السؤال: ما مدى صحّة هذا الحديث: (الدنيا سجن المؤمن)؟ وإذا صحّ فكيف هي سجنٌ وهناك مئات اﻻستمتاعات المحلّلة فيها، والتي هي قطعاً ليست بسجن أو شبيه سجن؟ فهل هذه الفكرة صحيحة أم أنّه يحتمل أنّ يكون هذا الحديث من وضع المتصوّفة؟ (كمال).
الجواب: لهذا الحديث عدّة أسانيد موجودة عند الشيعة والسنّة معاً، وقد ورد في أمهات المصادر الحديثية ككافي الكليني، وفقيه الصدوق، وصحيح مسلم. ولا أجد مضمونه منافياً لأصول الإسلام أو للثقافة القرآنية، فإنّ المراد منه أنّنا لو قارنا الدنيا والآخرة لوجدنا الدنيا جنّةً للكافر في مقابل الآخرة التي هي نار وعذاب وسجن له، فيما المؤمن في الدنيا في سجن، والآخرة هي فرجه وأفُقُه الواسع الذي ينطلق فيه محلّقاً في السعادة والنعيم، ولعلّه لهذا ورد في الحديث عن الإمام الحسين بن علي عليه السلام أنّه قال: (.. صبراً بنيّ الكرام، فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر، وما هو لأعدائكم إلا كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب. إنّ أبي حدّثني عن رسول الله صلى الله عليه وآله: أنّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر والموت جسر هؤلاء إلى جنّاتهم، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم..) (الصدوق، معاني الأخبار: 289). وإذا كانت في الدنيا لذائذ مشروعة للمؤمن فهذا لا يعني أنّه لم يُحرم فيها من لذائذ أخَر، فقوّة القانون تحرم الإنسان من كثير من الأمور، والسجن مفهوم نسبي فمن هو في السجن يأكل ويشرب أيضاً ويتحدّث مع أصدقائه ويتسامرون وغير ذلك.
إنّ تشابه الحديث مع التفكير الصوفي بالشكل الذي يحتمل معه أنّه موضوع من قبل المتصّوفة لا يكون من خلال مبدأ ذمّ الدنيا أو تفضيل الآخرة عليها، وإنّما يكون بالدعوة إلى ترك الدنيا، فالدعوة إلى ترك الطعام والشراب والنكاح والاختلاط بالناس وعشرتهم وترك تحمّل المسؤوليات الاجتماعيّة هو الذي يناقض على إطلاقه الثقافة القرآنية، لا مبدأ تفضيل الآخرة على الدنيا أو تحقير الدنيا والزهد فيها.