السؤال: ما مدى صحّة هذا الكلام حول السيدة الزهراء: (ورد في الحديث الشريف المأثور عن أهل بيت العصمة عليهم السلام ما نصّه: أنّه ما تكاملت نبوّة نبي من الأنبياء حتى أقرّ بفضلها ومحبّتها) (الأسرار الفاطميّة: 83)؟ وما معناه؟ (صالح).
الجواب: أولاً: هذا الحديث ـ بهذا اللفظ أو قريب منه ـ لم أعثر عليه، سوى عند المعاصر صاحب الأسرار الفاطميّة الذي كرّره مرّات عديدة، وكذلك عند المرندي المعاصر الذي نسبه في كتابه (مجمع النورين: 40) إلى كتاب مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني المتوفّى عام 1107هـ، وذلك بلا تعيينه للمصدر بالدقّة، كما نقله السيد محمّد الحسيني الشيرازي رحمه الله (1422هـ) عن مدينة المعاجز أيضاً دون تحديد المصدر بالدقّة كذلك، وذلك في كتابه (من فقه الزهراء عليها السلام 1: 14)، ولم أتحقّق من مصدرٍ له، فضلاً عن سند، ورغم التتبّع لم أجد شيئاً، لكن لعلّ عندي قصوراً أو تقصيراً في ذلك.
ثانياً: هناك حديث قريب من مضمون هذا الحديث، لكنّه غير خاصّ بالسيدة الزهراء عليها السلام، ولعلّ منه جاء استيحاء هذا الحديث، وهو ما رواه الصفّار في (بصائر الدرجات: 93)، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، عن حذيفة بن أسيد الغفار، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ما تكاملت النبوّة لنبيٍّ في الأظلّة حتى عرضت عليه ولايتي وولاية أهل بيتي ومثلوا له، فأقرّوا بطاعتهم وولايتهم)، لكنّ المشكلة في هذه الرواية أنّ أبا بكر الحضرمي كان في طبقة الإمام الباقر (114هـ) ومن بعده، كما نصّ على ذلك علماء الطبقات والرجاليّون كالشيخ الطوسي، ولم يذكر في طبقة الإمام زين العابدين ومن قَبله، بل له روايات عمّن روى عن الإمام الصادق عليه السلام، فكيف يروي بلا واسطة عن حذيفة بن أسيد الصحابي المتوفّى عام 42هـ؟! فلو روى عنه بلا واسطة لكان في طبقة أمير المؤمنين، وهذا غير معقول أبداً، بحسب المعطيات المتوفّرة عنه وبحسب مراجعة سلسلة من روى هو عنهم ومن رووا هم عنه، وفقاً لعلم الطبقات، ففي الحديث تدليس سندي وإرسال خفيّ، فالموضوع بحاجة إلى تأمّل، لاسيما وأنّنا بنينا في أبحاثنا الرجاليّة على عدم ثبوت وثاقة الحضرمي هذا.
ثالثاً: هناك الكثير من الروايات التي تحكي بالإجمال وبألسنة مختلفة عن عرض ولاية أهل البيت على الأنبياء السابقين، ويمكن مراجعتها في بحار الأنوار، وكثير منها مصدره كتاب بصائر الدرجات، فمن يأخذ بهذا الكتاب ـ كما عليه جمعٌ كبير من العلماء ـ يمكنه الاعتماد عليها، أمّا من لديه تحفّظات سنديّة ورجاليّة وتوثيقية على كتاب بصائر الدرجات، مثل السيد محمد باقر الصدر (انظر: بحوث في شرح العروة الوثقى 1: 211، 233)، ومثل ما يُستوحى من إشارات الغمز فيه من بعض كلمات السيد كاظم الحائري (القضاء في الفقه الإسلامي: 234)، والسيد محمود الهاشمي (كتاب الخمس 2: 38)، فيجب عليه هنا القيام بمزيد تفحّص وتأمّل في النصوص لتحصيل خبر معتبر أو موثوق يمكن الاعتماد عليه، أو تحصيل تواتر معنوي في القضيّة، والمجال لا يسع البحث في مراجعة هذه النصوص بأجمعها فنوكله لمناسبة أخرى.
رابعاً: إنّ معنى هذا الحديث أنّ نبوّة النبيّ لا تبلغ مداها ومستواها المرجوّ لها إلا بحبّ فاطمة والإقرار بفضلها، وهذا يعني أنّ جميع الأنبياء قد عرفوها وأقرّوا لها بالفضل وإلا ما بلغت نبوّاتهم كمالها المنشود لها، إمّا بالمعنى الذاتي للنبوّة وهي التي في أفق ذات النبيّ، أو بالمعنى الاجتماعي لها، أي في نجاحها على أرض الواقع وأدائها لمهمّاتها الموكلة إليها، والله العالم.