السؤال: يهتمّ الفلاسفة والعرفاء كثيراً بحرف الفاء من (كن فيكون)، ويتحدّثون كثيراً عن الفصل بين (كن) و (يكون)، ولهم في ذلك كلام كما تعرفون، كيف تفهمون هذه الجملة التي وردت عدّة مرات في القرآن الكريم؟ (فؤاد، السعوديّة).
الجواب: إذا بقينا نحن وهذه الآيات الكريمة، فإنّ هذا التعبير تركيبٌ عربي لغوي يؤتى به للدلالة على فورية التحقّق عند إرادة الشيء، فنقول: إذا أراد الملك شيئاً كان وصار. والله لا يقول: (كن) ولا يخاطب معدوماً فيقول له كن فيكون، وإنّما هي تعابير كنائيّة عن السلطنة التامّة على الشيء ومقدّماته، وامتلاك زمام الأمور وتحقّق ما يريد ساعة يشاء. فانظر إلى الشريف الرضي ذي الذوق البلاغي والعمق اللغوي، يقول: (..فالمراد إذن بذلك: الإخبار عن عظيم قدرة اللَّه سبحانه، وسرعة مضي أمره، ونفاذ تدبيره. نحو قوله: (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناه أَنْ نَقُولَ لَه كُنْ فَيَكُونُ). وهذا إخبار عن وقوع أوامره من غير معاناة ولا كلفة، ولا لغوب ولا مشقة) (تلخيص البيان في مجازات القرآن: 161، وانظر ص 192، 293؛ وكتابه حقائق التأويل: 359).وأمّا ما ذكره بعض الفلاسفة والعرفاء في هذا الموضوع، فلا دليل عليه في اللغة بحسب بعدها التركيبي والبلاغي والتداولي، ولو أرادوا جعل الآية مجرّد ممرّ لتحقيق المباحث العقليّة والفلسفية في الوجود، فهذا أمر آخر يختلف عن تفسير نفس الآية؛ لأنّهم ـ لاسيّما العرفاء ـ عندما يستحضرون آيةً ما، فهم لا يقصدون دائماً تفسيرها، بقدر ما يقصدون جعلها مفتاحاً لأفكارهم وما توصّلوا إليه.