الجواب: إنّ ما ذهب إليه مشهور الفقهاء هو أنّه يجب إزالة الحاجب عن أعضاء الوضوء والغسل، ليصحّ وضوء الإنسان وغسله، ولا فرق عندهم في ذلك بين الحاجب الكبير والصغير واللاصق والمنفصل كالسوار، فكلّ هذا عندهم ممنوع يجب رفعه قبل الوضوء، وإلا فلو كان على أعضاء الوضوء أو الغسل حاجبٌ يمنع وصول الماء ولو إلى مقدار رأس إبرة من البشرة، بطل الوضوء والغسل، وبطلت تبعاً لهما الصلاة.
أمّا العلامة فضل الله رحمه الله، فذهب إلى التفصيل بين الحاجب اللاصق الذي يلحق بالبدن كالطلاء الذي تضعه النسوة على أظافرهنّ، فحكم بجوازه، بمعنى أنّه لا يُبطل وجودُه الوضوءَ، فهو ملحقٌ باليد، وبين الحاجب المنفصل كالسوار والساعة في اليد لو كانتا تمنعان وصول الماء إلى ما تحتهما مثلاً، فهذا لا يجوز عنده، بمعنى أنّ وجوده يبطل الوضوء.
أمّا دراساتي حول الموضوع، والتي نشرت في كتابي المتواضع (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 3: 193 ـ 228)، فقد توصّلت إلى رأي يخالف الرأيين المتقدّمين، فما خَرَجَت به هذه الدراسة هو التمييز في الحاجب بين ما يعدّ عرفاً ـ بحسب حجمه وسماكته ـ موجباً لعدم صدق غسل اليد، وبين ما لا يعدّ كذلك:
أ ـ ففي الحالة الأولى (ما يكون الحاجب فيه كبيراً بملاحظة مجموع مساحته وسماكته وحجمه) يكون الوضوء والغسل باطلين؛ لأنه يرجع إلى عدم صدق الغسل عرفاً، وهو المأمور به في الكتاب والسنّة.
ب ـ أمّا في الحالة الثانية (كون مقدار الحاجب بسيطاً مع الأخذ بعين الاعتبار حجمه وسماكته) فيصحّ الوضوء والغسل.
سواء كان الحاجب في الحالتين المتقدّمتين متصلاً أم منفصلاً، فالمعيار هو صدق الغسل عرفاً، لا صدق الغسل فلسفيّاً ودقيّاً، فلو وضعنا مقداراً بسيطاً من الحبر على اليد بحيث لا تتجاوز مساحته رأس الإبهام مثلاً، فهنا لا يقول العُرف بأنّنا لم نغسل يدنا، بل يقول: فلانٌ غسل يده، أو غسل بدنه، ولو كان العرف مطلعاً على وجود مقدار بسيط من الحبر على يده، فيصحّ الوضوء سواء كان العازل هنا حبراً أو طلاءً أو حتى أمراً منفصلاً غير متصل بالجسم، أمّا لو وضعنا كميّةً من الطلاء السميك الذي يوضع على الجدران في البيوت، بحيث غطى كفّنا كلّه مثلاً، أو وضعنا ما يشبه الجبيرة على قدمنا ومسحنا عليه، ففي هذه الحال لا يقال بأنّه تمّ غسل اليد كلّها عرفاً، كما لا يقال بأنّه تمّ مسح القدم عرفاً، فيبطل الوضوء.
هذا هو المعيار، ولو شككنا في أنّ الحاجب هل بلغ ـ بحسب مساحته ونوعه ـ مبلغ أن يكون مبطلاً للوضوء ومانعاً عرفاً عن صدق غسل اليد، فهنا يلزم رفعه، لتحصيل فراغ الذمّة اليقيني عن التكليف المأمور به يقيناً وهو غسل الأعضاء.
فهذه الدراسة تلتقي مع دراسة العلامة فضل الله في مخالفة المشهور الذين أبطلوا الوضوء بوجود مطلق الحاجب، ولكنّها تختلف عنها في الزاوية، ففيما جعل العلامة فضل الله التمييز بين اللاصق وغيره، جعلت هذه الدراسة المتواضعة التمييز وفقاً لمعياريّة صدق غسل اليد عرفاً، وجعلت هذا التمييز راجعاً إلى كميّة الحاجب ومساحته وسماكته، لا إلى الانفصال والاتصال؛ لأنّها رأت أنّ الاتصال والانفصال ليسا هما المعيار في صدق عنوان الغسل والمسح عرفاً، بل المعيار تدخل فيه عناصر مساحة الحاجب وكميّته وسماكته معاً، والعبرة على أيّة حال بالعرف الذي هو المرجع في صدق عنوان غسل الوجه أو اليد أو البدن، ولهذا فأغلب حالات الحاجب التي يبتلي بها الناس ـ وليس جميعها ـ ليست مضرّةً من الناحية الشرعية بالغسل والوضوء وفقاً لهذه الدراسة. والعلم عند الله.
السلام عليكم سماحة الشيخ حفظكم الله
بعد الاطلاع على جوابكم الكريم هذا هنا لدينا عدة اسألة:
أولاً أنَّ الروايات صرحت بوجوب غسل البشرة فما الدليل على جواز غسل الحاجب باي مقدار كان؟
ثانياً: ما دخالة العرف في مسألة فقهية تعبدية، أي أن النص الشرعي حدد كيفية الغسل وطريقته وحدوده، فالمسألة ليست عرفية، فكيف ارجعتم ذلك الى العرف؟
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير