السؤال: كثيراً ما نقرأ في كتب الفلاسفة عبارة: (النتيجة تتبع أخسّ المقدّمات)، فما هو الدليل العقلي على هذا المدّعى؟ (عمار، العراق).
الجواب: لأنّ المنهج العقلي في منطق أرسطو يرى أنّ الطريقة الصحيحة للاستنتاج هي النزول من العام إلى الخاصّ، بعكس طرائق الاستقرائيّين الذين يتحرّكون من الخاصّ إلى العام، فأنت في الاستقراء تتابع بعض الظواهر (الملاحظة)، أو تقوم بإجراء بعض الاختبارات (التجربة)، وعندما تلاحظ في الحالتين (التجربة أو الملاحظة) أنّ (أ) عندما كانت توجد كانت (ب) توجد وراءها، فإنّك تعمّم الأمور، وتقول: (كلّما) وجدت (أ) وجدت (ب)، وهذه قفزة من الخاصّ والجزئي والمفرد إلى العام والكلّي والقاعدة، وهنا يعيب المنطق الأرسطي بأنّ هذه الطريقة لا يمكن أن تولد لنا اليقين؛ لأنّه لا يوجد مبرّر منطقي موضوعي يسمح بالقفز من الخاص إلى العام ما دام أنّ هناك احتمالاً في أنّ الأفراد التي اختبرناها صادف أنّ (ب) فيها أعقبت وجود (أ). ولهذا يقول المناطقة الأرسطيون هنا بأنّ الاستقراء يحتاج ـ لكي يُنتج ـ إلى قياسٍ خفي، ويقولون بأنّه عندما تتبلور عناصر هذا القياس، يتحوّل الاستقراء إلى (تجربة) بالاصطلاح المنطقي، لا باصطلاح العلم الحديث، وهناك فقط يمكن الخروج بنتيجة، ولهذا من الخطأ القول بأنّ الفلاسفة العقليين كانوا لا يؤمنون بالتجربة بما لها من معنى في العلم الحديث وأنّهم كانوا ضدّ العلوم الطبيعية، بل هم كانوا يؤمنون بها غير أنّهم كانوا يرون أنّ التجارب تحتاج لقياس خفي كي تُنتج، وقد ذكروه في أبحاثهم، وكفى بابن سينا شاهداً على اهتمامهم بالعلوم الطبيعية من الطبّ وغيره. إذن، فالأرسطيون يرون طريقة الاستدلال الموصلة لليقين هي السير من العام إلى الخاص، فأنت تعلم مسبقاً أنّ كلّ إنسان فانٍ، وهنا تقول: محمدٌ إنسان، ثم تضيف القاعدة العامّة التي تشكّل بالاصطلاح المنطقي ما يسمّى بكبرى القياس، فتقول: وكلّ إنسان فان، وهنا تخرج بالنتيجة، وهي أنّ محمّداً فان، ففي هذه العملية المسمّاة بالقياس، أنت تأخذ قاعدة مسبقة وهي فناء كلّ إنسان، ثم تطبّق هذه القاعدة على هذا الإنسان أو ذاك الإنسان، فتخرج بنتيجة تتعلّق بهذا وذاك.
إذا فهمنا هذا الأمر، نعرف لماذا تكون النتيجة في المنطق الأرسطي تابعةً لأخسّ المقدّمات؛ لأنّ أخسّ المقدّمات تؤثر في النتيجة، فلو كانت هناك مقدّمة جزئيّة فلا يمكن أن تكتسب نتيجةً أوسع منها؛ لأنّ هذا معناه القفز من الخاصّ إلى العام، ومن الضيّق الدائرة إلى الأوسع دائرةً، ومن الأضعف لوناً إلى الأقوى لوناً، فتبعيّة النتيجة للمقدّمات من هذه الناحية مردّه إلى النظام البنيوي للمنطق الأرسطي، ولهذا أنت عندما قلت: محمد إنسان، وكلّ إنسان فان، فلا تستطيع أن تقول: محمد وسعيد فان؛ لأنّ هذه النتيجة ولو كانت في نفسها صحيحة، لكنّها بالنسبة لمقدّمات هذا القياس تشكّل قفزةً من محمّد إلى ما هو أوسع منه دائرةً، ولهذا أيضاً لا تستطيع أن تقول (من خلال هذا القياس بعينه): الحيوان فان؛ لأنّ هذه النتيجة أوسع من الصغرى والكبرى معاً في هذا القياس؛ فعقليّة القياس هي عقليّة السير من الأوسع إلى الأضيق، وهي لا تتناسب أبداً مع عقليّة اتّباع أقوى المقدّمات. وبناءً عليه، فمن يريد أن يسجّل نقداً على هذه القاعدة في المنطق الأرسطي عليه الذهاب نحو قضيّة القياس والاستقراء، فإذا أثبت أنّ الاستقراء يوصل إلى يقين من دون حاجة لقياس خفي، فتكون هذه القاعدة عنده قد انهارت بهذا المعنى لها. أرجو أن أكون قد تمكّنت من تبسيط الموضوع لكم.