السؤال: ذكرتم في بعض محاضراتكم أنّ السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ ميَّز بين نحوين من الاعتقادات: اعتقادات يُطلب المعرفة بها، وأخرى يراد عقد القلب عليها.. والسؤال هنا عن المائز المنهجي بين هذين النحوين؟ (رائد الصدر، من العراق).
الجواب: يذهب السيّد الخوئي في دراساته في حجيّة الظنّ في الأمور العقائديّة إلى التمييز بين نوعين من الاعتقادات:
النوع الأول: القضايا التي يجب معرفتها عقلاً، كمعرفة الباري، أو شرعاً كالمعاد الجسماني، وفي هذا النوع لا يكفي الظنّ أبداً؛ لأنّ المطلوب في هذه القضايا تحصيل العلم، والظنّ ـ مهما كان ـ لا يغدو علماً، وعلى تقدير عجز الإنسان عن الوصول إلى العلم لا يكلّف به؛ لاستحالة التكليف بغير المقدور.
النوع الثاني: القضايا التي يجب فيها التسليم وعقد القلب عليها، كتفاصيل البرزخ والمعاد، وهذا النوع من العقديات يبني الخوئي النتيجة فيه على بناءين في أصول الفقه، يمكن مراجعتهما في أبحاثه.
ويفرّق الإمام محسن الحكيم ـ تبعاً للشيخ الخراساني ـ بين العلم والاعتقاد وعقد القلب والتسليم، ويستدلّ على ذلك بقوله تعالى: وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوّاً..؛ حيث لا معنى للجحود مع حصول اليقين القلبي إلا التمييز بين الاعتقاد واليقين، أو بين العلم والتسليم، (انظر: حقائق الأصول 2: 211؛ ودرر الفوائد في الحاشية على الفرائد: 168 ـ 169؛ والمشكيني، حواشي الكفاية 3: 496 ـ 497؛ والإصفهاني، نهاية الدراية 2: 371 ـ 376).
أمّا كيف نعرف أنّ المسألة العقائديّة الفلانية ممّا يجب تحصيل العلم به أو مما يكفي عقد القلب عليه ولو عقداً إجماليّاً، فهذا من الموضوعات التي ترجع لعلم الكلام، ويتّبع فيها الدليل العقلي أو السمعي، فلم يقم دليل من العقل أو النقل على وجوب معرفة تفاصيل القيامة، فلو لم يعرفها الإنسان لا يكون قد أخلّ بفروض الطاعة للمولى سبحانه، وهنا بإمكانه أن يسلّم بما هي عليه ولو لم يعرفها تفصيلاً مثلاً، أمّا وجود الله تعالى فقد علمنا بحكم العقل ضرورة تحصيله، ولو بناء على القول بوجوب شكر المنعم عقلاً، فيجب معرفته لتحقيق شكره مثلاً، وهكذا، فالمسألة تابعة للدليل الذي يبيّن لنا الأمور.