السؤال: تنتشر في مجتمعاتنا بعض المناسبات المأخوذة من الغرب، وعلى سبيل المثال (عيد الأم)، فما هو موقفكم من إحياء هذه المناسبات؟ وهل هناك من محذور فيه كالتشبّه بالكفار؟ فنحن نحيي مناسباتهم ونهمل مناسباتنا. أرجو منكم التوجيه ولكم الشكر الجزيل (طالب علم).
شيخنا العزيز، أودّ معرفة رأيك بالتعليق أدناه وهو تعليق لي. وأنا لك من الشاكرين. لقد قلتُ: (ليس هناك في الإسلام عيد اسمه عيد المولد النبوي، فالأعياد في الإسلام معروفة، وهي 4 أو 3 أعياد على الاختلاف بين المسلمين، وهي ذات معنى عبادي أكثر منه احتفالي. ثم إنّ النبي محمّداً صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم بُعث نبياً بعد أربعين عاماً من ولادته، وأنا كمسلم يعنيني من النبي الوظيفة التي بُعث من أجلها، وليس شخصه البيولوجي. وعليه فالمناسبة التي يجب أن تُعطى حقّها في الاحتفال بين المسلمين هي المبعث النبوي الشريف في السابع والعشرين من رجب. وعلى مرّ التاريخ كانت السلطة تركّز على الشكل لاكتساب الشرعية، وعلى مرّ التاريخ أيضاً كان هذا التركيز لتغطية ابتعاد السلطة عن المضمون الإسلامي الحقيقي في الفكر والسلوك والمواقف والعلاقة بالمجتمع والثروة و… ما هو تعليقكم شيخنا الكريم؟ (يوسف كلوت، لبنان).
الجواب: أولاً: كون يوم ما عيداً، يمكن أن يكون نتيجة اعتبار شرعي خاص، ويمكن أن يكون نتيجة اعتبار عرفي عام أو خاص، أمّا العيد الناتج عن الاعتبار الشرعي الثابت، فهو عبارة عن عيد الفطر وعيد الأضحى بإجماع الأمّة الإسلاميّة، كما وردت العديد من الأحاديث عن أهل البيت النبوي عليهم السلام باعتبار يوم الغدير ويوم الجمعة عيداً، فتكون الأعياد عند المذهب الشيعي أربعة. وأمّا غير ذلك من الأيام فلم ينصّ جمهور الفقهاء السابقين، ولا جاء في النصوص القرآنية والحديثية أنّه عيدٌ بعنوانه، فاعتبار العيد هو اعتبار شرعي ولم يرد شيء في غير هذه الأيام الأربعة، سواء فهمنا العيد أمراً له أحكام أم له بُعد احتفالي لا فرق، إلا ما وقع بينهم من كلام في بعض الموارد القليلة جداً مثل يوم النوروز (النيروز) الذي هو عيد بداية السنة الفارسية، لكن لم يرد بشكل ثابت عن النبي أو أحد من أهل بيته أو صحابته أنّهم أعلنوا يوماً ما عيداً غير هذه الأيّام.
ثانياً: ما تقدّم لا يمنع من أن نعتبر نحن يوماً من الأيام عيداً، إمّا لسببٍ ديني كمولد النبي الأكرم أو مولد الإمام علي أو بعثة النبي الأعظم أو مولد الإمام المهدي أو يوم الإسراء والمعراج أو غير ذلك، أو لسبب غير ديني كإعلان بعض الدول أياماً معيّنةً بمثابة أعياد وطنية أو ذات بعد ثوري وشعبي وتاريخي، فإنّ هذا الاعتبار إذا لم يصادم الشرع لا مانع منه، بل قد يكون راجحاً في حدّ نفسه لو كان فيه تشجيعٌ على فعل الخير وتقويةٌ لأواصر التعاون والموادّة والإيمان وحبّ الوطن وغير ذلك ممّا حثت عليه النصوص الشرعيّة، لكنّ المهم هو أن لا نعتبر هذا العيد عيداً شرعيّاً، بمعنى أن لا ننسبه إلى الشريعة ما دمنا لا نملك دليلاً على وجود اعتبار تشريعي لهذا اليوم بأنّه عيد. ومجرّد اشتراك يومٍ من الأيام مع بعض الأعياد في بعض الأعمال كالغسل مثلاً أو الزيارة أو نحو ذلك، لا يدلّ على اعتبار العيدية شرعاً له.
ثالثاً: بناءً على ما تقدّم، فإنّ كون هذا العيد قد جاءنا من الغرب أو من المسيحية أو غير ذلك لا أجد فيه محذوراً في حدّ نفسه، فلنفرض أنّ الغرب توصّل إلى اعتبار يومٍ من الأيام هو يوم الطفل العالمي، فما الضير في مشاركته في ذلك؟ ولماذا نصرّ دائماً على اعتبار المقاطعة مع كلّ ما يأتي من الغرب؟ بالنسبة لي كلّ اعتبار ليومٍ من الأيام على أنّه عيد أو مناسبة، هو أمرٌ مشروع، بل قد يكون محبوباً ما دام يدعو لقيم الخير والعدالة والمحبّة والإنسانيّة والرقي والأخلاق والتربية والبناء الروحي والديني والوطني عند البشر، سواء أتى من الغرب أم الشرق، شرط أن لا ننسبه إلى الدين بلا دليل. نعم ينبغي للمسلمين عدم هدر خصوصيّتهم مهما أمكن، وعدم السماح لأيّ ثقافة أخرى غير متناسبة مع دينهم وأخلاقهم أن تغزوهم تحت مسمّيات العيد الفلاني أو غيره.
رابعاً: إنّ ابتكار أعياد جديدة لأيّ سبب من الأسباب شيء وإهمال أعيادنا الدينية شيء آخر، فإذا كانت الناس تهتمّ بعيد الأم أو الطفل أو غير ذلك على حساب الاهتمام بالأعياد الدينية، فإنّ هذا لا يعني أنّ عيد الأم عيد غير شرعي أو ينبغي محاربته، بقدر ما يعني أنّ علينا أن نسعى للترويج للأعياد الإسلاميّة ليكون لها حضورها المتميّز في الأمّة، ولا تنسى الأمّة خصوصيّتها منجرفةً خلف الأعياد البشرية الآتية من الغرب أو الشرق، وهذا معناه أنّه من الضروري لنا أن نميّز بين الأمور بشكل دقيق.
خامساً: لا يصدق على الأعياد الآتية من الغرب أنّها تشبّه بالكفار، فإنّ المراد بالتشبّه المحرّم بالكفار ـ على ما هو الصحيح المبحوث في محلّه ـ شكلٌ من أشكال التبعيّة لهم والذوبان الثقافي فيهم، لا مطلق مشاركتهم في بعض العادات والتقاليد والثقافات فإنّ الأمم تتشارك فيما بينها، والغرب قد يطلق بعض الأمور بوصفه إنساناً لا بوصفه كافراً، فأيّ مانع من التواصل معه فيما أطلقه انطلاقاً من عناصر الإنسانية المشتركة؟
سادساً: إنّ الفصل بين البعد الوجودي الانطولوجي في شخصية النبي أو الإمام، وبين البعد الوظيفي والدعوي يبدو صعباً في بعض المساحات، فمن غير الصحيح أن أتحدّث بالمطلق عن عدم أهميّة البعد الوجودي في شخصية النبي الأكرم مثلاً؛ وإلا فبماذا نفسّر آيات الإسراء والمعراج، التي هي عبارة عن تجربة نبويّة شخصيّة؟ وبماذا نفسّر الآيات التي تتحدّث عن شخص النبي من حيث اليتم وغيره؟ هذا يعني أنّ جزءاً من شخصية النبي وذاته يتصل بي كمسلم. وكما أنّ البعثة شأنٌ يتصل بي كذلك ولادته التي كانت مقدّمة للبعثة شأنٌ يتصل بدرجة أو بأخرى بي، فالموضوع ليس هنا، وإنما هو في فائدة هذه المناسبات التي ابتكرها المسلمون أو ابتكرتها السلطات لا فرق، فإذا كانت تعطي ثمارها التربوية والاجتماعية فلماذا أقف ضدّها؟ وإذا كانت مضرّةً وغير مفيدة أو عائقاً عن التقدّم، فإنّ عليَّ بيان ذلك، بلا فرق بين أن تكون هذه المناسبات مرتبطة بجانب البعثة النبوية أم ببعد الولادة النبويّة مثلاً، فلا أظنّ أنّ هذا المدخل هو المدخل الصحيح لمعالجة الموضوع، بل أعتقد أنّ المدخل الصحيح لدراسة هذا الموضوع هو ـ من جهة أولى ـ البحث عن وجود اعتبار شرعي لهذا العيد أو ذاك، ثم ـ من جهة الثانية ـ البحث عن فوائد هذه الاحتفاليّات وعدمها بعد عدم ثبوت دليل شرعي على اعتبارها الخاصّ، من دون فرق بين كون هذه الأعياد قد وضعت في سياق أمر وجودي أو عملي وظيفي.
شكرًا جزيلاً شيخنا العزيز