• الرئيسية
  • السيرة الذاتية
  • الكتب والمؤلفات
  • المحاضرات والدروس
  • المقالات
  • الحوارات واللقاءات
  • المرئيات
  • الأسئلة والأجوبة
  • لغات اُخرى
  • تطبيق مؤلفات حب الله
  • آراء
الموقع الرسمي لحيدر حب الله
الاجتماعية والأخلاقية التاريخ والسيرة الفقهية والشرعية الفكرية والثقافية الفلسفية والكلامية القرآنية والحديثية
# العنوان تاريخ النشر التعليقات الزائرين
168 ما هو الدليل على لزوم تسليم الخمس للفقيه أو المرجع؟ 2014-05-12 0 2906

ما هو الدليل على لزوم تسليم الخمس للفقيه أو المرجع؟

السؤال: نحييکم من جمهوريّة آذربيجان، عندي سؤال فيما يرتبط بمسألة إعطاء الخمس لخصوص المرجع الديني فقط، والسؤال هو: ما هو الدليل المتقن والمقنع الذي يثبت أنّه يجب علينا أن نعطي الخمس للمرجعية وأن لا نصرفه بأنفسنا في موارده المشروعة؟ وما هو المانع أمامنا؟ (emin imani، جمهوريّة آذربايجان).

 

الجواب: وقع جدل فقهي إمامي في تشخيص الوظيفة فيما يرتبط بالخمس ومصرفه في زمان غيبة الإمام المهدي من حيث ارتباطه بالحاكم الشرعي أو حريّة المكلّف في التصرّف فيه في مصارفه الشرعيّة، وقد تأثرت الآراء الفقهيّة في تحديد الوظيفة بجملة من النظريّات الفقهيّة العامة في موضوع الخمس كما سنلاحظ، ومن هنا فسوف نتجاهل تقريباً أيّة عملية تقويم لتلك النظريات العامّة، ونقتصر على إيراد النتائج الممكن ترتّبها على كلٍّ منها، وسوف يكون دوري هنا فقط هو توضيح النظريات ونتائجها وشرحها والتمييز بينها والتعليق أحياناً على بعضها وتفكيك نتائجها، باختصار شديد؛ ليتضح لكم المشهد في هذه القضيّة.

 
الاتجاهات الفقهيّة في مصير الخمس في عصر الغيبة

ومن أبرز تلك النظريات العامّة التي تترك تأثيراً مهماً في خارطة البحث هنا، هو أنّ الخمس هل يصحّ تقسيمه إلى سهم إمام وسهم بني هاشم أم أنّه ضريبة مقرّرة بكاملها للإمام، وهو بدوره يصرفه في مصارفه، وربما منها بنو هاشم..؟ لأنّه على الافتراض الأوّل لا بدّ من فرز البحث في مقامين، أمّا على الافتراض الثاني فلا مبرّر له، ونحن هنا نحاول دراسة البحث في خصوص سهم الإمام باختصار بالغ وتلخيص موضح إن شاء الله، وتكون النتيجة هنا صالحةً لأن تكون نتيجةً للبحث كلّه على الافتراض الثاني.

وقد قدّمت وجهات نظر متعدّدة هنا فيما يمكن أن نسمّيه مصيرَ الخمس في عصر الغيبة أبرزها:

 
1 ـ اتجاه تحليل الخمس وإسقاطه في عصر الغيبة

يذهب بعض العلماء إلى القول بتحليل الخمس للشيعي، بمعنى سقوطه عنه في عصر الغيبة، لا بالمعاني الأخَر، وهذا القول عمّمه بعضهم لسهمي الإمام وبني هاشم معاً، كما نسبه العلامة الحلي في المختلف إلى سلار، وفي الحدائق إلى الفاضل الخراساني وشيخه البحراني، وبعضهم الآخر خصّص سقوط الخمس في عصر الغيبة بسهم الإمام، كما هو ظاهر المدارك والكاشاني، واستقربه في الحدائق، وبعضٌ ثالث حصره ـ بقطع النظر عن السهمين ـ بأرباح المكاسب، كما في المنتقى على ما نقل عنه.

ولسنا هنا بصدد تحقيق هذا المطلب الموسّع والمهم، فإنّ له مكاناً آخر، لكنّنا سنبني على عدم التحليل وفاقاً للمعروف فقهيّاً اليوم، إذ على التحليل بهذا المعنى له لن يكون هناك خمسٌ واجب لكي يتمّ إخراجه، ومن ثم لا معنى للحديث عن ضرورة تسليم الخمس للحاكم الشرعي.

 
2 ـ اتجاه دفن الخمس في الأرض

تقول وجهة النظر الثانية هنا بوجوب دفن الخمس إمّا كلا سهمي الإمام وبني هاشم، أو خصوص سهم الإمام فقط، كما نقل الأوّل عن المقنعة والنهاية عن بعض الأصحاب، والمنتهى أيضاً، على ما ذكره في الحدائق والمستمسك والمستند.

وقد استدلّ لهذا القول بأنّ هذا السهم مالٌ للإمام يجب إيصاله إليه، ولا يجوز التصرّف به بمقتضى القواعد العامّة الشرعيّة الجارية في كلّ مال، والمفروض تعذّر الإيصال؛ لأنّه غائب، فلا مناص عن وجوب حفظه له إلى زمانٍ يمكن إيصاله فيه إليه، وحيث إنّ الدفن أحفظ من غيره من جهة، وقد روي أنّ الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الإمام وأنّه إذا قام دلّه الله على الكنوز فيأخذها من كلّ مكان من جهة ثانية، فينتج لزوم دفنه، ومن ثم لا يعطى الخمس على هذه النظريّة للحاكم ولا لغيره.

وقد نوقشت هذه النظريّة أولاً: إنّ ذلك تضييعٌ للمال عرفاً؛ فإنّ دفن هذه الأموال الهائلة في الأرض يجعلها بحكم التالف عرفاً، بل هي تالفة حقيقة إذا كانت مثل الأوراق النقديّة أو السلع في عصرنا، ومعه كيف يمكن تصوّر الأمر بلزوم إتلاف المال العظيم بلا دليلٍ خاص في المقام، حتى لو فرضنا أنّ هذه الكنوز ستخرج للمهدي؟ أفهل يتصوّر فقيه أن يحكم بجواز أن يتصدّق الإنسان بملايين النقود للإمام فيدفنها في الأرض في غير حالة الخمس؟! وقد أشار إلى روح هذه المناقشة السيد الخوئي .

ثانياً: إنّ هذا الكلام ربما يتمّ على تقدير العلم بعدم رضاه× في غيره، أمّا لو أحرزنا أنّه يرضى بصرف هذه الأموال على شؤون الدين والفقراء وغيرهما، وبنينا ـ كما سوف يأتي بيانه ـ على كفاية ذلك في التصرّف أو تمّمنا أيّ وجهٍ من الوجوه الأخرى في المسألة، فلا يعود هناك أيّ مبرّر للأخذ بهذا الرأي. وقد أشار إلى هذه المناقشة كلّ من: السيد الخوئي والسيد محسن الحكيم وأستاذنا السيد محمود الهاشمي.

هذا كلّه مضافاً إلى مناقشةٍ ذكرها السيد محسن الحكيم أبدى فيها عدم إمكانيّة الاعتماد على مثل هذه الرواية في تحقيق مطلب كهذا، وربما يكون مرجع كلامه إلى أنّها ضعيفة سنداً أو أنّ مطلباً خطيراً كهذا لا يمكن تتميمه بنصّ يلوح منه المدلول ولا يظهر.

 
3 ـ اتجاه عزل الخمس والوصية به جيلاً بعد جيل

ترى وجهة النظر الثالثة هنا ضرورة عزل السهمين أو سهم الإمام خاصّة، والوصيّة به من ثقةٍ لآخر إلى زمن الظهور، وقد اختار هذا الرأي الشيخُ المفيد في المقنعة، وهو المنقول عن الحلبي والقاضي والحلي، ونسب إلى السيد في المسائل الحائريّة، واستحسنه العلامة الحلي في المنتهى بعد نسبته إلى جمهور الأصحاب، كما ذكر ذلك في المستمسك، وذهب إلى حفظ خصوص سهم الإمام× العلامة الحلي في المختلف، كما نسب ذلك إلى من تقدّم ذكرهم في كتاب الخمس للشيخ المنتظري.

وإذا صحّت وجهة النظر هذه فلا يسلّم الخمس بناءً عليها للحاكم ولا للمرجع ولا لأمثالهما، إلا بوصفهم ثقاتاً فلا يتصرفون به بل يحفظونه ويوصون به إلى ثقة آخر بعد موتهم.

وقد استدلّ لهذا الراي بالقواعد المعوّل عليها في معلوم المالك، من أنّه مالٌ للآخر نعرف صاحبه (وهو هنا الإمام) ولم يرسم لنا وظيفةً مقرّرة فيه، فيلزم حفظه، كما أنّه طريق الاحتياط. ويلوح هذا الدليل من المفيد في المقنعة على ما نقله صاحب الحدائق.

وقد نوقشت وجهة النظر هذه بالمناقشتين المتقدّمتين في الرأي المتقدّم فلا نطيل.

 
4 ـ اتجاه صرف سهم الإمام في بني هاشم

يرى أنصار هذا القول بأنّه لابدّ من صرف سهم الإمام في عصر الغيبة في سهم السادة تتميماً لهم، وفي بعض الكلمات ـ كما في المستمسك ومستند النراقي ـ صرفه على الفقراء والمحاويج من السادة، وبهذه الطريقة يصبح السهمان في عصر الغيبة سهماً واحداً وهو سهم السادة، ولا يعطى منه سائر المسلمين، وعلى هذا الرأي لا موجب لتسليمه للحاكم الشرعي ولا لمرجع التقليد.

وقد استقرب هذا الرأي العلامة الحلي في المختلف كما قيل، ونقله عن جملة من علمائنا، وهو اختيار المحقّق الحلي في الشرائع، والشيخ علي في حاشيته، وجعله في الحدائق المشهور بين المتأخّرين، ناقلاً ذلك عن الشهيد في الروضة، وأيضاً هو اختيار المفيد في الرسالة العزية وابن فهد في المهذب، كما ذهب إليه الحرّ العاملي مع إضافات تأتي، وعن المنتهى أنّه جيّد كما ذكره في المستمسك.

واستدلّ له أولاً: بما ذكره العلامة الحلي في المختلف من التمسّك بقياس الأولويّة، حيث جاء في بعض النصوص أنّهم عليهم السلام أباحوا للشيعة حال حضورهم منه، فبالأولى إباحتهم لأنسابهم مع الحاجة حال غيبتهم؛ لكونه مستغنياً وهم محتاجون.

وفيه: أنّه على أبعد تقدير يحرز بهذا الوجه رضاهم بصرف بعض سهمهم عليهم السلام في احتياجات السادة، أما أنّه يوجب تخصيصه بهم أو تقديمهم ولو مع اشتمال الآخرين على خصائص علميّة أو دينية مرجّحة فهذا غير معلوم ولا تفيده الأولوية المدّعاة.

ثانياً: التمسّك بما دلّ على أنّ على الإمام أن يتمّ لهم من نصيبه مع فرض قصور حصّتهم عن كفايتهم، حيث إنّ ثبوت هذا التشريع حال ظهور الإمام يقتضي ثبوته حال غيبته، فإنّ الحقوق الواجبة لا تكاد تسقط بغياب من عليه الحقّ.

ومرجّع هذا الوجه إلى أدلّة أصل هذا الحكم، وليس إلا خبري: حماد وأحمد بن محمد (الوسائل، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، باب3، ح1، 2). وأهمّ ما يناقش فيه هذا الحكم أمور:

أوّلها: أنّ الخبرين ضعيفا السند بالإرسال فيهما، فلا يعتمد عليهما في الأحكام الشرعية.

ثانيها: ما ذكره غير واحد من أنّ ظاهر الخبرين إنّما هو حالة بسط يد الإمام؛ لأنها تشير إلى ضرورة إعطائه لهم في حال أعوزهم في مقابل أخذه من حقّهم في حال فضل عنهم، وهو الظاهر في سلطة فعليّة تمارس نشاطها في الواقع الخارجي، فمثل هذا النص لا يبدو منه شموله لمثل حال الغيبة. وقد ذكر هذا الوجه السيد الحكيم في مستمسكه والمحدث البحراني في الحدائق والشيخ المنتظري. ولعلّه ظاهر عبارة أستاذنا الهاشمي أيضاً.

ثالثها: إنّ المفروض أنّ الإمام يعطي بني هاشم من حصّته على تقدير عدم كفاية حصّتهم، وهذا لا يطابق ما نحن فيه، ففي حالتنا قد تكفي حصّة سهم بني هاشم لهم، فماذا نفعل بسهم الإمام؟! وفي بعض الأحيان قد يكفي إعطاؤهم من سهم الإمام ربعَه أو ثلثه فترتفع حاجتهم فما هو الموجب لإعطائهم السهم كلّه حينئذٍ بعد رفع حاجتهم؟!

 
5 ـ اتجاه الصرف في حاجات الشيعة

يرى هذا الفريق لزوم أن يُصرف سهم الإمام في عصر الغيبة في حاجات الشيعة الموالين العارفين، كما ذهب إليه ابن حمزة في الوسيلة، وقد نقله في المقنعة عن بعض، كما ذكر النراقي في مستنده، ذاكراً أنّ المفيد جعله قريباً من الصواب. والمفترض على هذا الرأي أنّه لا تقييد بتسليم الخمس إلى الحاكم الشرعي أو الفقيه أو المرجع.

ويمكن أن يُستدلّ له أولاً: بالتمسّك بما دلّ على أنّ من لم يقدر على صلتهم عليهم السلام فليصل فقراء شيعتهم أو صالحي مواليهم، كما في خبر محمد بن يزيد ومرسلة الصدوق (الوسائل، كتاب الزكاة، أبواب الصدقة، باب 50، ح1، 3). فإنّ الخمس صلة، ومن لم يصلهم عليهم السلام فعليه أن يعطي الخمس لشيعتهم.

وفيه:
أ ـ إنّ الخبرين ضعيفان من الناحية السنديّة بالإرسال.

ب ـ ما ذكره أستاذنا السيد الهاشمي، من احتمال نظرهما إلى الصدقة المستحبّة فلا ظهور فيهما بما يشمل الخمس.

ج ـ ما يمكن إضافته من أنّ الحديثين ظاهران في صلة الفرد للإمام فلم يقدر، وأمّا في الخمس فالمفروض أنّ المال هو للإمام، ولابدّ من إرجاعه له، وبعبارة ثانية: الحديثان ظاهران في إخراج الفرد ماله ليصل به الإمام، لا في إخراج مال الإمام من ماله.

وثانياً: بمرسلة حماد التي تعرض لسدّ الإمام حاجات الناس لو لم تفِ أسهم الزكاة لهم، فهي بروحها تفيد هذه الوظيفة له عليه السلام، وبالتالي تكون حقّاً للشيعة عليه كما ذكر.

ويناقش: بما تقدّم في مرسلة حماد من ضعف الاستدلال بها سنداً.
 
6 ـ اتجاه التخيير بين الاتجاهات السابقة

وجهة النظر السادسة هنا ترى التخيير بين بعض الاحتمالات المتقدّمة سابقاً، كالتخيير بين التحليل والإيداع، كما يظهر من الشيخ الطوسي في النهاية على ما نقله عنه في المستند، أو بين إيداعه ودفنه كما اختاره في المبسوط، أو هما مع التقسيم على الذريّة كما حكي عن الدروس، أو بين الإيداع والقسمة على الذريّة كما اختاره العلامة الحلي في المختلف، والظاهر من النافع والمنسوب إلى البيان، وإليه ذهب المحقّق الخوانساري، كما نقل ذلك كلّه النراقي في المستند.

وهذه الوجوه حالها صار واضحاً مما تقدّم فلا حاجة للإطالة.
 
7 ـ اتجاه الصرف على الذرية ومع عدم الحاجة يباح للشيعة

وهو ما اختاره الحرّ العاملي في الوسائل من لزوم الإيصال إلى الإمام مع الإمكان، وإلا فتصرف إلى الذريّة، ومع عدم الحاجة تباح للشيعة، فيسقط الخمس عنهم.

وحال وجهة النظر هذه بات يُعرف مما تقدّم، فلا نطيل.
 
8 ـ اتجاه تطبيق أحكام مجهول المالك على الخمس

وهو ما أفاده المحقق النجفي في الجواهر، من إجراء حكم مجهول المالك على هذا المال. فإنّ الملاك في هذا العنوان ليس كون المالك مجهولاً حتى من ناحية النسب، بل المدار مجهوليّته من حيث التطبيق التام حتى مع معلوميّته من حيث العنوان؛ لأنّ القضيّة هي عدم القدرة على الإيصال أو فقل بأنّ الجهل به مكاناً كافٍ وإن لم يحصل الجهل به ذاتاً، والذي يشهد لهذا المضمون خبر يونس (الوسائل، كتاب اللقطة، باب7، ح2) الوارد فيمن بقي عنده متاع لرفيق له في طريق مكة و لا يعرف بلد هذا الرفيق، فقد أمره عليه السلام بالتصدّق عنه، ومن هنا فيكون حال هذا السهم حال المال المجهول مالكه من حيث جريان ما نبني عليه هناك هنا، فلو شرطنا التصدّق كان مصرف هذا السهم كذلك، ولو قلنا بلزوم صرفه بإذن الحاكم الشرعي تمّ هذا القيد هنا وهكذا.

وقد ذهب إلى هذا القول الفقيهُ الهمداني في مصباحه, غير أنّ هذه الرؤية تعرّضت لأكثر من انتقاد نذكره:

الانتقاد الأوّل: ما أفاده السيد الخوئي، من أنّ دليل التصدّق عن المالك المجهول لا إطلاق فيه يشمل حالة ما إذا عثرنا على مصرف نحرز فيه رضا المالك بصرف ماله فيه، فإنّ قصّة رفيق مكّة حادثة منصرفة عن هذه الصورة، وقد أضاف أستاذنا السيد الهاشمي لهذا الوجه ما حاصله أنّ مناسبات الحكم والموضوع تقضي بكون فكرة الصدقة إنّما جاءت من حيث إنّه لا يتوفّر مورد آخر يمكن للمكلّف صرف المال فيه بما يعود نفعه إلى صاحبه، واذا كان هذا روح القضية فستكون فكرة التصدّق عديمة المفعول مع إحراز رضا المالك بالصرف في جهةٍ غيرها. وقد ذكر هذه المناقشة السيد الحكيم في المستمسك أيضاً.

ويناقش هذا الانتقاد بأنه من غير المفهوم مثل هذا الانصراف، فإنّ نفس حكم الإمام عليه السلام بالتصدّق من دون سؤال الآخر عن موارد محتملة لرضا صاحب المتاع، لاسيما وأنّه كان رفيقاً لهم، من الممكن أنّهم تعرّفوا عليه وفهموا توجّهاته وميوله.. إنّ عدم سؤال الإمام عمّا يمكن أن يكون مورداً لرضا المالك كاشفٌ عن عدم أخذ مثل هذه الخصوصيّة، وإلا لكان عليه قبل الحكم بالصدقة التأكّد من سلامة حكمه بالتثبت من وصول الحالة إلى درجة يمكن الحكم فيها بها، إذ لعله لا يرضى بالتصدّق عنه بل يميل لصرف المال في موضع آخر.

كما أنّ الصيغة المعدّلة التي قدّمها أستاذنا السيد الهاشمي حفظه الله هي الأخرى بلا شاهد، إذ ما هو الموجب للوثوق بكون الحكم بالصدقة جاء في إطار اليأس حتى عن مورد يحرز فيه رضا المالك؟ نعم لابد من اليأس من الوصول إلى نفس المالك وهذا واضح، أمّا غيره فلعلّ الشريعة مع اليأس عن العثور على المالك أمرت فوراً بالتصدّق بما فيه نفع المالك والدافع والآخرين، خصوصاً إذا قلنا بالضمان لصاحبه فإنّ هذا أحفظ له.

الانتقاد الثاني: ما ذكره أستاذنا السيد الهاشمي حفظه الله، من أنّ مورد الأمر بالصدقة في باب مجهول المالك هو المال الشخصي، فالتعدّي عنه إلى الأموال العامّة كالخمس مما لا شاهد عليه، لو لم ندّع الجزم بعدمه، حيث إن نكتة وجود مصارف مقرّرة للأموال العامة تصرف فيها، يوجب القطع بكونه أجنبياً عن باب مجهول المالك.

وهذا النقد في الحقيقة إنّما هو جرياً على مبنى السيد الأستاذ من كون الخمس ضريبة عامّة، وليس ملكاً لشخص المعصوم، في حين أنّ أصل فكرة مجهول المالك في المقام إنّما بنيت على نظرية الملكية الشخصيّة لهذا السهم، فهذه المناقشة متقدّمة رتبةً عن أصل فرض موضوع مجهول المالك، وإن كانت في حدّ نفسها موفّقة.

الانتقاد الثالث: وهو عين الأوّل، غايته أنّ الصرف في موارد رضا المالك إيصالٌ إليه، ومعه كيف يمكن التصدّق بمال الغير مع القدرة على إيصاله له، وقد أفاد ذلك السيد الحكيم أيضاً.

وهذا الكلام جيد، غير أنّ هناك نقطة لابد من إيضاحها فإنّنا بيّنا آنفاً أنّ نصوص التصدّق بالمال المجهول المالك مطلقة ليس فيها أيّ استفصال عن قضيّة الموارد التي يرضى بها المالك، وهذه النكتة في تقديري تقف مانعاً أمام روح هذا الانتقاد، فلابد له من أن يبرر عدم الاستفصال، وإلا فالأخذ به مشكل.

هذا من جهة ومن جهة أخرى، يمكن الجمع عمليّاً بين التصدّق والصرف في موارد الرضا، بأن نقول: إنّه لابد من التصدّق لأدلّته والصرف في موارد الرضا لما في هذا الأمر، وهو جمعٌ احتياطي أشار له السيد الحكيم في المستمسك حينما احتاط بصرفه فيما يعلم برضاه عليه السلام مع نيّة التصدّق.

 
9 ـ اتجاه الصرف فيما يعلم رضا الإمام به (اتجاه مشهور المتأخّرين)

وجهة النظر التاسعة هنا هي ما ذكره مشهور المتأخّرين ـ كما نُقل ـ من صرف هذا السهم في كلّ موردٍ يعلم برضاه عليه السلام بالصرف فيه بلا تحديدٍ في مصرفٍ معيّن، فإنّ هذا نوعٌ من الإيصال له، وهذه النتيجة قطعيّة الإبراء؛ لأنّ الفرض هو القطع برضاه، ومعه يكون الصرف مبرئاً للذمّة بصورة مطمئنة.

وقد ذكر هذه الرؤية أكثر من فقيه كالنراقي والخوئي والحكيم والمنتظري والبروجردي و.. واعتبرت عند البعض سليمةً، وعند آخرين سليمة لولا المباني كما سنرى.

 
10 ـ اتجاه الملكية العامّة في الخمس

وهو ما ذهب إليه بعض الفقهاء كالشيخ المنتظري والسيّد الهاشمي و.. من أنّ الخمس ضريبة عامّة، وأنّ الإمام يملكها من حيثيّة الإمامة والحاكمية فهي حيثية تقييديّة لا تعليليّة، وليست هذه الأموال ملكاً شخصيّاً له.

وهؤلاء وفقاً لهذا الرأي يسجّلون ملاحظة عامة على كافّة الآراء المتقدّمة أو أغلبها، من أنها عالجت المشكلة على أساس الملكيّة الخاصّة للسهم المذكور، فاضطرّت للحكم بدفنه لصاحبه أو إيداعه أو التصدّق به أو صرفه فيما يرضا به أو نحو ذلك، في حين أنّ المستوحى من روح هذه الضريبة وأدلّتها هو الملكيّة العامّة.

ووفقاً لهذا الاتجاه ستكون مجمل النظريات المتقدّمة تقريباً خاطئة خطأ بنيوياً وجوهرياً، وإذا استبدلنا تلك البنية بهذه البنية فسيكون الخمس ـ عند هؤلاء ـ حقّ الدولة والحاكميّة في الإسلام، فمتى ثبت مصداقها وجب الدفع إليه، ويكون من قبيل ممتلكات الحكومة الإسلامية أولاً وبالذات، ويكون نظام الحكم هو المصرف النهائي لهذا السهم أو الخمس كاملاً، ويتمّ توزيعه حسب تشخيص الحاكم الشرعي، كونه هو المتولّي للملكيات العامّة.

وقد أضاف أستاذنا السيد محمود الهاشمي أنّ هذه النتيجة يمكن التوصّل إليها حتى على تقدير الملكيّة الشخصية بواسطة افتراض أنّ هذا الخمس ملكٌ للإمام ليصرفه في مصارف مقرّرة لا في شؤونه الخاصّة فحسب، فمع غيبته لا تسقط تلك الجهات والمصالح التي يلزم صرفها فيها، فإنّه خُلف إطلاق أدلّة لزومها.

هذه هي حصيلة الاتجاهات التي ذكرت فقهيّاً لمصرف سهم الإمام في عصر الغيبة، إلا أنّ السؤال الآخر هو أنّ هذه الاتجاهات إلى أيّ مدى تطلق العنان للمكلّف في صرف هذا السهم فيما حدّدته له من مصارف؟ وهل يُلزم المكلّف بمراجعة جهة أخرى لصرفه كالحاكم الشرعي أم لا؟

 
مرجعيّة الحاكم الشرعي في صرف الخمس

بعد هذه الجولة السريعة على الاتجاهات الفقهيّة في مصير الخمس في عصر الغيبة، لابدّ لنا ـ لتحديد دور الحاكم الشرعي في أموال الخمس ـ من الرجوع إلى نفس تلك الاتجاهات، لنرى ما إذا اختزنت في داخلها آليّةً محدّدة للصرف على المكلّف لتحدّ من صلاحياته في الصرف أو تعطي الحاكم الشرعي دوراً أم لا؟

أمّا على الاتجاه الأوّل (اتجاه تعطيل الخمس)، فهو حسب الفرض يحلّل الخمس كلاً أو بعضاً للشيعة، ومن ثمّ لا يجب صرفه في أيّة جهةٍ محدّدة، فلا معنى على هذا الاتجاه للحديث عن سلطة الحاكم الشرعي على الصرف وعدمها بعد سقوط فريضة الخمس نفسها.

وأمّا على الاتجاه الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع، فالمفترض أنّ دليله لا يستوجب أيّة ضرورة للرجوع إلى الحاكم الشرعي كما ألمحنا إلى ذلك عند الحديث عنها، فلا حاجة للتطويل، فإذا كان من لزوم للحديث عن مرجعيّة الحاكم فإنّما هو على الاتجاهات الآتية.

وأمّا على الاتجاه الثامن، فإنّ ضرورة الرجوع إلى الحاكم مبنيّة على كبرى مرجعيّته في الأموال مجهولة المالك، فالمسألة مبنائيّة. وحاصل أبرز ما استدلّ لتسليم مجهول المالك إلى الحاكم الشرعي ثلاثة وجوه:

الوجه الأوّل: إنّ الحاكم الشرعي وليّ الغائب، والمالك في حالات مجهول المالك من أبرز مصاديق الغائب، فلابد من وضع يده على أمواله؛ لأنّه وليّه حينئذٍ، ولا يجوز للآخرين مطلقاً التصرّف في هذا المال بدون إذن صاحبه أو وليّه كما هو واضح. وقد ذكر روح هذا الوجه العلامة الحلي في التذكرة.

ونوقش بتقدّم أدلّة التصدّق بمجهول المالك على أدلّة ولاية الغائب، حيث إنّ الولاية على أموال الغائب كانت من باب الحسبة، وهذه الولاية ثابتة في مواردها، فإذا جاء الدليل ورخّص في التصرّف بمال الغائب لآحاد المكلّفين، كان ذلك مقيّداً لأدلّة الولاية المذكورة التي يؤخذ فيها بالقدر المتيقن. وقد ذكر ذلك السيد الخوئي في مصباحه.

الوجه الثاني: إنّ مصرف المال مجهول المالك هو المساكين، والحاكم هو وليّهم فلابد من الدفع إليه.

وفيه: إنّ هذا الكلام غير مفهوم، فأيّ معنى لولايته على المساكين مع القطع بجواز تسليم كثير من الأموال لا أقل من الهبات إليهم؟!

الوجه الثالث: إنّ ضرورة تسليم مجهول المالك إلى الحاكم الشرعي تنبع من أعرفيّته بموارد الصرف على الفقراء والمساكين.

وسوف نتعرّض لهذا الكلام عند الحديث عن الاتجاه التاسع.

وأمّا على الاتجاه التاسع، فالمفروض وفقه حريّة المكلّف في الصرف، ما دام قد حصل له القطع برضا الإمام، إلا أنّه مع ذلك فقد ذكرت بيانات لضرورة تسليم الخمس إلى الحاكم على هذا الاتجاه، وهي:

البيان الأوّل: إنّ الحاكم الشرعي أعرف بموارد الصرف ومحالّه، فلابد من التسليم إليه لدرايته بالمواقع التي يكون فيها العلم برضا المعصوم.

ونوقش ـ كما في كلمات السيد الخوئي في المصباح والسيد الهاشمي في كتاب الخمس ـ بأنّه:

أ ـ إن أريد بكونه أخبر كونه كذلك كبروياً فهذا تامّ، لكنّه لا يقتضي أكثر من لزوم رجوع هذا المكلف إلى الفقيه في العناوين الشرعيّة التي لابد من الصرف فيها، وهو بدوره يتحرّك بصورة مستقلة لتطبيق هذه العناوين، كما هي الحال في بقيّة الأبواب الفقهيّة.

ب ـ وإن أريد بذلك كونه أخبر حتى من حيث المصاديق، فهو أولاً: ممنوع الإطلاقيّة صغروياً كما لا يخفى.

وثانياً: ممنوع الحجيّة فإنه مثل باقي موارد الخبروية الموضوعية، فأيّ دليل على لزوم الرجوع إليه مع حصول العلم لدى المكلّف برضا الإمام حسب الفرض؟

البيان الثاني: ما أفاده السيد الخوئي من إثارة احتمال دخل إذن الحاكم في تحصيل رضا المعصوم، ولا طريق لرفع هذا الاحتمال، ومعه لابد من إذنه لتحصيل رضا المعصوم بالصرف بصورة تامّة.

وناقشه السيد الهاشمي بمناقشة موفّقة، بأنّ التعاطي مع القضيّة بهذه الطريقة يمكن أن يفتح الباب أمام أكثر من احتمال، فإنّ هناك الكثير من الخصوصيّات التي قد تكون داخلةً ـ احتمالاً ـ وهي ذات نسبة عموم وخصوص مطلقاً أو من وجه مع مطلق الفقير كالأعلميّة والخبرويّة والكفاءات السياسة والإدارية والجانب الروحي والعاطفي و.. بل قد يكون عدم إذنه أحياناً محتمل الدخل في الرضا فلا موجب للتعميم بهذه الطريقة.

البيان الثالث: ما ذكره أكثر من فقيه، من الرجوع إلى أدلّة النيابة الثابتة للفقيه وما شابه ذلك مما يفيد ضرورة مراجعته في مثل هذا المورد الهام، وهذا ما ذكره المحقّق النراقي والسيد الحكيم وغيرهما.

وفيه: أنّه لم يظهر شمول كلّ ما كان كذلك لأدلّة نيابته بعد البناء على كون المال ملكاً خاصّاً، فهذا الوجه إما أن يرجع إلى إثبات الملكيّة العامة أو إلى قضيّة مال الغائب وأشباهها.

البيان الرابع: ما ذكره السيد محسن الحكيم، من أنّ عزل الحاكم عن الولاية على الخمس موجبٌ لضياع الزعامة الدينية، والاحتفاظ بها من أوجب الواجبات.

وفيه أنّ هذا ـ لو تمّ ـ يثبت الولاية بالعنوان الثانوي لا الأوّلي، فلو صار الحاكم الشرعي زعيمَ دولة فإنّ زعامته الدينية لا تنهار بعدم رجوع الأخماس إليه، حيث تأتيه موارد الدولة العظيمة، وكذلك الحال فيما لو كثرت الأموال الأخرى التي تأتي إلى الحاكم بحيث لم يكن بحاجة لمثل الخمس، فقد يكفيه نصف سهم الإمام لسدّ حاجات الزعامة الدينية، فمثل هذا الوجه قائم على مفهوم المصلحة الثانوي لا بالعنوان الأوّلي.

وأمّا على الاتجاه العاشر، فمن الواضح وفقه أنّه لابد من إرجاع المال للحاكميّة الإسلاميّة، وأمّا تحديد هذه الحاكمية فهو أمرٌ آخر، فربما تنحصر بالفقيه كما على بعض النظريات التي ترى ولاية خصوص الفقيه، وربما لا كما على نظريات أخرى، على أنّه لو ثبت لشخص ما أو جماعة ما الحاكمية ولو بالعنوان الثانوي ثبت لهم الخمس حتى لو لم يكونوا فقهاء، وتسليمه إلى الفقهاء حينئذٍ هو نفسه بحاجة إلى إذن جهة الحاكمية، ومن هنا فحتّى على هذا الافتراض لا معنى للحكم بلزوم مراجعة الفقيه على نحو إطلاقي إلا على بعض النظريات كالولاية العامّة للفقيه.

أكتفي بهذا القدر، وللتفصيل مجاله، وقد تكون هناك رؤية مختلفة المداخل عن هذا كلّه، والله العالم.

 

إرسال

you should login to send comment link

جديد الأسئلة والأجوبة
  • تأليف الكتب وإلقاء المحاضرات بين الكمّ والنوعيّة والجودة
  • مع حوادث قتل المحارم اليوم كيف نفسّر النصوص المفتخرة بقتل المسلمين الأوائل لأقربائهم؟!
  • استفهامات في مسألة عدم كون تقليد الأعلم مسألة تقليديّة
  • كيف يمكن أداء المتابعة في الصلوات الجهرية حفاظاً على حرمة الجماعات؟
  • هل يمكن للفتاة العقد على خطيبها دون إذن أهلها خوفاً من الحرام؟
  • كيف يتعامل من ينكر حجيّة الظنّ في الدين مع ظهورات الكتاب والسنّة؟!
  • هل دعاء رفع المصاحف على الرؤوس في ليلة القدر صحيحٌ وثابت أو لا؟
الأرشيف
أرسل السؤال
الاشتراك في الموقع

كافة الحقوق محفوظة لصاحب الموقع ولا يجوز الاستفادة من المحتويات إلا مع ذكر المصدر
جميع عدد الزيارات : 36693621       عدد زيارات اليوم : 17521