السؤال: يؤخذ على الشيعة اليوم أنّهم يحاولون أن يختلفوا عن سائر المسلمين في كلّ شيء، ويذكرون مثالاً على ذلك، وهو أنّ المسلمين يقولون في ختام قراءة القرآن: (صدق الله العظيم)، بينما يقول الشيعة: (صدق الله العليّ العظيم)، فمن أين جاءت (صدق الله العلي العظيم)؟ وهل صحيح أنّ المراد بكلمة (العليّ) فيها هو الإمام علي عليه السلام، ولذلك اعتمدها الشيعة اليوم؟ (مهدي، الكويت).
الجواب: ورد في الحديث الذي نقله الشيخ النمازي المتوفى عام 1405هـ (مستدرك سفينة البحار 8: 485) عن مسائل عبد الله بن سلام، قال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله ـ: فأخبرني ما ابتداء القرآن وما ختمه؟ قال: (يا ابن سلام، ابتداؤه بسم الله الرحمن الرحيم، وختمه صدق الله العليّ العظيم). والمصدر الأقدم المتوفّر بين أيدينا اليوم لهذه الرواية هو كتاب بحار الأنوار (ج57: 243) للعلامة المجلسي (1111هـ)، لكن بمراجعة كتاب البحار الذي ينقل عنه النمازي نفسه، نجد أنّ كلمة (العليّ) قد وضعت بين معقوفتين، مما يشير إلى أنّها ليست من الأصل ولو على بعض النسخ، وأصل الحديث الوارد في بحار الأنوار طويل، ومطلعه النصّ التالي للعلامة المجلسي، حيث يقول: (أقول: وجدت في بعض الكتب القديمة هذه الرواية، فأوردتها بلفظها، ووجدتها أيضاً في كتاب "ذكر الأقاليم والبلدان والجبال والأنهار والأشجار" مع اختلاف يسير في المضمون، وتباين كثير في الألفاظ، أشرت إلى بعضها في سياق الرواية، وهي هذه: مسائل عبد الله بن سلام، وكان اسمه "اسماويل" فسمّاه النبي صلى الله عليه وآله عبد الله، عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: لما بعث النبي صلى الله عليه وآله أمر علياً أن يكتب كتاباً إلى الكفار، وإلى النصارى وإلى اليهود، فكتب كتاباً أملاه جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله، فكتب…) (بحار الأنوار 57: 241)، والحديث كما أشرنا طويل، وهو بهذه الطريقة يكون قد عثر عليه المجلسي بطريق الوجادة، بحسب اصطلاح علماء الحديث، فالمجلسي رأى الكتاب في مكان ما ولا ندري كيف حصل عليه، وهل النسخة التي حصل عليها موثوقة أم لا؟ ثم قام بنقل هذا النصّ من الكتاب، وبهذه الطريقة التي يصرّح بها هو نفسه، ومن ثم فليس للمجلسي طريق لهذا المصدر أو لا أقلّ لم يتبيّن لنا أنّ له طريقاً معتبراً يعود إلى عبد الله بن سلام الذي يرجع إلى القرن الأوّل الهجري وبين المجلسي وبينه عشرة قرون، فمن الصعب للغاية الاعتماد على حديث من هذا النوع وبهذه الطريقة، ما لم يبنَ على قاعدة التسامح وشمولها لمثل هذه الروايات. هذا وقد جاء في بعض المرويّات أنّ المسلمين قالوا هذه الجملة (صدق الله العلي العظيم) في معركة الأحزاب، دون ارتباطها بذكر القرآن الكريم وختم التلاوة بها. ويقول الشيخ النراقي (1209هـ) في (جامع السعادات) عند بيانه آداب التلاوة القرآنية ما نصّه: (وافتتاح القراءة بقوله: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وأن يقول عند الفراغ من كلّ سورة: صدق الله العليّ العظيم وبلغ رسوله الكريم، اللهم انفعنا به وبارك لنا فيه، والحمد لله ربّ العالمين). (جامع السعادات 3: 294). لكنّ النراقي لا يبيّن لنا مستنده في هذا النصّ الخاصّ لختم التلاوة القرآنيّة. وبناءً على هذا كلّه، لا يمكن إثبات استحباب ختم التلاوة القرآنية بهذه الجملة بعينها شرعاً.
بل إنّ المتتبّع في النصوص يجد أنّ جملة (صدق الله العظيم) وردت في مصادر أقدم نسبيّاً من المصادر التي وردت فيها جملة (صدق الله العليّ العظيم)، فقد أورد الشيخ الطوسي (460هـ) في مصباح المتهجّد (ص807)، ومثله الكفعمي في المصباح (531)، في أعمال أمّ داوود، النصَّ التالي: (يستحبّ أن يدعو بدعاء أمّ داود: وإذا أراد ذلك فليصم اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، فإذا كان عند الزوال اغتسل، فإذا زالت الشمس صلّى الظهر والعصر يحسن ركوعهنّ وسجودهنّ، ويكون في موضعٍ خال لا يشغله شاغل ولا يكلّمه إنسان، فإذا فرغ من الصلاة استقبل القبلة، وقرأ الحمد مائة مرة، وسورة الإخلاص مائة مرة، وآية الكرسي عشر مرات، ثم يقرأ بعد ذلك سورة الأنعام، وبني إسرائيل، والكهف، ولقمان، ويس، والصافات، وحم السجدة، وحم عسق، وحم الدخان، والفتح، والواقعة، والملك، ون، وإذا السماء انشقّت وما بعدها إلى آخر القرآن، فإذا فرغ من ذلك قال ـ وهو مستقبل القبلة ـ: صدق الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيّ القيوم ذو الجلال والإكرام الرحمن الرحيم الحليم الكريم الذي ليس كمثله شيء وهو السميع العليم البصير الخبير). لكنّ هذا النصّ ـ لو لم يكن له صيغة أخرى ـ لا يثبت أيضاً استحباب قول (صدق الله العظيم) بخصوصه بعد الانتهاء من قراءة القرآن الكريم، فهو ـ لو صحّ سنداً ـ لا يثبت أكثر من استحباب هذه الجملة في أعمال أمّ داوود فقط، وليس فيه عموم أو إطلاق يشمل سائر موارد تلاوة الكتاب العزيز.
وعليه، فليس بأيدينا نصوص قرآنية أو نبويّة أو غيرها تثبت صيغةً خاصّة للتصديق بعد تلاوة الكتاب الكريم، فيمكن للإنسان أن يقول الصيغتين المشار إليهما في السؤال، بلا فرق بين الأولى والثانية، نعم إذا التزم شخص بضرورة التمايز ـ مهما أمكن ـ عن أهل السنّة، صارت صيغة (العلي العظيم) أرجح، ومع ذلك لا بنفسها، بل لكونها أحد مظاهر التمايز، فلو قال (العلي القدير) فقد تحقّق هذا التمايز أيضاً، أمّا لو قال شخص بأنّه ليس لدينا مبدأ من هذا النوع يفرض الحثّ على التمايز كلّما أمكن ما لم يقم دليل خاصّ على هذا التمايز، كما هو الأرجح على ما بحثناه في محلّه، فقد لا يكون من المناسب الدخول في مزيد من تشظّي حال المسلمين لو كانت صيغة (صدق الله العظيم) هي الصيغة الرائجة في المرحلة السابقة، ما لم تقدّم تبريرات عقلانية أو شرعيّة لذلك.
وأمّا الحديث عن أنّ الشيعة يقولون هذه الصيغة انطلاقاً من قصدهم بكلمة (العلي) الإمامَ عليّاً عليه السلام، فهذا ما لم يثبت من مصادرهم، ولا من علمائهم ومرجعيّاتهم، بل هي قضيّة توصيف الله تعالى بالعلوّ والعظمة، كما جاء هذا التوصيف عينه في آخر آية الكرسي وغيرها في القرآن الكريم، وإن كان التعبير بـ (العلي الكبير) أكثر وروداً في كتاب الله تعالى.