياع تاريخنا المذهبي؟ كلّ ما نقوله أنّ ما يراد أن يُلقى لعامّة الناس فليكن الأمور الثابتة عند المدارس التاريخية والحديثية اليوم، وأمّا ما هو ضعيف جدّاً أو تحوم حوله مئات الإشكالات والمناقشات بحيث لا يصمد أمام البحث العلمي عند الأغلب فلا تتداولوه، بل اتركوه لأوساطكم، فهل في هذا الطرح جريمة أم هو شيء منطقي تلقائي تستدعيه الضرورات؟ ومن ثمّ فنقد النصّ الضعيف أو الذي أراه منافياً للمنطق أو لحقائق التاريخ أو للقرآن الكريم أو لقطعيّ السنّة الشريفة أو لمقام الأنبياء والأولياء ليس عيباً ولا طمساً للتراث، بل بالعكس هو حفر وتجلية وتنقية تفضي في نهاية المطاف إلى أن يكون ما يُطرح على الناس أكثر استحكاماً وأكثر قوّةً في إثباته التاريخي وفي مضمونه الرسالي أيضاً. ما نريده هو أن نبني ثقافة الناس على ما ثبت أنّه حقيقة لا على ما يُحتمل أنّه حقيقة ولو بنسبة الواحد في المائة. أكتفي بهذا القدر، وللحديث صلة وتتمّة، عسى تأتي الفرص لإكماله إن شاء الله.