السؤال: ما هو منشأ التقسيم الخماسي المعهود لأصول الدين؟ وهل هذا التقسيم اجتهادي؟ ومن أوّل من اعتمد هذا المعنى؟ وهل صحيح ما ينقل من أنّ السيد الخميني يذهب إلى أنّ المعاد ليس من أصول الدين على نحو الاستقلال، على اعتبار أنّه من إخبارات النبيّ الأكرم؟ وإذا كان كذلك فهذا يجري على أصل العدل أيضاً، فلماذا هذا الترجيح؟ (عمّار، العراق).
الجواب: أولاً: التقسيم الخماسي لأصول الدين ليس سوى اجتهاد بشري في فهم النصوص الدينية من حيث دلالتها على ما هو المعيار في الانتماء للإسلام أو الخروج منه، تماماً كتقسيم بعضهم فروع الدين إلى عشرة، فإذا كان الباحث يرى أنّ نصوص الكتاب والسنّة تدلّ على أنّ معيار الانتماء للإسلام هو عبارة عن الشهادتين، فهذا معناه أنّ أصل التوحيد وأصل النبوّة هما أصول الدين فحسب، أو بحسب تعبير السيد محمّد باقر الصدر: أصل المرسِل وأصل الرسول وأصل الالتزام الإجمالي بالرسالة (بحوث في شرح العروة الوثقى 3: 291)، ولهذا يعتقد السيّد الخوئي ـ كما جاء في أبحاثه (التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الطهارة 2: 59) ـ بأنّ الإيمان بالمعاد عنصر مقوّم له موضوعيّة واستقلال في دخول الإنسان في الإسلام، وذلك انطلاقاً من فهمه لطبيعة النصوص الدينية التي تناولت في القرآن الكريم والسنّة الشريفة مسألة المعاد، على خلاف ما كان يراه السيد محمد باقر الصدر (بحوث في شرح العروة الوثقى 3: 292 ـ 293)، وهذا لا يعني أنّ المعاد ليس جزءاً من العقيدة الدينية الإسلاميّة عند السيد محمّد باقر الصدر مثلاً، بل يعني أنّه جزء عند من يؤمن به، لكن لو أنكره شخص معتقداً عدم ثبوته وعدم دلالة النصوص عليه ـ بحيث لم يكذّب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في رسالته ـ لم يخرج بذلك عن الانتماء للإسلام والعقيدة الدينية. وهكذا الحال في مسألة الإمامة، فإنّ هذه المسألة إذا بُني على كفر من لا يعتقد بالإمامة، كما ذهب إليه جمعٌ من متقدّمي علماء الإماميّة ومتأخريهم، فسوف تصبح الإمامة أصلاً دينياً، وإلا كانت أصلاً مذهبيّاً، بمعنى أنّها تشكّل معياراً للانتماء للمذهب الشيعي بحسب النصوص الدينيّة في هذا المذهب.
وهذا كلّه يؤكّد أنّ مسألة أصول الدين ـ من حيث عددها ونوعها ـ مسألةٌ اجتهاديّة بهذا المعنى، والحكم فيها هو موقف صاحب الدين نفسه أي الله سبحانه وتعالى، فإذا وجدنا في كلماته أو من يتكلّم باسمه أنّ من يقول بكذا فليس بمسلم، أصبح هذا القول كفراً، وعكسه أصلاً ومعياراً في الانتماء، وإذا وجدناه لا يقول هذا، صار إنكار هذا الشيء ـ ولو كان هذا الشيء في حدّ نفسه أمراً دينيّاً واقعاً ـ غير موجب للكفر وارتفاع الانتماء. فالمعتزلة مثلاً لم يدرج كثيرٌ منهم النبوّة في أصول الدين، معتبرين أنّها مندرجة في أصل العدل، في حين وجدناهم يدرجون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمنزلة بين المنزلتين والوعد والوعيد في أصول الدين، فيما ينكر هذا الإدراج سائر المسلمين. وهكذا الحال مع الأشاعرة، حيث حصر أكثرهم أصول الدين بالتوحيد والنبوّة، واختلفت الإماميّة فيما بينهم في عدد أصول الدين، فجعلها بعضهم ثلاثة: وهي التوحيد والنبوّة والمعاد، أو ثلاثة هي: الألوهيّة والتوحيد والنبوّة، فيما جعلها بعضهم خمسة بإضافة العدل والإمامة. ووضع العدل في أصول الدين هو ـ في تقديري ـ ناتج عن العناصر التاريخيّة التي تجلّت في أزمة الخلاف بين العدلية والأشاعرة عبر التاريخ، فامتازت الإمامية بالعدل عن الإشاعرة، لتقترب من المعتزلة.
وعليه، فإذا كنتم تقصدون من اجتهادية أصول الدين هذا المعنى فهو صحيح، أمّا إذا كنتم تقصدون أنّ أصول الدين هي اثنين مثلاً ولي الحقّ في إنكار الباقي كيفما أشاء فهذا ليس صحيحاً، إلا عند من ثبت لديه عدم وجود معتقد آخر غير هذين الاثنين، فليلاحظ هذا الأمر جيّداً.
ثانياً: إنّ ظهور فكرة أصول الدين هو أمر طبيعي تلقائي في صيرورة المعرفة الدينية، فإنّ الأمور التي يأتي بها الأنبياء ـ تماماً كأيّ شخصيات أخر ذات مشاريع كبرى في الحياة الإنسانيّة ـ تنقسم، بعد ملاحظتها، إلى ما هو عنصر رئيس وجوهري ولا يستغنى عنه، وإلى عناصر من الدرجة الثانية، وهنا عندما تحصل الانقسامات بين أتباع الدين الواحد، ولا سيما عندما تظهر ثقافة التكفير والتبديع، يصار إلى تحليل العناصر الأصلية في الدين والعناصر الفرعية، فتظهر بشكل تدريجي تقسيمات وتنويعات للقضايا الدينية التي أتى بها الأنبياء، فنقسّمها مثلاً إلى أحكام وعقائد وأخلاق، وقد تجد من يقسّمها إلى جوهر الدين وقشوره، وقد تجد من يقسّمها إلى أصول الدين وفروعه، وهكذا، فالسبب في ظهور هذه الفكرة والاختلاف حول أصول الدين هو سبب تاريخي تلقائي وطبيعي في صيرورة الوعي الديني.
ثالثاً: إنّ السيد الخميني يذهب ـ ثبوتاً ـ إلى أنّ أصول الدين ثلاثة، وهي: الألوهيّة والتوحيد والنبوّة (انظر له: كتاب الطهارة 3: 445)، ومن ثمّ لا يصحّ الإشكال عليه بانّه لماذا رجّح العدل على المعاد؛ لأنّه أيضاً لم يجعل العدل من أصول الدين، والسبب في إخراج العدل من أصول الدين، أنّه لا ميزة للعدل من بين الصفات الإلهيّة إلا قدرته على إثبات مقولات أخَر في الاعتقادات كالنبوّة والإمامة والمعاد وغيرها، ومجرّد أنّ فكرةً ما لها دور رئيس في إثبات اعتقادٍ ما لا يجعل هذه الفكرة نفسها أصلاً اعتقادياً، وإلا لزم أن نجعل قواعد علم المنطق من أصول الدين؛ لأنّ عليها تنبني الاستدلالات العقديّة، وهذا واضح الفساد.
رابعاً: إنّ مسألة أصول الدين لا ترتبط ـ في حدّ نفسها ـ بالجانب الاعتقادي فقط، بل تستوعب من الناحية الأوليّة الجانب العملي، فلو دلّت النصوص الدينية على أنّ من يترك الواجب الفلاني فهو خارج عن الانتماء للدين الإسلامي، صار هذا الفعل من أصول الدين، ففكرة أصول الدين وإن التصقت تاريخياً بالبعد العقدي، إلا أنّ هذا الالتصاق ليس بنيويّاً وذاتيّاً، وربما لهذا نجد بعض الاتجاهات الفكريّة عند بعض المسلمين تميل للتكفير بترك واجبٍ من الواجبات حتى مع الاعتقاد بكلّ المعتقدات الدينية.