السؤال: ما رأيكم بالحديث القائل: (كيفما تكونوا يولّى عليكم)؟ (Mustafa F. Al Mubarak).
الجواب: لعلّ هذا الحديث يشير إلى الحالة العامّة في المنطق الاجتماعي، حيث إنّ الناس وثقافتها وعاداتها وسلوكيّاتها وقناعاتها وأداءها العام بوصفها الظاهرة المجتمعيّة، هي التي تفرز السلطة التي تتولّى أمرها، فلو كانت هناك إرادة جمعيّة لتغيير المفاهيم، وفعلَ تحوّلٍ في الوعي والثقافة، فإنّ هذه الإرادة وهذه الصيرورة التغييرية سوف تلقي بظلالها على السلطة بوصفها ظاهرةً مجتمعيّة أيضاً ولو في مدّةٍ منظورة. وهذا لا يعني أنّه لا يكون هناك حالة تخرج عن هذا القانون نظراً لجور السلطة وفعل العنف منها؛ لأنّ هذه الأحاديث ـ كبعض الآيات ـ تُفهم في سياق التنظير للإطار العام الذي لا يمنع الاستثناء كما تحدّثنا غير مرّة عن هذا النهج في البيان العربي في الكتاب والسنّة.
وقد ورد مفهومٌ شبيه بهذا المفهوم في روايات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من أنّ ترك الناس للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يفضي بهم إلى تولية شرارهم عليهم، وهناك لا ينفع الدعاء، فعندما يكون المجتمع نقاداً مستنكراً فعلَ الانحراف والجريمة والظلم، مداوماً على ذلك جيلاً بعد جيل، فمن الصعب على الحاكم أن يمسك بهذا المجتمع ما لم يتهاون المجتمع نفسه ويسقط في تأثيرات مصالحه البعيدة عن الحقّ والقريبة من مصالح السلطة.
وهذا الحديث ـ الصحيح في مضمونه بهذا المعنى المشار إليه ـ لم أعثر على مصدرٍ له في كتب الإماميّة الحديثية، وقد ورد مرسلاً وبلا سند في بعض كتب أهل السنّة (انظر: السيوطي، الجامع الصغير 2: 294؛ والهندي، كنز العمال 6: 89)، لكن أسنده بعضٌ مثل محمد بن سلامة القضاعي (454هـ) إلى أبي بكرة، عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: (كما تكونون يولّى عليكم أو يؤمر عليكم) (مسند الشهاب 1: 336 ـ 337). وقد ضعّف هذا الحديث وسنده وفقاً لأصول النقد السندي عند أهل السنّة (انظر: الزيلعي، تخريج الأحاديث والآثار 1: 183؛ والفتني، تذكرة الموضوعات: 182؛ والمناوي، فيض القدير 5: 60؛ والبيهقي، شعب الإيمان 6: 23؛ والشوكاني، فتح القدير 2: 164؛ والعجلوني، كشف الخفاء 2: 126 ـ 127 وغيرهم).