السؤال: من خلال استيحاء الأبعاد الروحيّة لشهر رمضان المبارك، هل هناك إشكال في حضور أمسيات ثقافيّة نسائيّة ويأخذن النساء حريتهنّ باللبس المحتشم إلى حدّ ما مع الزينة؟ هل هذا يخلّ بحرمة الشهر الفضيل؟ (Naqa Juma Al-lawati).
الجواب: من الناحية الشرعية الفقهيّة لا مانع من ذلك، وليس بحرام ولا هو بموجبٍ لبطلان الصوم أو قضائه، لكنّ مراجعة الجوّ العام الموجود في الكتاب والسنّة حول هذا الشهر الفضيل يعطي إيحاء بانّ الإسلام يريد للإنسان في هذا الشهر أن يكون مبتعداً نسبيّاً عن شؤون الملذات والمسرّات غير العادية، ليكون منشغلاً بالعبادة والدعاء والذكر والعيش مع الله سبحانه وتعالى، ففي آيات الصيام من سورة البقرة نحن نجد أنّ هذه الآيات توسّطها الحديث عن الدعاء وعن نزول القرآن الكريم وعن التكبير على الهداية وعن الشكر وعن التقوى والرشد والرشاد ونحو ذلك، ولنلاحظ هذه العناوين في هذه الآيات، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 183 ـ 187). كما قدّم لنا القرآن الكريم ليلة القدر في هذا الشهر وحدّد عظمتها وأنّه من الضروري أن يطلبها الإنسان فيه، لا سيما في العشر الأواخر منه، وبالأخص ليلة الثالث والعشرين، وهذا كلّه يضع الإنسان في هذا الشهر في فضاء مختلف، تماماً كما هو الحجّ فضاءٌ مختلفٌ يوضع فيه الإنسان في العمر مرّةً على الأقلّ.
ولو راجعنا الأحكام الشرعيّة غير الإلزاميّة، فنحن نجد أنّ الفقهاء يحكمون بكراهة ملامسة النساء وتقبيلهنّ وملاعبتهنّ للصائم ولو كان واثقاً من عدم حصول المفطر، وكذلك يحكمون بكراهة شمّ كلّ نبات طيّب الريح، وبلّ الثوب على الجسد، والمضمضة عبثاً، وإنشاد الشعر في غير مرائي الأئمّة. ولو لاحظنا هذه الأشياء المكروهة على الصائم ـ وإن لم يحكم بكراهتها في رمضان ليلاً حال عدم الصيام ـ فهي تعطينا مؤشّراً على أنّ الشريعة تريد تجنّب بعض حالات الراحة كشمّ النبات الطيّب أو بلّ الثوب على الجسد أو غير ذلك، ممّا يعطي إيحاءً بأنّ الدين ـ رغم كونه يسراً كما أشارت الآيات القرآنية الآنفة الذكر ـ يريد قدر الإمكان أن يعيش الإنسان مشاقّ الحياة في هذا الشهر الفضيل دون عسرٍ أو حرج ليعطي هذا الشهر أثره الروحي في تذكّر الآخرة حقيقةً، وتذكّر الفقراء والمساكين ونحو ذلك، كما جاء في خطبة النبيّ الأكرم في استقبال هذا الشهر الكريم، ولهذا نجد من سنّة الرسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في هذا الشهر الاعتكاف، والملفت أنّ القرآن الكريم قد أشار للاعتكاف في ثنايا حديثه عن الصوم في رمضان، كما نلاحظ من الآيات السابقة، وهذا يوحي بأنّ هناك ربطاً بين الاعتكاف المعبِّر عن التفرّغ للعبادة وترك بعض الملذات وبين شهر رمضان المبارك.
ولا يعني هذا أن يعيش الإنسان في هذا الشهر بشاعة المنظر والابتعاد عن النظافة وما شابه ذلك، ولهذا ورد أنّه لا يكره للصائم التطيّب ووضع الرائحة الزكيّة وإن كره له شمّ الرياحين، فالتأمّل في نوعيّة المفطّرات في الصوم، وهي تعبّر عن الابتعاد عن الملذات من الطعام والشراب والجماع والاستمناء و.. مع بعض المكروهات، مع التأمّل في الآيات المتقدّمة، يعطي أنّ الإنسان يناسبه أن يعيش الأجواء الروحيّة والزهديّة في هذا الشهر الكريم.
أمّا الأمسيات الثقافية والفكرية والعلميّة، فهذه لا ضير فيها، لاسيما إذا وقعت في صراط نشر وتكريس القيم الدينية، وبثّ الخير، وذكر النبي وأهل بيته، وتدارس الكتاب الكريم، والترويج لأمر الدين والأخلاق، والاهتمام بشؤون المسلمين، نعم الفقهاء يحكمون بكراهة الشعر في غير مرائي أهل البيت عليهم السلام في أيام هذا الشهر، وكلامهم هذا لا يشمل الليالي.