السؤال: هناك حديث للرسول صلى الله عليه وآله يقول فيه للإمام علي عليه السلام ما معناه: أنّني قاتلت على التنزيل، وأنت يا علي تقاتل على التأويل. فكيف نفهم قتال الإمام علي على التأويل، وظاهر الأحداث يدلّ على أنّه نزاع سياسي ليس إلا؟ (أبو علي، العراق).
التفسير الأوّل: أن يكون المراد من التأويل أنّ البغاة الذين خرجوا على عليّ عليه السلام استندوا أيضاً إلى النصّ القرآني، وظاهر الآيات القرآنية أنّ القتال كان مع الكافرين، فتنزيل القتال كان ظاهراً في قتال المشركين والكافرين، لكنّ تأويله ودلالاته المستبطنة تفيد قتال الباغين، فالنبي يقاتل مستنداً لظاهر النصّ القرآني، فيما عليّ يقاتل مستنداً لتأويل هذا النصّ في القوم الذين خرجوا عليه. وهذا التفسير ذكره بعض العلماء مثل العلامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول وغيره، ومثله التفسير الذي يقول بأنّ قتال عليّ كان على القسم الباطني من الدين، وهو القسم غير المعلن، بل هو مستكنّ في بطون القرآن.
التفسير الثاني: وهو الأصحّ بحسب فهمي القاصر، فإنّ هذا الحديث لا يقصد من التأويل المعاني غير الظاهرة، فإنّ كلمة التأويل لا تعني في لغة العرب ـ وهذا النصّ نبويٌّ ـ المعنى غير الظاهر، وإنّما هو اصطلاح حادث بين العلماء فيما بعد، بل كلمة التأويل استمرّت تعني في كلمات علماء القرآن نفس معنى التفسير، حتى القرن الخامس الهجري تقريباً، ولهذا تجد كتب التفسير القديمة عناوينها فيها كلمة التأويل وليس كلمة التفسير، كما هي حال تفسير الطبري الذي اسمه في الحقيقة (جامع البيان عن تأويل آي القرآن).
ولو نحن رجعنا إلى اللغة العربية التي هي المرجع هنا، لوجدنا أنّ التأويل من الأول، فالتأويل يكون بمعنى إرجاع الشيء إلى الأوّل، مثلاً تقول: أوّلتُ الأمر، أي أرجعته إلى بدايته وأوّله، وبهذه الطريقة يمكن فهم الحديث دون أيّ تكلّف، فيكون المعنى: إنّ الرسول قد قاتل على أصل نزول القرآن الكريم لإثبات أصل نزوله وأصل الرسالة، فيما كان قتال عليّ لخصومه قتالاً لإعادة الدين والرسالة إلى حالتهما الأولى، فيكشف الحديث عن وجود انحراف قد حصل، وأنّ مهمّة علي هي تصويب الانحراف وإعادة المشهد إلى زمانه الأوّل في العصر النبوي. وبتعبيرنا المعاصر: إحياء الدين المحمّدي. وثمّة إشارة لهذا المعنى في بعض صيغ هذا الحديث الواردة في إرشاد الشيخ المفيد، ومسند ابن حنبل وغيرهما.
وبناءً عليه، يمكن القول بأنّ الانحراف الذي وقع في الأمّة طال البعد السياسي والإداري والعلائقي، وإذا كان صراع عليّ وخصومه صراعاً سياسياً، فهذا لا يعني أنّه لا يأخذ بُعداً دينيّاً وأخلاقيّاً وقيمياً، فهناك الكثير من المفاهيم التي تمّ هجرها ونسيانها أو تشويهها، وغدت العلاقات بين المسلمين سيئةً متهالكة على غير ما كانت عليه في العصر الأوّل، كما غدت المعايير مختلفة عن عصر النبي الأكرم، فالحديث يريد أن يقول بأنّ الصراع الذي وقع كان يصبّ في مآلاته في إعادة الموقف إلى الحالة الصحيحة في ممارسة الدين في الحياة على مستوى العلاقات بين الناس، والعلاقات بين الراعي والرعية، وعلى مستوى تقسيم الغنائم والأموال العامّة، وعلى مستوى ممارسة السلطة، وعلى مستوى المحسوبيات والقرابات والمصالح الخاصّة التي كانت تحدث هنا وهناك، وعلى مستوى العدالة الاجتماعية بين العرب والموالي وغير ذلك، وعلى مستوى العدالة القضائيّة وغير ذلك ممّا لاحظناه تاريخياً، فقد حدث انحراف مع القاسطين والمارقين والناكثين، وأريد تصحيح المسيرة، هذا هو معطى الحديث وأجده معطى حسناً، بصرف النظر عمّن يتحمّل المسؤولية ومن الجاني ومن الضالّ ومن المضلَّل، وغير ذلك ممّا هو من شؤون المؤرّخين والمتكلّمين، فعليّ عليه السلام ـ بمقتضى مثل هذا الحديث ـ هو الرجل الإصلاحيّ الأبرز في تاريخ الإسلام، وهو قائد الحركة التصحيحيّة، فكلّ ثورة أو دين تحدث فيه بعد مرحلة التأسيس حالة انحراف نسبي، ويهبّ المصلحون لتصحيح المسيرة وإصلاح الأمور، والسياسة أحد المفاتيح الكبرى في ذلك.
السلام عليكم ورحمة الله
احسنتم شيخنا الفاضل على الإجابة وجزاكم الله خير الجزاء ..
عندي سؤال ..
ورد في التاريخ أن مالك بن نويرة وبني كندة امتنعوا عن أداء الزكاة لأبي بكر لكونه خليفة غير شرعي غاصب للخلافة .. فهل يوجد ما يذكر تلك الحقيقة في مصادر السنة ؟ ؟ قصدي امتناع دفع الزكاة لأن عليا ع هو صاحب الحق الشرعي وليس أبي بكر ..
وعذرا على الإزعاج
مالفرق بين مقولة ( التفسير والتأويل ) ومقولة ( التنزيل والتأويل ) ..مع التقدير