السؤال: هناك زواج اسمه: (زواج الفصليّة)، أو (زواج الدية)، وهو عرفٌ عشائريّ يقوم على تزويج إحدى بنات العشيرة المعتدية للشخص المعتدى عليه أو أحد أقاربه، وذلك من أجل حقن دماء العشائر المتخاصمة، ومنعاً للثأر، وبدلاً عن دفع دية المقتول، وتعيش المرأة تبعاً لذلك تحت ضغط نفسيّ صعب جداً، يؤدّي في أغلب الحالات والأحيان إلى انتحار بعضهنّ، فلا أحد يحميهنّ، حتّى الأهل يقدّمون مصلحة العشيرة وحكمها على حياة بناتهنّ ومستقبلهنّ. ما هو الموقف الشرعي من هذا الزواج؟ (جاسم الساعدي، العراق).
الجواب: إذا كانت المرأة راضيةً بهذا الزواج، بصرف النظر عن الضغوط التي تمارس عليها، فإنّ هذا الزواج صحيح ولا مشكلة فيه، بل يمكن أن يكون مستحسناً إذا ما كان يفضي بالفعل إلى مزيد من توثيق عرى العلاقة بين العشائر وحقن الدماء. أمّا إذا لم تكن البنت راضيةً بذلك، بل كان هذا أمراً قهريّاً مفروضاً عليها، ولو من العرف العشائري، بحيث لا تريده فعلاً، فإنّ هذا العقد غير صحيح. وهناك وجهة نظر لبعض الفقهاء ترى أنّ هذا العقد ـ أي العقد الإكراهي ـ وإن لم يكن صحيحاً لكنّه لو رضيت الزوجة بعد ذلك وأجازت هذا العقد حكم بصحّته، وإن كان الأفضل تجديد العقد حينئذٍ، أي بعد رضاها.
وعلى أيّة حال، فمن وظيفة العلماء والمصلحين الاجتماعيين، وأهل الفكر والنظر، ورجال الثقافة والإعلام، وأهل الشرع والفتيا، وكذلك من وظيفة الخطباء وأهل المنبر وأئمّة الجمعة والجماعات، أن يوضحوا هذه الأمور في المجتمعات التي تحكمها ثقافة عشائريّة غير متناسبة مع الإسلام، فإنّ ثقافة العشائر على نوعين: منها ما هو إسلامي بامتياز، بل يمثل أرقى قيم تطبيق المفاهيم الإسلاميّة، ومنها ما هو غير إسلامي ولا يتناسب مع الشرع ولا العقل ولا القيم الأخلاقيّة السامية، وعلى العلماء وأمثالهم تركيز الجانب الصالح من الثقافة العشائريّة وترسيخه وتكريسه، والعمل ـ في المقابل ـ على مواجهة العادات غير الصالحة. أمّا السكوت والتغاضي فهو غير سليم، نعم لابدّ أن تكون الأساليب التغييرية مناسبة وعقلانيّة لا تفضي إلى نتائج سلبيّة أكبر.