السؤال: جاء في قوله تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) (النجم: 31 ـ 32)، وحينما اطّلعت على بعض الآراء وجدتها تقول بأنّ أغلب الفقهاء يقولون بأنّ اللمم هو كلّ شيء دون الزنى، فما هو اللمم وفق حقيقة ما جاءت به الشريعة؟ وهل يعني ذلك أنّ ما هو أقلّ من الزنا سيكون مغفوراً معفوّاً عنه؟ (أ. لبنان).
الجواب: اللمم من اللمّ وهو جمع الشيء، ويطلق أيضاًَ على الاقتراب منه، والمرجعيّة هنا ليس كلمات الفقهاء والمفسّرين، وإنّما اللغة وسياقات النصّ القرآني، حيث يقال: لممُ الشيطان أي مسُّه للإنسان واقترابه منه، منهنا وجدنا من فسّر الآية بالصغائر، لكونها تعدّ اقتراباً من الفواحش، ووجدنا من فسّرها بما يصدر من الإنسان بين الفينة والأخرى من سقطاتٍ وهفوات، كونه غير معصوم؛ لأنّ ذلك يصدق عليه أنّه اقترابٌ من الفواحش. والعبرة هنا بالاستثناء (إلا اللمم)، فإنه إذا كان استثناءً منقطعاً أمكن تفسير الآية بمثل هذه التفاسير، وإذا كان استثناءً متصلاً صار اللمم جزءاً من الفواحش والكبائر. وأماتفسير اللمم بأنّه الزنا أو أنّه كلّ شيء غير الزنا، فهي اجتهادات لا تستند إلى اللغة؛ لأنّ الزنا أو غيره لا يطلق عليهما بالخصوص أنّهما لممٌ في لغةالعرب.
ولعلّه يمكن تفسير الآية الكريمة بأن نرجعها إلى النازل، بمعنى نقول: ألمّ به المرض أي نزل به، فكأنّها تريد أن تقول بأنّ هؤلاء يجتنبون الكبائر والفواحش لكنهم لا يجتنبون فيالعادة ما ينزل بهم من معاصي نتيجة بعض الظروف التي تجعلهم يقتربون منالفاحشة؛ لأنّهم غير معصومين، فقد ينظر نظر شهوة في وضعٍ ما نتيجة ضغط معيّن، لكنّعادته اجتناب هذه المعاصي، وقد يرتكب الغيبة في حقّ إنسانٍ نتيجة انجرافه مع جوّ اجتماعي معيّن تكثر فيه الغيبة، لكنّه لا يقيم على معصيته بل يفارقها، فهذا المعنى ربما يكون قريباً لغويّاً أيضاً في تفسير الآية الكريمة، ومنسجماً كذلك مع الروح القرآنيّة ومع واقع التجربة البشرية. ونستنتجمنه أنّ الحرام كلّه حرام، لكنّ الآية تريد أن تشرح واقع تجربة الإنسانالمؤمن وتتفهّم وضعه وحاله من حيث إنّه يترك الفواحش، لكنّه قد يقع في اللمم،من حيث لا يريد، فيسقط أمام ضغط الشيطان، ويبدو أنّ الله يشير في هذه الآية الكريمة إلى أنّ مثل هذه السقطات العابرة يمكن أن ينظر اليها الله بروح الرحمة مادام الإنسان متجنّباً للفواحش والكبائر وعازماً ومستمرّاً في تركها، لا بمعنى أنّهيجوز لنا فعل الحرام بين الفينة والأخرى، بل بمعنى أنّه لو صدر نتيجة وضعما فإنّ الله يمكن أن يتخطّاه ويغفره، فهذا أشبه شيء بما يقال في القانونالجنائي من ارتكاب الجناية عن سبق إصرار وترصّد أو ارتكابها دون ذلك.