السؤال: جاء عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أنّه قال: (نحن حجج الله على خلقه، وجدّتنا فاطمة عليها السلام حجّة الله علينا)، ما مدى صحّة سند الحديث؟ وإذا كان الحديث صحيحاً فما معنى فاطمة حجّة على الأئمّة؟ وما هي كيفية تبيين هذه الحجّة على الأئمّة عليهم السلام؟ (نزار، السعودية).
الجواب: بحثت عن هذا الحديث، وليس له وجود حسب الظاهر إلا في كتاب (أطيب البيان في تفسير القرآن 13: 226)، وهو للسيد عبد الحسين الإصفهاني، المعروف بطيّب، والمتوفى عام 1412هـ، أي قبل حوالي العشرين عاماً فقط، وليس لهذا الحديث وجود أساساً في أيّ مصدر حديثي أو تاريخي شيعي أو سنّي على الإطلاق فيما رأيت، ولا أدري من أيّ مصدر عثر عليه السيد الإصفهاني رحمه الله، وحتى الذين وظّفوا هذا الحديث وذكروه في كتبهم لم أجد أحداً نسبه لغير السيد الإصفهاني هذا، فالحديث مجهول المصدر تماماً، ولا مصدر ولا سند له على الإطلاق، فمن غير الواضح ما ذكره بعض المعاصرين حفظه الله (الإمامة الإلهيّة 1: 259) من كونه متواتراً بحسب المعنى، نعم الجملة الأولى منه يمكن ادّعاء ذلك فيها، وهي قوله: (نحن حجج الله على خلقه)؛ لتردّد مضمونها في نصوص كثيرة وبألسنة مختلفة.
وأمّا معنى هذا الحديث، فقد ذكر فيه المعاصرون تفاسير، إذ ليس للسابقين كلامٌ فيه أساساً، وممّا ذكر في ذلك:
التفسير الأوّل: ما نُقل عن أستاذنا الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى، من أنّه يذهب إلى تعلّق قلوب أهل البيت بفاطمة سلام الله عليها، وأنّ الحجيّة هنا ناتجة عن اتصال روحي غيبي دائم بها من قبلهم عليهم السلام. وهذا التفسير معقول ومنسجم مع نفسه، غير أنّه يحتاج إلى دليل ومزيد دراسة، بحيث يثبت لنا الاتصال الروحي الدائم بوصفه ظاهرة وجوديّة قائمة فعلاً وتُحقّق مفهوم الحجيّة. وأنّ كلمة (الحجّة) يفهم منها ـ لغةً وعرفاً ـ هذا المعنى.
التفسير الثاني: ما ألمح إليه آخرون (الإمامة الإلهية 2 ـ 3: 517)، من أنّ المراد هو أنّ السيدة فاطمة عليها السلام هي التي كانت تعلّمهم ـ ولو عبر مثل مصحف فاطمة وأمثال ذلك ـ وأنّهم أخذوا علومهم منها. وهذا التفسير ممكن أيضاً في حدّ نفسه، بمعنى أنّه من الممكن أن يراد بالحجيّة أنّها واسطة في تعليم أهل البيت من خلال مصحفها وغير ذلك، ولكنّ هذا المفهوم يحتاج لمزيد توضيح، وذلك أنّه غير خاصّ بالسيدة الزهراء عليها السلام حتى يوحي لنا الحديث بخصوصيّتها على أهل البيت سلام الله عليهم، فكلّ إمام سابق هو حجّة على اللاحقّ، لأنّه أخذ علومه منه، حيث ورد في النصوص أنّهم أخذوا علومهم كابراً عن كابر، بل إنّ الحجيّة هنا أقرب (للجامعة) وللنبي ولعليّ منها لفاطمة عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام. و (الجامعة) حسب النصوص الواردة، تفيد أنّها تجمع الحلال والحرام وكلّ ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة، وهذا معناه أنّها (الجامعة) كانت مرجعاً لهم عليهم السلام، فلماذا اختار النصّ السيدة الزهراء عليها السلام ليوحي بحجيّتها على أهل البيت؟! أعتقد أنّ النص يريد أن يحكي عن أمر أكثر خصوصيّة صارت به الزهراء حجّة على أولادها جميعاً، ولعلّه هو العلم بالغيب والمستقبل، تماماً كالجفر، حيث ورد في مصحف فاطمة أنّه (ليس فيه من حلال ولا حرام ولكن فيه علم ما يكون)، و (إنّ فاطمة عليها السلام مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً، وكان دخَلَها حزن شديد على أبيها، فكان جبرئيل عليه السلام يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيّب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيّتها، وكان عليّ عليه السلام يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة عليها السلام). ولهذا أجاب السيد الخوئي عن ما هو مصحف فاطمة بالقول: (المراد بمصحف فاطمة ما ورد في الروايات المعتبرة في الكافي أنّ ملكاً من الملائكة كان ينزل على الزهراء (ع) بعد وفاة أبيها، ويسلّيها ويحدّثها بما يكون من الأمور، وكان علي (ع) يكتب ذلك الحديث، فسمّي ما كتب مصحف فاطمة (ع)، فهو ليس قرآنا كما توهّم، ولا كتاباً مشتملاً على الأحكام، فإنّ هذا التوهّم مخالف للنصوص. ولا غرابة في حديث الملائكة مع الزهراء..) (صراط النجاة 3: 441).
وعليه، فإذا أريد كون فاطمة حجّة بهذا المعنى، فهنا لابدّ من فرض أنّ أهل البيت ليس لهم سبيل للعلم بالغيب إلا أوراق هذا المصحف التي تحكي عن قضايا الغيب والمستقبل، وأصحاب هذا التفسير من الذين يقولون بأنّ أهل البيت عليهم السلام خلقوا قبل العالم وأنّهم يعلمون ما كان وما يكون وما هو كائن منذ أن خلقوا ومنذ أن كانوا أجنّةً في بطون أمّهاتهم، بل قبل ذلك، فأيّ ربط لمصحف فاطمة (الذي نزل ليسلّي فاطمة ويؤنسها، وذلك عام 11هـ) بعلومهم حتى يكون حجّةً بحيث يحتجّ الله عليهم به؟! إنّ الأمر يحتاج ـ على مباني القائلين بهذا التفسير ـ إلى تخريج واضح ومنطقي، يرتفع به مثل هذا الإشكال النقضي رفعاً علميّاً. فتفسير الشيخ الوحيد الخراساني أكثر انسجاماً مع أصول العقيدة عند هؤلاء من مثل هذا التفسير.
هذا، وقد أفاض بعض المعاصرين (الأسرار الفاطمية: 69 ـ 85) في تفسير هذا الحديث بوجوه لم أجدها مقنعةً أو مبرهنة بدليل واضح بالنسبة لي، ولعلّ القصور من عندي وفي فهمي. يضاف إلى ذلك كلّه أنّ صحّة مضمون الحديث ـ سواء فسّر بالتفسير الأوّل أم بالثاني أم بغيرهما ـ لا تساوق صحّة صدوره؛ لأنّ صحّة المضمون أعمّ، كما حقّق ذلك في محلّه من علم أصول الفقه وعلم الحديث والدراية، فليراجع، ونحن هنا نبحث في صدور هذا الحديث بهذا التركيب (المحتوي على مفهوم الحجيّة، لا أيّ مفهوم آخر، فتأمّل جيداً ليتضح لك خصوصيّة مفهوم الحجيّة) لا في صحّة هذا المضمون، والله العالم.