السؤال: ورد عدد كبير من الأدعية المنسوبة إلى الأئمة عليهم السلام في الإقبال ومفاتيح الجنان وغيرهما من الكتب, فهل هذه الأدعية ثابتة ومعتبرة؟ وهل ثبت التوقيت الخاصّ بها كدعاء كميل لليلة الجمعة والعهد والندبة و.. كما أننا نجد أنّ المستوى في الأدعية متفاوت من حيث الخطاب، فهل يطالب الإنسان العادي المبتلى بالمعاصي مثلاً بكمال الانقطاع إلى الله، كما ورد في المناجاة الشعبانية إذا قرأها. أرجو من سماحتكم التوجيه في كيفية التعامل مع الأدعية، والإجابة على ما سألت، ولكم الشكر الجزيل.
الجواب: أولاً: إنّ الكثير ـ وربما أغلب ـ الأدعية الواردة في مصادر الحديث والأدعية ـ عدا الصحيفة السجاديّة التي يوجد جدل حول سندها ـ ضعيفةٌ من حيث السند على مستوى البحث الرجالي والتوثيق التاريخي؛ نظراً لمشاكل متعدّدة ابتليت بها بعض الكتب التي تشكّل مصادر للأدعية، وأهمّ هذه المشاكل أنّ هذه الكتب حذفت الأسانيد والمصادر التي أخذت منها هذه الأدعية ولم تذكرها أساساً، كما هي الحال مع مثل كتاب مصباح المتهجّد للشيخ أبي جعفر الطوسي (460هـ)، ومن هنا يمكن للإنسان أن يدعو بهذه الأدعية لا بقصد الورود، ولا بنيّة انتسابها للنبي وأهل بيته، ويكون المنهج في التعامل معها حينئذٍ هو التالي: كلّ دعاء لا يحوي أيّ مشكلة متنيّة أو في مضمونه، فيمكن الدعاء به والتعامل معه والتفاعل دون نسبته لأهل البيت عليهم السلام، ولا داعي لتركه أو للدعوة لتركه لمجرّد عدم صحّته السنديّة ما دام مضمونه سليماً، لكن لا يمكن الاستناد إليه في الاحتجاجات الفكرية والدينية بوصفه مصدراً مرجعيّاً في الاجتهاد الفقهي أو العقدي أو غير ذلك. وأمّا إذا كانت هناك مشكلة متنيّة ومضمونيّة ـ من وجهة نظر الباحث ـ في هذا الدعاء أو ذاك، بعد عدم ثبوته التاريخي أو السندي، فإنّ من حقّه توجيه النقد وإبداء التحفّظ على الثقافة التي يروّجها هذا الدعاء أو ذاك، حتى لو لم تبلغ المشكلة المتنيّة المضمونيّة حدّ صلاحيتها لردّ الحديث على تقدير صحّته السنديّة. هذا هو الموقف بشكل عام، وأمّا إذا أردتم تحديد القيمة التاريخية لهذا الدعاء بعينه أو ذاك فيجب تحديد الدعاء حتى نجيب عن ذلك.
ثانياً: لا يبدو لي أنّ هناك ضيراً في أن يدعو الإنسان بكمال الانقطاع إلى الله تعالى، ولو كان غارقاً في الذنوب؛ فإنّ ذلك من الطموح الرفيع الذي ينشده الإنسان أيضاً، لكنّ المنهج في التعامل مع الأدعية على هذا المستوى هو اختيار الأدعية المتناسبة مع حاله والتي يجد نفسه متفاعلاً معها بشكل أكبر، فإنّ المُقْبِل على الأدعية والمستحبات والمندوبات هو ـ كما يقول بعض أساتذتنا فيما سمعناه منه، وهو المرجع المغفور له الشيخ محمد تقي الفقيه على ما أذكر ـ كالمدعوّ على وليمة فيها أصناف، فحيث لا يقدر عليها جميعاً يختار منها ما يناسبه ويتلاءم معه. والمناسبة هنا في تقديري هي التفاعل الروحي، فليس المهم كم تقرأ بلسانك، ولكنّ المهم كم تقرأ بقلبك ووجدانك. وإذا كان هناك دعاءٌ لا ينطبق على الداعي، كما لو كان الإنسان عاقراً وهو يدعو بشيء يتعلّق بأولاده، فيمكن قصد التقدير أو تجاوز هذا المقطع، ما لم يرد في النصوص الصحيحة التعبّد بشيء في هذا المضمار.