السؤال: ما هو الفرق بين الوطن الاتخاذي المستجد والوطن الشرعي، فهناك نصّان للسيد الخوئي في هذا الإطار أرجو توضيح الفرق بينهما:
النص الأول: (الوطن والمراد به المكان الذي يتخذه الإنسان مقراً له على الدوام لو خلّي ونفسه، بحيث إذا لم يعرض ما يقتضي الخروج منه لم يخرج، سواء كان مسقط رأسه أو استجدّه، ولا يعتبر فيه أن يكون له فيه ملك، ولا أن يكون قد أقام فيه ستة أشهر) (الخوئي، منهاج الصالحين الجزء الأوّل، قواطع السفر صفحة 248). وهذا ما لا إشكال فيه لصدق الوطن عليه الذي هو موضوع وجوب التمام، وقد أشارت إليه جملة من النصوص كما فيما رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام أنه قال: كلّ منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير. (الوسائل باب 14 من أبواب صلاة المسافر حديث1)، ومثله ما رواه إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يسافر من أرض إلى أرض وإنما ينزل قراه وضيعته قال: إذا نزلت قراك وأرضك فأتمّ الصلاة، وإذا كنت في غير أرضك فقصّر. (الوسائل باب 14 من أبواب صلاة المسافر حديث3).
النص الثاني للسيد الخوئي: (الظاهر جريان أحكام الوطن على الوطن الشرعي، وهو المكان الذي يملك فيه الإنسان منزلاً قد استوطنه ستة أشهر، بأن أقام فيها ستة أشهر عن قصد ونيّة، فيتمّ الصلاة فيه كلّما دخله) (منهاج الصالحين، الجزء الأوّل، قواطع السفر صفحة 523). والظاهر أنّ الدليل عليه حديث محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يقصّر في ضيعته فقال: لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيام، إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه فقلت: ما الاستيطان؟ فقال: أن يكون فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر، فإذا كان كذلك يتمّ فيها متى دخلها.
السؤال مولانا هو حول الفرق بين النصّين حيث لم يشترط السيد الخوئي في النصّ الأوّل فيما يخصّ الوطن الاتخاذي المستجدّ وجود ملك ولا إقامة ستة أشهر، بينما أشار في النصّ الثاني إلى مسألة الملك ومسألة الإقامة ستة أشهر، فما الفرق؟
الجواب: ليس هناك تنافٍ بين النصّين بحسب فهمي القاصر، ففي الأول يكون معنى الوطن هو المكان الذي يحصل قصدٌ لجعله وطناً، بحيث يُقصد الاستقرار فيه على الدوام على أساس أنّه لو خُلّي فلن يتركه، فأنت الآن تتجه إلى بيروت لتستأجر منزلاً وتقصد منذ اليوم الأوّل لنزولك إلى بيروت أن تستقرّ في هذه المدينة ويكون استقرارك إلى الأبد، بحيث تقول في نفسك وتستقرّ على ذلك نيّتُك بأنّني لن أخرج من التوطّن في بيروت (والتي هي ليست مسقط رأسي ولا منزل أجدادي) إلا إذا طرأ طارئ قهريّ يفرض عليّ ذلك، وهذا الطارئ القهري لا يظهر الآن في حدود أفقي المستقبلي، فبيروت هنا وطنٌ مستجدّ، وقد أخذت وطنيّتها لا من وجود ملك فيها، ولا من استقرارك فيها ستة أشهر، فأنت لم تنزل فيها حتى الآن إلا لخمسة أشهر مثلاً، بل لوجود قصد التوطّن الدوامي فيها بحيث لن يعرض عنها إلا بظرف قاهر، مع قيد ذكره السيد الخوئي بعد ذلك (ولم يقبل به بعض الفقهاء) وهو تحقّق التوطن مدّةً قد تكون أقلّ من ستة أشهر وقد تزيد، بحيث يصدق معها ـ إلى جانب نيّة التوطن الدوامي ـ أنّك صرت من أبناء بيروت، بمعنى من سكّانها المستقرّين فيها على الدوام، بحيث لن يتركوها.
أمّا النص الثاني، فهو الوطن الشرعي، وفي هذا الوطن أنت لا تقوم بقصد التوطّن الدوامي والاستقرار في بيروت، بل كلّ ما في الأمر أنّك اشتريت منزلاً هناك، وسكنت فيه لمدّة ستة أشهر، فهذا ليس وطناً عرفاً حيث لا وجود لقصد التوطّن، لكنّه وطنٌ شرعاً تجري عليه أحكامه مادام هذا المنزل الملكي موجوداً. فالنسبة في الحقيقة بين الوطن الشرعي والعرفي أنّ الوطن العرفي أخذ فيه نيّة الدوام أو قيّد بكونه مسقط رأسه وأسرته، وهذا التقييد ـ أعني الدوام (ويسمّيه بعضهم الوطن الدائم)، أو كونه مسقط رأسه وموطن أسرته (ويسمّيه بعضهم الوطن الأصلي) ـ غير موجود في الوطن الشرعي، والموجود في الوطن الشرعي هو تقييد آخر غير موجود بدوره في الوطن العرفي، وهو وجود مِلك مع فعليّة استقراره لمدّة ستة أشهر متواصلة، وهذان القيدان لا يشترطان في الوطن العرفي فقد يكون لك مكان تستأجره بقصد الإقامة الدائمة فيه، ولا ملك، وقد تكون النية منعقدة على التوطّن في هذا المكان فتسكن فيه خمسة أشهر فقط فيصدق عنوان التوطّن، فبين الوطنين تمايزٌ من هذه النواحي.
كما أنّ الوطن الاتخاذي أو المستجد يمكن فيه الإعراض، ويكون مؤثراً في سقوط الوطنية والتمام، بينما الوطن الشرعي يبقى محكوماً بالوطنية ولو أعرض عنه ما دام ملكه ما يزال فيه، وهذه نقطة امتياز أخرى أيضاً. كما أنّ الوطن الاتخاذي يشترط فيه قصد التوطّن الدائم كي يصبح وطناً بينما الوطن الشرعي عند السيد الخوئي لا يشترط فيه قصد التوطّن الدائم، بل يكفي فيه قصد الاستقرار لستة أشهر فقط، ويتحقّق فعلاً هذا الاستقرار الكائن في ملكه.
وخلاصة القول هي أنّ الفرق بين الوطنين من نواحٍ:
1 ـ في الوطن الاتخاذي أو المستجدّ يشترط قصد التوطّن الدائم، ولا يشترط ذلك في الوطن الشرعي.
2 ـ في الوطن الاتخاذي تسقط الوطنية بالإعراض، ولا تسقط في الوطن الشرعي بمجرّد هذا الإعراض.
3 ـ في الوطن الاتخاذي لا يشترط وجود ملك للمستوطن، بل يكفي ولو الاستئجار، بينما في الوطن الشرعي يشترط الملك، فلو زال الملك زالت الوطنيّة الشرعية.
4 ـ في الوطن الاتخاذي لا يشترط ـ بعد قصد التوطّن ـ إلا صدق التوطّن الفعلي (على رأي مثل السيد الخوئي) وليس هناك مدّة زمنية لذلك بل تتبع العرف، أمّا في الوطن الشرعي فلابدّ من ستة أشهر متواصلة لتترتب أحكامه عليه.