السؤال: سؤالٌ يراودني ولم أجد له إجابة: لو أنّ إبليس سجد لآدم عليه السلام، ماذا كان سوف يحصل؟ وكيف كانت سوف تكون الصورة؟ وهل كان الاختبار سوف يكون كما هو عليه الآن؟ (حسن الموسوي، لبنان).
الجواب: تارةً نبني على أنّ قصّة آدم وإبليس والجنّة والهبوط رمزيات تعبّر عن عناصر الوجود (الله ـ الملائكة ـ الإنسان ـ الشيطان ـ الجنّة ـ الأرض)، وهي تريد أن تربط بين هذه العناصر عبر قصّة تكشف الأدوار، فدور الله هو الخلق والتوجيه والحكم، ودور الملائكة هو الطاعة وأنموذج الصلاح، ودور الإنسان هو الصراع القائم بين الخير والشر، ودور الشيطان هو الشرّ في مقابل الدور الإلهي الداعي إلى الخير الممكن والمتمثل في الملائكة، ودور الجنّة هو الحياة المثلى، ودور الأرض هو الحياة الدنيا القائمة على الاختبار والامتحان.. إذا فهمنا القصّة كلّها بهذه الطريقة الرمزية فلا محلّ لسؤالكم، وقد فهمها بعض العلماء بهذه الطريقة أو احتمل فهمها بهذه الطريقة مثل العلامة الطباطبائي وغيره.
أمّا لو فرضت القصّة واقعيّةً تماماً، فقد يكون الجواب: لو لم يحصل ما فعله إبليس وآدم لربما ما كنّا على الأرض الامتحانية، لكن لا أدري ما الذي كان يمكن أن يقع، ولماذا السؤال عمّا لم يقع؟ فمثل هذا السؤال الكثير من الأسئلة، ماذا لو لم تكن غريزة الجنس موجودة في الإنسان هل كانت ستقع بعض المحرّمات؟ وماذا لو كان الإنسان بلا عينين؟ كيف كانت ستكون الأمور؟
لكن مع ذلك أعتقد أنّ سؤالكم ليس هنا، لأنّ الأولى بنا أن نشتغل على ما ينبغي فعله، لا على ما يمكن أن نعلمه عما لم يقع، ولو وقع كيف كان سيقع، وعقارب ساعة الزمن لن ترجع إلى الوراء.. لهذا أظنّ أنّكم تريدون أن تسألوا سؤالاً آخر: أليس من الظلم أن نتحمّل نحن مسؤولية خطأ ارتُكب في بداية الخلق؟
هذا السؤال يفترض أنّ آدم هو شخصٌ قام بفعلٍ ما أوجب نزولنا إلى الأرض، ولكنّه ـ أي السؤال ـ لم ينتبه إلى أنّ كلّ واحدٍ منّا هو آدم، فحتى لو لم يقع ما وقع من آدم كان سيقع ذلك من كلّ واحدٍ منّا، ولم يكن آدم سوى ممثّل رسمي عن النوع الإنساني في التجربة التي وقعت، كما أنّ إبليس لم يكن سوى ممثّل لكيان مخلوق كانت ستقع منه تلك المعصية لو لم يفعلها إبليس الأب إن صحّ التعبير. القضيّة ليست في أفراد، القضيّة في نوع، وليست قصّة آدم سوى حالة وقعت تعبّر عن ما سيقع من أبناء هذين النوعين (البشر والشياطين) في مسلسل وجودهما، فنزولي ونزولك الأرض حقّ ثابت علينا؛ لأنّنا لو كنّا مكان آدم كانت الأمور ستقع منّا بهذه الطريقة أيضاً، والدليل أنّها وقعت منّا في مواقع كثيرة امتُحنّا فيها، فهنا بدل أن نقول: ماذا لو لم يحصل ما حصل، علينا أن نعكس الأمر ونقول: ماذا لو كنّا نحن مكان آدم فما الذي كان يمكن أن يحصل؟ والجواب: إنّ ما يمكن أن يحصل هو عين ما حصل مع آدم؛ لأنّ آدم يمثل طبيعة النوع بما هي الحالة الغالبة أو الشاملة، والقصّة تريد أن توصل هذه الرسالة أيضاً، وتريد تنبيه بني آدم إلى أنّ ما حصل مع أبويكما يريد الشيطان أن يوقعه معكم فتنبّهوا، لأنّ القضيّة واحدة، والواقع يشير إلى غلبة عدم التنبّه في البشر وكثرة وقوع المعاصي في الخلق، فالمسألة ليست مسألة شجرة، وإنّما هي مسألة مثال لما يحصل معنا كلّ يوم، حيث توجد في داخلنا نوازع حبّ الخلود والبقاء والتعالي، فهذا المثال (الواقعي) الذي حصل بداية الخلق هو حالة مستمرّة لا حالة وقعت وانتهت، والكشف عن تلك القصّة يراد منه بيان الحالة المستمرّة أيضاً والتنبيه عليها، فكما نزل آدم من الجنّة إلى الأرض كذلك نحن بفعل المعصية سوف ننزل من الأرض إلى النار والجحيم، فالقصّة متشابهة تماماً، ولهذا لاحظوا أنّ القرآن الكريم تحدّث عن أنّه لمّا أخبر الله الملائكة بأنّه يريد جعل خليفة في الأرض استغربوا ذلك، مبيّنين ما الذي يمكن أن يقع من فساد وسفك دماء، فلم ينفِ الله لهم شيئاً ممّا توقّعوه، وإنّما تركهم بقوله لهم بأنّه يعلم ما لا يعلمون، فالفساد وقتل ابن آدم لأخيه نماذج وقائع الحياة المعاصرة، وليست قصصاً جزئيّة وقعت في التاريخ فقط. هذه محاولة افتراضيّة أوّليّة لا بأس بالتفكير فيها، والعلم عند الله.