السؤال: يقال بأنّ سبب إطلاق باب الحوائج على الإمام الجواد عليه السلام بعد وفاته هو كثرة قضاء الحاجات وتحقّقها عندما كان المؤمنون يطلبون تحقّقها عند القبر الشريف، حتى أطلق على أحد مداخل الحضرة الشريفة اسم (باب المراد)، فهل هناك تتبّع لهذه الظواهر في كتبنا المعتبرة؟ ولماذا نحن الشيعة لا ندّعي تحقّق مثل هذه الظواهر عند قبر الرسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أو عند الكعبة المشرّفة، وإنما فقط عند قبور الأئمّة عليهم السلام؟ وهي ظاهرة نجدها بشكل أكبر في مشهد الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، حيث يربط الناس أنفسهم بالحبال ولأيّام عدّة حتى تتحقّق مراداتهم (سمير، لبنان).
الجواب: أولاً: لم أعثر ـ في حدود تتبّعي السريع على وجه العجلة ـ على نصوص دينية معتبرة تتحدّث عن خصوصيّة للإمام الجواد بعد وفاته وعند قبره وهي قضاء الحاجات، ولا على تسمية دينية لباب المراد، وإذا كان هناك شيء فهو بشكل عام للأنبياء والأئمّة عليهم السلام.
ثانياً: لا ينبغي الاستعجال ـ كما يفعل بعضنا ـ في تكذيب هذه القصص أو اتهام أصحابها بالخرافة والتهريج، فالله على كلّ شيء قدير، وهؤلاء الأولياء عزيزون عند الله، ويمكن أن تكون لقبورهم مقامات وكرامات.
ثالثاً: هناك كتب كثيرة تتبّعت الأحداث التي تقع عند قبور الأولياء والأئمّة، سواء عند الصوفيّة أم عند الشيعة، بل وكذلك نجد هذا الأمر بقوّة عند الكثير من المذاهب المسيحية، لكنّ أغلب هذه الكتب تقدّم الموادّ الخام، بمعنى أنّها تذكر القصّة التي حصلت نقلاً عن مصدرها، وبصرف النظر عن مديات دقّة المصدر أو السند، فليست هذه الكتب مما يقوم بتحليل الموادّ القصصية المنقولة ودراستها للتأكّد ممّا حصل أو للتأكّد من نسبة ما حصل إلى صاحب القبر، ففي المرحلة الأولى ينبغي جمع القصص التي تحكي عن كرامات وقعت عند هذا القبر الشريف أو ذاك، وبعدها يصار إلى التدقيق في صدقيّة القصّة ومصدرها وانسجامها الداخلي وغير ذلك، عبر ممارسة نقد تاريخي ومضموني عليها، وإذا ثبت عدم وجود عيب في هذه القصّة أو تلك من هذه النواحي يصار إلى الانتقال إلى المرحلة الثالثة، وهي دراسة القصّة من زاوية ارتباطها بالقبر أو الشخص؛ إذ قد تكون هذه القصّة التي تحكي عن شفاء مريض ناتجةً عن حالة نفسية تؤثر ـ علميّاً ومنطقيّاً ـ في المرض الذي يعاني منه هذا المريض الذي شُفي هناك، كأن تكون لديه مشكلة عصبيّة، ثم ونتيجة التفاعل النفسي الشديد حال الزيارة لهذا المرقد أو ذاك، يحصل حدثٌ عصبي معيّن، وهذه المرحلة من البحث تحتاج لدراسة من جانب المختصّين بعلم النفس والأعصاب والطبّ وغيرها من العلوم، شرط أن لا يستبعد هؤلاء من البداية العنصر الغيبي في الموضوع. إذن، فنحن أمام مراحل ثلاث لكي تصبح هذه القصص ذات مضمون علمي ومنطقي يمكن الاتكاء عليه، وهي: مرحلة الجمع والتقصّي، ومرحلة التثبّت والتوثيق، ومرحلة التفسير والتحليل ودراسة العناصر المحتملة في أن تكون سبباً للذي حصل. ومع الأسف فنحن في الغالب نكتفي بالمرحلة الأولى ونترك المراحل اللاحقة، لاسيما المرحلة الثالثة، أو نتعاطى معها بطريقة غير علميّة وإنّما عاطفيّة حماسيّة. وما أقوله ليس مشكلةً شيعيّة، بل هي مشكلة عامّة عند الشيعة والمتصوّفة والسنّة والمسيحيين وغيرهم.
رابعاً: أمّا عن السبب في عدم ظهور مثل هذه القصص عند قبر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، فمع وجود بعض القصص في الكتب التي لا ينبغي إنكارها من حيث أصل وجودها في التراث، إلا أنّ أحد أسباب ذلك ربما يعود إلى عنصر في المتلقّي، بمعنى أنّ الشفاء من بعض الأمراض يمكن أن يحتاج لفعل الطبيب ولوضع المريض أيضاً، وعندما يكون المريض في وضع لا يتلقى فيه العلاج فإنّ فعل الطبيب لا يؤثر، إنّ هذا الذي ذكرتموه دليل على أنّ حالة الزائر النفسية لها دور في العلاج، وليس كل علاج يتخطّى الحالة النفسيّة.
ومن المناسب هنا الانتباه لأمر سبق أن أشار إليه بعض العلماء المعاصرين وبعض المشتغلين بالبحث الفلسفي، وهو أنّ الجهاز المفاهيمي في الذهن الإنساني يلعب دوراً في خلع لباسٍ ما على صورة مسبوقة عند العقل، فمثلاً نحن نجد أنّ المسيحيين يرون في منامهم السيد المسيح أو السيدة العذارء، فيما نجد المسلم يرى رسول الله أو بعض الأئمّة، ونجد اليهودي يجد أمراً آخر. إنّ هناك تفسيراً ـ أدعو للتفكير فيه ـ لا يذهب إلى أنّ هذا الذي جاءك في المنام هو ضرب من الوهم أو أضغاث أحلام بالضرورة، وإنّما قد يكون حقيقة، ولكنّ الذهن المسيحي مشبع بصور معيّنة لشخصيات، يقوم العقل بخلعها على حالة الرؤية في المنام، فيتصوّر ما رآه أنّه المسيح ويحسّ أنّه المسيح، ولو كان شيعيّاً لربما أحسّ بأنّه المهدي المنتظر، أو لو كان سنيّاً لربما أحسّ بأنّ الذي رآه في المنام هو عمر بن الخطاب مثلاً. إنّ تسمية الأمور التي شوهدت في عالم الرؤية هي تسمية تنتمي ـ فلسفيّاً ـ إلى عالم المفاهيم والمقولات، ولا تنتمي لنفس حدث الرؤية المناميّة، وهذا ما يفسّر انحياز المنامات هنا وهناك لمن كان الشخص نفسه على صلة به أو معرفة من قبل نتيجة العنصر التربوي. ويمكن لهذا الموضوع أن يساعد في الجواب جزئيّاً عن سؤالكم.