• الرئيسية
  • السيرة الذاتية
  • الكتب والمؤلفات
  • المحاضرات والدروس
  • المقالات
  • الحوارات واللقاءات
  • المرئيات
  • الأسئلة والأجوبة
  • لغات اُخرى
  • تطبيق مؤلفات حب الله
  • آراء
الموقع الرسمي لحيدر حب الله
الاجتماعية والأخلاقية التاريخ والسيرة الفقهية والشرعية الفكرية والثقافية الفلسفية والكلامية القرآنية والحديثية
# العنوان تاريخ النشر التعليقات الزائرين
71 ما رأيكم بفتاوى التضليل؟ وكيف ترون ردود أفعال المؤسّسة الدينية في هذا المجال؟ 2014-05-12 0 4181

ما رأيكم بفتاوى التضليل؟ وكيف ترون ردود أفعال المؤسّسة الدينية في هذا المجال؟

السؤال: كيف تنظر إلى ردّة فعل بعض علماء الدين تجاه الآراء (العقدية والفقهية والتاريخية) المخالفة للشائع من قبل بعض علماء الدين الآخرين؟ وهل هي إيجابية أم سلبية؟ أين تقف من بيانات (فتاوى) التضليل الصادرة في حقّ بعض العلماء الأكفاء؟ ما أثر هذه المواقف على الحراك العلمي والثقافي والمكانة الروحية والعلميّة لعلماء الدين؟ هل تؤمن بما يقول به بعض علماء الدين من أنّ كثيراً من هذه الآراء الشاذة يقف وراءها جماعات ودول واستخبارات معادية للإسلام أو التشيّع؟ (خليفة بن أحمد، السعودية).

من جهة أخرى: نجد أنّه قبل عدّة سنوات جرت محاكمة الكاتب الكويتي الدكتور أحمد البغدادي بتهمة الإساءة إلى الرسول الأعظم محمّد ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وتمّت إدانته على ما أذكر؛ لأنه قال: (لقد فشل النبي في فرض الإسلام على المجتمع المكّي مدّة ثلاثة عشر عاماً إلى حين دخل الإسلام قلوب الأنصار من يثرب. أليس في هذا الأمر عبرة؟!)، ومن قبل ذلك تمّت محاكمة نصر حامد أبوزيد في مصر. السؤال: ما رأيك بهذه المحاكمات وعلاقتها بحريّة الرأي في الإسلام؟ ومتى تعتبر الكلمات هذه هتكاً بحقّ المعصوم؟ وهل قول: الرسول فشل، يعتبر إساءة للرسول؟ (أبو يوسف، مسقط).

 

الجواب: في الحقيقة، هذا الموضوع متشعّب جدّاً، وتدخله تعقيدات كثيرة، وليس الدين أو المؤسّسة الدينية هما الطرف الوحيد في تقديري في هذا الموضوع، ثمّة إطار يجب علينا أن نعيه جيداً قبل أن نتحدّث عن موضوع من هذا النوع، وهذا الإطار السياقي التاريخي يتكوّن من العناصر التالية:

1 ـ إنّ الحكومات القائمة في الدول العربية والإسلاميّة، فضلاً عن الغرب والكيان الصهيوني، يناسبها جدّاً أن يكون هناك صراع (وليس اختلافاً فكريّاً فقط) علماني ـ إسلامي يبلغ أبعد مدياته، فإنّ هذا الصراع يمكن من خلاله تمرير الكثير من المشاريع دون أن تسلّط الأضواء عليها، كما يمكن من خلاله إشغال الإسلاميّين والعلمانيّين معاً بمشاكل داخليّة تفصيلية، ومن ثم فتور نشاطهم إزاء قضايا الأمّة الكبرى في المرحلة الراهنة.

2 ـ إنّ هناك تيارات قوميّة ويساريّة وعلمانيّة هُمِّشَت إثر تنامي ما يسمّى بالإسلام السياسي في العالم العربي والإسلامي، ومن الطبيعي أن تعود هذه التيارات للانقضاض على الإسلاميّين عقب فشلهم في بعض المواضع والمواقف والمشاريع، لهذا نجد اليوم أنّ المشهد بات منقلباً تقريباً، فبعد أن كان المدّ الإسلامي منذ الخمسينيّات يقف موقف الهجوم والتقدّم في مقابل التيارات اليساريّة والعلمانية ثقافيّاً، صرنا منذ التسعينيات نواجه حالةً عكسيّة، حيث صار الإسلامي في موقع الدفاع ثقافيّاً، ويطلب منه في كلّ يوم أن يدافع عن فكرةٍ هنا أو هناك في منظومته الفكرية والثقافية والدينية. هذا التحوّل هو أمر واقع لا يمكن تجاهله، لاسيما بعد إخفاق الكثير من الحركات الإسلاميّة في ممارسة الفعل السياسي والاجتماعي والاقتصادي أيضاً، حتى بات التيار غير الإسلامي يحاول في كلّ صغيرة وكبيرة أن يصوّر التيار الإسلامي بمشهد الصورة السلبيّة، وكأنّ الدين والإسلاميّين لم تعد لهم أيّ حسنة تُذكر على الإطلاق، وهو ما يشبه نشاط الحكّام ورجال الأمن والاستخبارات في عالمنا العربي، فعندما تعصف بالبلاد موجةٌ من الاغتيالات والتفجيرات والتخريب الأمني، ثم يلقى القبض على شخصٍ أو مجموعة، فإنّ أدبيات الثقافة السائدة هي أن نقول للناس بأنّ الذي ألقينا القبض عليه هو الذي يتحمّل كلّ مسؤوليات الخراب في المجتمع، وبهذه الطريقة نريح الناس ونرتاح ونضع كلّ المشاكل على كتف ذاك الشخص، وكأنّه لا مشاكل أخرى أتت منّا، وهو ما دفع ببعضهم ـ ساخراً ـ إلى شكر الله على وجود الكيان الصهيوني؛ حيث إنّ كلّ ألوان فشلنا يمكننا أن نضعها في مسؤوليّته ونبرأ أنفسنا من كلّ تقصير!!! فالقضيّة في الحقيقة صراعٌ آخر على السلطة في العالم العربي والإسلامي بين الإسلاميّين والعلمانيين، وليست مسألة فكرية محضة، الأمر الذي تأكّد في أحداث مصر وتونس عقب ما سمّي بالربيع العربي.

يضاف إلى ذلك ظهور التيارات النقديّة داخل الحالة الإسلاميّة في العالم الإسلامي، والتي بدأت تعيد النظر في منطومة التفكير الديني عند الإسلاميّين، فيما تراه السبيل الأفضل للنجاح والتقدّم في المرحلة الراهنة، وقد أدّى ظهور هذه المدرسة النقديّة بفروعها (على مستوى العلوم العقدية والشرعية والقرآنية والحديثية، وعلى مستوى نظرية العمل السياسي) إلى قلق داخلي بين التيار الإسلامي نفسه، وعقّد المشهد أكثر فأكثر.

3 ـ هذا الوضع الجديد لم يتم تلقيه من قبل التيارات الإسلاميّة الرسمية بتفهّم منشود، فقد اعتبر ظاهرةً شاذّة، وأمراً غريباً، ولم يدرس الواقع العربي والإسلامي بوعي دقيق لنعرف أنّ هذه الظواهر متوقعة جدّاً في ظلّ الإخفاقات المتزايدة في العالم العربي، وبدل أن تُعقد اللقاءات لدراسة الآليّات الأفضل في مواجهة الوضع الحالي وتخطّيه، شهدنا أنّ بعض الكبار في التيارات الإسلاميّة عامّة فضّل أسلوب الردّ القاسي، فاتخذ سلاح الفتوى والتكفير والتضليل والتفسيق والردّة والرجوع للمحاكم القضائية وغير ذلك بوصفها أساليب لمواجهة الأفكار اللادينية أو الأفكار الدينية المختلفة مع التيار الرسمي الذي يمسك بأغلب الأمور، وبهذا صارت طريقة تعاطي الكثيرين في التيار الإسلامي مع الظاهرتين الجديدتين المشار إليهما هو بنفسه مادّة لإثبات عقم التجربة الإسلاميّة، وأنّها تجربة فاشلة قمعيّة فارغة الخطاب إلا من السباب والتفسيق والتجهيل والنبذ والإقصاء وغير ذلك من الأمور التي بات الإنسان المسلم والعربي يراها مظاهر فشل في المشروع الفكري والثقافي ويئنّ من وطأتها. لقد كان أداء التيار الإسلامي ورموزه العلمائية فيه سلبيّاً في غير موقع، رغم أنّه كان جيداً في مواقع أخر، فلم نجنِ من وراء هذه السياسة (الاستراتيجيّة) سوى المزيد من التقهقر الداخلي لأوضاع التيّار الإسلامي، وسوى تقديم دليل إضافي للتيارات اليساريّة والعلمانية على فشل الإسلاميّين وعدم تمايزهم عن سائر الحكّام المستبدّين في العالم العربي لو قيّض لهم ممارسة السلطة.

ولم تقف بعض الجهات الإسلامية عند هذا الحدّ، بل استخدمت العنف الجسدي بالضرب والسجن والنفي والتصفيات الجسديّة في غير موقع بحقّ خصومها كما في مصر وغيرها، ما زاد الأمر تعقيداً وخلق مظلوميّات رمزية للأطراف الأخرى تعيد ذكر اسمها في كلّ مناسبة ومحفل لمن يراجع أدبيات تلك التيارات.

هذا الوضع المتزايد في القهر والعنف الخطابي والعملي، تحت إشراف أجهزة الاستخبارات العربية وغيرها، ولّد جيلاً عنيفاً معادياً للدين القائم أمام عينيه، فارتفعت حدّة ونبرة الخطاب المعارض للدين من خلاف فكري إلى لغة عنيفة وصادمة ومعادية لأكبر القيم الدينية، مستخدمةً كلّ أساليب السخرية والتوهين والاستهزاء والنقد.

هذا المشهد بصورته الموجزة للغاية من الضروري أن نجلس لنتأمّل فيه وتُدرس الأمور بعقليّة استراتيجية في المواجهة، لا بعقلية بدائية قروسطية ما قبل تاريخية كما يفعل الكثير من الشيوخ والخطباء ومنبريّو الفضائيّات في غير بلد عربي ومسلم. ورغم الدعوات لتطوير المؤسّسة الدينية تطويراً يجعلها تفكّر بطريقة استراتيجية وبأفق مفتوح على المنطقة وتحوّلاتها، لكنّ تغييرات أقلّ من ذلك بكثير ظلّت أمراً صعباً للغاية في هذه المؤسّسة مع الأسف الشديد، وفي ظنّي أنّ الحال شيعيّاً ـ إذا أردنا أن نتكلّم بتمييز طائفي وليس بانحياز طائفي ـ أحسن بكثير من الحال سنيّاً، رغم سلبيّاته الكثيرة.

وفي هذا السياق، يجب دراسة الظواهر التي أشرتم إليها في السؤال، ففتاوى التضليل والتكفير والتبديع والردّة والأحكام القضائية في غير بلد مسلم ضدّ الرموز الثقافية والأدبيّة، هي ـ في الغالب ـ مظهرٌ للفشل الذريع للمؤسّسة الدينية بعنوانها العام؛ لأنّ هذه المرحلة لا يمكن أن ينفع فيها مثل هذه الطريقة؛ لأنّ هذه الطريقة ستكرّس المشكلة ضدّ التيار الديني، ولن تلغيها، لاسيما عندما تصبح هذه الشعارات التضليليّة والتفسيقية مستخدمةً بطريقة مبتذلة للغاية، نازلةً بأبّهة الفتوى وهيبتها إلى مستوى ضحل، فبعد أن كانت الفتوى لا تطلق إلا لمواجهات استثنائية ذات تأثير على مفاصل تاريخية مهمّة، ها هي اليوم تطلق في حقّ حملة تذهب للحج، أو عالم تحرَّم الصلاة خلفه، أو مسلسل تلفزيوني لا يجوز مشاهدته، أو كتاب أو مجلّة يحرم تداولهما في عالمٍ لم يعد يعرف حواجز المعلوماتية.

طبعاً أنا أقوم الآن بتقييم أداء شريحة كبيرة من الإسلاميّين، وليس كلّ الإسلاميين بالتأكيد، كما لا يعني ذلك أنّ أداء التيارات اليسارية والعلمانية كان نزيهاً، فلديّ الكثير من الملاحظات عليه، لكنّني أتحدّث في هذه اللحظة عن هذا المشهد من الصورة، فأرجو التنبّه لهذا.

ضمن هذا السياق، يأتي تقييم ظاهرة الكلمات التي تعبّر عن إهانات، وينبغي في البداية التمييز بين ظاهرتين: النقد وإبداء عدم الاعتقاد من جهة، والتجريح والتجديف والإهانة من جهة أخرى، فإذا أخذنا الإهانة والسبّ فإنّ من الطبيعي أن يجرّم فاعل ذلك؛ لأنّ هذا الفعل جرميّ في الشريعة الإسلاميّة وفي العرف والقانون، وأمّا حجم هذه الجريمة وهل يبلغ حدّ القتل والاتهام بالردّة فهذه مسألة خلافيّة بين الفقهاء. إنّني أعتقد بأنّه من الضروري أن تكون هناك قوانين تمنع وتجرّم إهانة كبرى المقدّسات الدينية عند المسلمين؛ لأنّ هذا الأسلوب غير أخلاقيّ وغير نزيه حتى لو راج في الغرب، فليس الغرب معصوماً حتى نتّبعه في كلّ ما بات عنده بديهيّاً، ولا ينبغي أن نكون محبطين إلى حدّ ما أسمّيه بنظريّة (التحسين والتقبيح الغربيين)، والتي تهيمن على أجيالنا الصاعدة، فما حسّنه الغرب فهو حسن، وما قبّحه فهو قبيح، لا لشيء إلا لأنّ الغرب حسّنه أو قبّحه!

لكنّ المشكلة في فهم الإهانة والسبّ والتجريح، وتحديد مديات وحدود هذه المفاهيم، فإنّ واقعنا الحالي المتشنّج باتت تلتبس الأمور فيه حدّاً تتداخل المفاهيم وتتواشج، ولم تعد هناك حدود فاصلة بينها، فلو قال شخصٌ: أنا أحترم النبيَّ لكنّني أخطّئه في الأمر الفلاني من أمور الحرب والسياسة، عدّ ذلك إهانة وتجديفاً، مع أنّ هذا التعبير ليس فيه إهانة بحسب ذاته حتى لو كان خاطئاً. إنّ سلبيات الواقع الإسلامي خرقت كلّ الحدود المفاهيمية للأفكار والمقولات، فاختلط كلّ شيء بكلّ شيء، ففي المقابل لو صدرت من شخص إهانة حقيقية بحقّ النبي جارحاً مشاعر مليار مسلم، لسمعنا فريقاً يتحدّث عن الحريّات. فكثير من أساليب التعبير العادية يعدّها بعض إهانة بسبب الجوّ المتشنّج، فيما يراها بعض أمراً عادياً، والعكس صحيح، ففي المثال الذي ذكرتموه حول الكاتب الكويتي الدكتور أحمد البغدادي في تعبيره بكلمة الفشل، نحن نجد قلقاً عامّاً، وإلا فهذا التعبير يمكن أن يكون من وجهة نظر أخرى أمراً غير مهين للدين، وعلى سبيل المثال فقد استخدم الإمام محمد باقر الصدر رحمه الله ـ وهو العالم الديني المحافظ المتديّن الإسلامي المعروف ـ نفس هذه التعابير في حقّ من يراهم معصومين كالنبي عنده، لكن في تلك الفترة حيث لم تكن درجة الحساسيّة عالية، ولم تقع الأمور في سياق تصفوي وتصارعي بين التيارات، مرّت هذه التعابير بطريقة عادية، ولكنّها اليوم وبسبب الجوّ الخانق تصبح ذات دلالات سلبيّة، إنّ محمد باقر الصدر يقول: (..وإذا أردنا أن نمسك بخيوط الثورة الفاطميّة من أصولها ـ أو ما يصحّ أن يعتبر من أصولها ـ فعلينا أن ننظر نظرةً شاملةً عميقةً لنتبيّن حادثين متقاربين في تأريخ الإسلام؛ كان أحدهما صدىً للآخر وانعكاساً طبيعياً له، وكانا معاً يمتدّان بجذورهما وخيوطهما الأولى‏ إلى‏ حيث قد يلتقي أحدهما بالآخر، أو بتعبيرٍ أصحّ إلى النقطة المستعدّة في طبيعتها إلى‏ أن تمتدّ منها خيوط الحادثين. أحدهما: الثورة الفاطميّة على الخليفة الأوّل التي كادت أن تزعزع كيانه السياسي، وترمي بخلافته بين مهملات التأريخ. والآخر: موقف ينعكس فيه الأمر فتقف عائشة أمّ المؤمنين بنت الخليفة الموتور في وجه عليّ‏ زوج الصدّيقة الثائرة على‏ أبيها. وقد شاء القدر لكلتا الثائرتين أن تفشلا مع فارق بينهما مردّه إلى‏ نصيب كلّ منهما من الرضا بثورتها، والاطمئنان الضميري إلى‏ صوابها وحظّ كلّ منهما من الانتصار في حساب الحقّ الذي لا التواء فيه، وهو أنّ الزهراء فشلت‏ بعد أن جعلت الخليفة يبكي ويقول: أقيلوني بيعتي، والسيدة عائشة فشلت‏ فصارت تتمنّى‏ أنّها لم تخرج إلى‏ حرب ولم تشقّ عصا طاعة) (فدك في التاريخ: 47 ـ 48)، ويقول أيضاً: (وقد فشلت‏ الحركة الفاطمية بمعنىً ونجحت بمعنى‏ آخر. فشلت لأنّها لم تطوّح بحكومة الخليفة رضي الله عنه في زحفها الأخير الخطير الذي قامت به في اليوم العاشر من وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله. ولا نستطيع أن نتبيّن الأمور التي جعلت الزهراء تخسر المعركة، غير أنَّ الأمر الذي لا ريب فيه أنّ شخصيّة الخليفة رضي الله عنه من أهمّ الأسباب التي أدّت إلى‏ فشلها؛ لأنّه من أصحاب المواهب السياسية) (فدك في التاريخ: 96). ويقول أيضاً: (وعلى سبيل الإجمال، يجب أن نعلم بأنّ عليّاً عليه السلام لم يكن رئيساً ولا كان قاصراً أو مقصّراً حينما فشل؛ لأنّ كلَّ هذا غير محتملٍ، خصوصاً وأنّ النبي صلّى الله عليه وآله وهو قمّة النشاط والحيويّة والجهاد، ومع ذلك واجه هذه المشاكل والصعاب تجاه تشريع هذا الحكم) (أئمة أهل البيت: 225)، ويقول: (هذه العوامل كلّها اشتركت في سبيل أن تجعل موانع قويّةً جدّاً، هذه الموانع اصطدم بها النبيُّ صلّى الله عليه وآله عند تشريع الحكم، واصطدم بها عليُّ بن أبي طالب عليه السلام عند محاولة تطبيقه، وعند محاولة مقابلة الانحراف وتعديل التجربة وإرجاعها للوضع الطبيعي، ولهذا فشل في زعزعة الوضع القائم بعد النبي صلّى الله عليه وآله. وفي ذلك الحين بدأ خطّه الثاني، وهو خطّ تحديد الإسلام في إطاره الصحيح الكامل، وتحصين الأمّة، وجعلها قادرةً على مواصلة وجودها الإسلامي) (أئمّة أهل البيت: 233)، ويقول: (وهذا هو الذي يفسّر لنا أنّ عليّاً عليه السلام بعد أن فشل في تعبئته الفكريّة عقيب وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله لم يعارض أبا بكر وعمر معارضةً واضحةً سافرةً طيلة حياتهما) (أئمّة أهل البيت: 246).

فلاحظوا كيف أنّ إسلاميّاً صلداً مثل الصدر لا يجد حزازةً في استخدام هذه التعابير، لكنّ طبيعة الظروف القائمة اليوم تفرض حساسيّات خاصّة في الأمر توجب اضطراب وجهات النظر في هذا الموضوع، ولهذا تجد أنّ الكثير ممّا يقوله الإصلاحيّون الدينيّون اليوم بات يشكّل حساسيةً خاصّة، رغم أنّ التيارات الدينية الرسميّة نفسها قبل عقود كانت شخصيّاتها تطلق مثل هذه الأمور دون حساسية.

ولتجاوز مشكلة الاستنسابيّة والذاتية في هذا الوضع القائم، وتقييم هذا التعبير أو ذاك بوصفه إهانةً أو لا، يجب القيام بخطوات قانونيّة؛ لأنّ المشكلة في عدم وجود صيغ قانونية صارمة وواضحة لتمييز الأمور، وترك القضايا مفتوحة أحياناً على تجاذبات السياسة واستنسابات القضاة (المنحازين في بعض الأحيان)، وهذا ما لابد من وضع حلّ له ولو عبر:

أ ـ التداعي لمؤتمر فقهي قانوني لمنظمة المؤتمر الإسلامي، يدرس هذا الموضوع بطريقة تفصيلية، ليتوصّل إلى وضع بنود واضحة ومحدّدة فيه، وتشارك فيه التيارات الفقهية والدينية المختلفة بما فيها التيارات المتهمة بالعلمانية في الوسط الديني.

ب ـ التمييز بين حالات صدور الإهانة ومستويات إعلانها ووضع صيغ قانونيّة واضحة في هذا المجال.

ج ـ تبنّي هذه الصيغ الواضحة قانونيّاً من قبل الدول الإسلاميّة، واتخاذ قرارات جادّة في استقلال السلطة القضائيّة، وعدم تحويل مثل هذه القضايا إلى المحاكم أو القضاة المعروفين بالانحياز اليميني أو اليساري.

د ـ الكيل بمكيال واحد في هذه الأمور، فليس إذا صدرت بعض الأمور من أشخاص منتمين لتيارٍ ما، تمّ التهويل فيها، أمّا لو صدر شبيهها من تيار آخر يصار إلى غضّ الطرف عنه، فإنّ هذا يخالف عدالة الفتوى وعدالة القضاء، وقد رأينا مثل ذلك في عنوان إهانة المراجع، وهو العنوان الهلامي الذي يستخدمه الجميع، ففيما يُهان العلامة فضل الله أو الشيخ المنتظري أو السيد الشيرازي بأشدّ أنواع الإهانات، وهم مراجع يقلّدهم عدد كبير من الناس، ولا يصنف ذلك إهانةً، بل دفاع عن الدين، نجد أنّ شخصاً آخر لو أطلق عبارة عامّة بلا تسميات، أو جرّح بمرجعيّة أخرى اليوم في النجف أو قم، فإنّه يفهم منها الإهانة ويطلب اتخاذ إجراء، وتقوم الدنيا ولا تقعد! لا أريد الدخول في هذا الموضوع الذي يعبّر عن ازدواجيّتنا وكيلنا بمكيالين في أمور كثيرة، بقدر ما أريد أن يكون الحَكَمُ في هذه الأمور منصفاً ومحايداً أثناء حكمه.

 

إرسال

you should login to send comment link

جديد الأسئلة والأجوبة
  • تأليف الكتب وإلقاء المحاضرات بين الكمّ والنوعيّة والجودة
  • مع حوادث قتل المحارم اليوم كيف نفسّر النصوص المفتخرة بقتل المسلمين الأوائل لأقربائهم؟!
  • استفهامات في مسألة عدم كون تقليد الأعلم مسألة تقليديّة
  • كيف يمكن أداء المتابعة في الصلوات الجهرية حفاظاً على حرمة الجماعات؟
  • هل يمكن للفتاة العقد على خطيبها دون إذن أهلها خوفاً من الحرام؟
  • كيف يتعامل من ينكر حجيّة الظنّ في الدين مع ظهورات الكتاب والسنّة؟!
  • هل دعاء رفع المصاحف على الرؤوس في ليلة القدر صحيحٌ وثابت أو لا؟
الأرشيف
أرسل السؤال
الاشتراك في الموقع

كافة الحقوق محفوظة لصاحب الموقع ولا يجوز الاستفادة من المحتويات إلا مع ذكر المصدر
جميع عدد الزيارات : 36692212       عدد زيارات اليوم : 16112