السؤال: ما هو احتمال أن يكون الراوي المجهول أو المهمل ثقةً في الواقع، ولم يُذكر في كتب الرجاليّين المتداولة، بسبب غفلة منهم أو ربما ذكر في كتب الرجال التي لم تصلنا؟ (عدنان).
الجواب: توجد هنا عدّة صور وفرضيات ينبغي تفكيكها، حيث يختلف الحال بين الراوي المعروف وغيره، وبين رواة كتب السنّة والشيعة، وبين الراوي المذكور لكن مجهول الحال والمهمل وغير ذلك، وأشير هنا لبعض النماذج ـ على سبيل المثال ـ لكي نعرف كيف ينبغي لنا حساب الموضوع، وأنّه ليس على وتيرة واحدة في كلّ الحالات، وأنّه تدخل فيه عناصر كثيرة لتعطينا النسبة الاحتمالية الأدقّ، وأنّه لا يقف الموضوع عند مجرّد الاحتمال الأوّلي لوثاقته بنسبة خمسين في المائة دائماً، بل قد تزيد وقد تنقص:
1 ـ يختلف الأمر بين الراوي المذكور عند أهل السنّة والراوي عند الشيعة الإماميّة، فلو ذكر رجل ولم يوثق عند أهل السنّة، فإنّ احتمال توثيقهم له واقعاً يغدو قليلاً؛ لكثرة كتب الرجال السنّية الواصلة وتعهّد غالبيّة هذه الكتب بتقييم الراوي وحاله من حيث الوثاقة وعدمها، فعندما يذكرونه ثم لا يوثّقه أحد منهم، فاحتمال سهوهم عن توثيقه جميعاً أو غفلتهم أو نحو ذلك بعيدٌ نسبيّاً، وهنا قد ينزل احتمال وثاقته الواقعيّة إلى أقلّ من الخمسين في المائة، إذ لو كان ثقةً لأشير إليه ولو في أحد الكتب. أمّا الراوي المذكور في كتب الرجال الإماميّة القديمة دون توثيق، فإنّ احتمال وثاقته الواقعيّة يكون أكبر من حال ذلك الذي ذكر في كتب الرجال السنيّة، فإنّ كتب الرجال الشيعيّة القديمة قليلة، وما ضاع منها ليس بالقليل، كما أنّ غالبيّتها لم توضع للتوثيق والتضعيف، بل وضعت إما على شكل فهارس مثل فهرستي: الطوسي والنجاشي، أو على شكل طبقات مثل طبقات البرقي ورجال الطوسي أو نحو ذلك، وقد جاء التوثيق والتضعيف فيها ضمنيّاً، وحتى ما تعهّد منها ببيان حال الراوي مثل فهرست الطوسي لم يعمل بتعهّده هذا، بل أهمل بيان حال الكثير من الرواة ومنهم من لا شك في وثاقته، ولهذا ففي الحال العاديّة يكون احتمال وثاقة هذا الراوي ـ من حيث حاله في كتب الرجال ـ هي النصف، وقد يزيد الاحتمال أو ينقص بتتبّع رواياته ودراستها من خلال عرضها على الكتاب وقطعيّ السنّة أو من خلال عرضها على روايات الثقات الأثبات من الرواة الآخرين.
2 ـ هناك فرق بين الراوي المهمل ومجهول الحال، فالمهمل في كتب السنّة الرجاليّة كلّها يرتفع احتمال كونه شخصيّة وهميّة لاسيما مع ندرة رواياته، فيما في كتب الشيعة يقلّ هذا الاحتمال نسبيّاً دون أن يزول؛ لأنّ الكتب الشيعية الأصليّة إمّا ذكرت خصوص الراوي الذي وردت فيه روايات عن أهل البيت فقط مثل رجال الكشي، وليس كلّ الرواة تعرّض لهم أهل البيت، أو ذكرت خصوص من له مصنّفات وكتب، مثل فهرستي: الطوسي والنجاشي، وليس كلّ الرواة لهم مصنّفات وكتب. فلم يبق من كتاب جامع عند المتقدّمين سوى كتاب الرجال للطوسي، واحتمال سهو الطوسي ـ وهو شخص واحد ـ احتمال وجيه، لاسيما مع كون كتاب الرجال هذا قد وقعت فيه أخطاء، حتى اعتبره السيد البروجردي مسودة، وعليه فعدم العثور على اسم راوٍ في كتب الرجال عند الشيعة يحتمل معه كونه شخصيّة وهميّة، لكن بدرجة احتماليّة أقلّ ممّا عند السنّة. لكنّ وثاقته تكون أقلّ أيضاً، فإنّ تجاهل الجميع حتى لذكر اسمه، سواء عند السنّة أو الشيعة، لا يسمح لنا بافتراض وثاقته بدرجة أكثر من النصف إن لم يكن أقلّ، تبعاً لحجم رواياته ونوعيّتها أيضاً.
3 ـ إذا كان الراوي معروفاً ثم ذكره الجميع بلا توثيق، فإنّ احتمال توثيقه أكبر عادةً من النصف؛ لاحتمال سكوتهم عن توثيقه لوضوح وثاقته بسبب معروفيّته، حيث لا يحتاج لتوثيق، مع الأخذ بعين الاعتبار دائماً أيضاً نوعيّة مرويّاته وما يتوفّر لنا من معلومات أخرى عنه، أمّا لو لم يكن من المعاريف أو كثيري الرواية مثلاً، فإنّ احتمال توثيقهم له يكون أقلّ، إذ احتمال سكوتهم عن توثيقه لمعروفيّته ينافي عدم كونه معروفاً أو كثير الرواية كما هو واضح. وإذا كان احتمال توثيقهم له هو 40 في المائة مثلاً، فإنّه يجب أن نحسب هذا الاحتمال مع احتمال إصابتهم في توثيقهم له، ولنفرضه 90 في المائة، وهذا يعني أن احتمال وثاقته سوف ينزل تحت الأربعين في المائة بشكل رياضي، وسيصبح أقلّ من ذلك كما هو واضح أيضاً.
وخلاصة القول: إن تحديد درجات القوّة الاحتماليّة في التوثيقات والتضعيفات والإهمال، وفقاً للعناصر المؤثرة في الموضوع وحسابها بشكل رياضي أو شبه رياضي، أمرٌ بالغ التعقيد، ويحتاج لرصد جملة وافرة من العناصر في كلّ راوٍ، من حيث نوعيّة رواياته والموثِّقين له وغير ذلك، والكلام يطول، إذ يخطر في بالي الآن أكثر من عشر صور للمسألة أكتفي بهذه الثلاثة منها. وإنّما قصدت ذكر عيّنات لنعرف كيفية التعامل مع هذه الحالات المتعدّدة بطريقة علميّة منهجية رياضيّة.