#
|
العنوان |
تاريخ النشر |
التعليقات |
الزائرين |
ماذا تعني مقولة (العقل المستقيل)؟
السؤال: ماذا يعني الأستاذ الشيخ حيدر حبّ الله بمصطلح (العقل المستقيل) الذي يستخدمه في بعض بحوثه ومقالاته؟ (رائد الصدر، السعودية).
الجواب: مصطلح العقل المستقيل يشتهر انتسابه في الثقافة العربيّة المعاصرة إلى المفكّر العربي المغربي الدكتور محمد عابد الجابري رحمه الله، حيث تحدّث عنه في مشروعه في نقد العقل العربي، وهو ذلك العقل الذي لا يسعى لإتعاب نفسه في القضايا الكبرى، ولا يحاول اختراق المسلّمات التي يستدعي اختراقها سلسلة من النتائج المضنية فكريّاً لإقامة بدائل معرفيّة عنها، ويبتعد عن التفكير في اللامفكّر فيه وفي المحرّمات الفكريّة التي يستدعي التفكير فيها متاعب ومصاعب، ويحاول أن يعتمد على غيره لا على نفسه، مثل الكشف القلبي أو النصّ التاريخي. وهو يتجلّى أحياناً في الركون إلى المقولات التي تعتمد على عقول الآخرين ممّن مضى ـ كما في العقل المستقيل الديني حيث مقولات الإجماع والشهرة والسيرة وسنّة السلف وغير ذلك ـ أو ممّن هو حيّ، كما في حالة النقّاد العرب والمسلمين الذين ينتقدون الغرب عبر جهود الغرب النقدية لنفسه، فيأخذون من التيارات الغربية المختلفة انتقاداتها لنفسها ولبعضها ثم يصوغون هذه الانتقادات وكأنّها مشروع عربي أو إسلامي لنقد الغرب. وبعبارة أخرى: العقل المستقيل هو العقل الذي قدّم استقالته من وظيفته الإبداعيّة والنقديّة وبات عاطلاً عن العمل تقريباً، وسلّمها لجهات أخرى، في مقابل العقل المستقل والمبدع والعامل.
وهناك معركة فكريّة حول الأسباب التي أدّت إلى خروج العقل الإسلامي والعربي من حالة الفعل والإبداع إلى حالة الاستقالة، فهل الأسباب خارجيّة كتأثيرات العقل الغنوصي والهرمسي والصوفي والإشراقي على العقل العربي كما كان ينتصر لذلك الدكتور الجابري نفسه فيما كان يسمّيه تيار اللامعقول أم هي عوامل داخليّة؟
وقد انتقدت نظرية العقل المستقيل التي طرحها الجابري من قبل كثيرين، كان من أبرزهم المفكّر العربي السوري الدكتور جورج طرابيشي، حيث صدر له عن دار الساقي عام 2004م كتاباً مستقلاً حمل عنوان (العقل المستقيل في الإسلام)، واعتبر فيه أنّ مقولة الجابري في تحميل الاستقالة للغزو الخارجي المشار إليه هي ترديد لمقولات المستشرقين وأنّها تحتاج إلى إعادة نظر.
وعليه، فعندما نستعمل هذه المفردة في المعنى العام فنحن نشير إلى العقل الذي يحاول ترك مهمّة التفكير والنظر والمعرفة لغيره من عقول الآخرين أو من الوسائل المعرفيّة الأخرى، ويغلب عليه التقليد والاتّباع دون التجديد والإبداع.