السؤال: يقال بأنّ سرّ تشريع تعدّد الزوجات هو تحقيق التوازن بين عدد الذكور والإناث، كما يقول البعض، فإذا كان الأمر كذلك، فلابدّ من الدعوة إلى تعدّد الأزواج في المجتمعات التي تتزايد فيها أعداد الإناث على الذكور مثل (الهند). هل صحيح هذا النمط من الاستنتاج؟
الجواب: هذه الفكرة شاعت وعلى نطاق واسع منذ مطلع القرن العشرين وإلى يومنا هذا، بوصفها تبريراً لتشريع تعدّد الزوجات في الفقه الإسلامي. وأضع الأمر أمام فرضيّتين، دون أن أحكم على الذين قالوا هذه الفكرة بأنّ كلماتهم تريد الفرضيّة الأولى أو الثانية:
أ ـ أن يقصدوا ممّا قالوه أنّ هذه هي علّة الزواج المتعدّد في الشريعة، وأنّ هذا هو السبب الأوّل والأخير، وأنّهم بذلك يريدون إفحام منكري هذا الزواج ليصحّحوا تشريعه بالمطلق، فإذا كان هذا هو مقصودهم فما يبدو لي هو أنّه غير صحيح، فقد لاحظنا أنّهم اعتمدوا على معطيات أوّليّة، في حين أنّ مراجعةً بسيطة للأوضاع السكّانية في العالم ـ ويمكن مراجعة ما تنشره المؤسّسات الدوليّة في هذا الإطار، وهو موجود على الشبكة العنكبوتية (الأنترنت) ـ يؤكّد أنّه لا يوجد قانون موحّد لمسألة النسبة بين عدد الذكور والإناث، بل تختلف من منطقة إلى أخرى، ومن بلد إلى آخر، ومن ظرفٍ زمني إلى آخر، الأمر الذي يلزمهم أن يغيّروا هذا الحكم تبعاً لتغيّر الأوضاع، لو كانت هذه هي علّة الحكم وفلسفته الجوهريّة.
ب ـ أن يقصدوا مجرّد القول بأنّ تعدّد الزوجات في المجتمعات التي يكون فيها عدد الإناث أكبر من عدد الذكور ـ إلى جانب تقدّم الإناث في البلوغ الجنسي زماناً على الذكور ـ هو تشريعٌ معقول، فلا نقول بأنّ تعدّد الزوجات كان لأجل هذا الأمر، بل نحاول أن نقول بأنّ تعدّد الزوجات يغدو تشريعاً اجتماعيّاً معقولاً في حالات من هذا النوع. فإذا قصدوا ذلك فهذا أمر معقول، ويمكن تبنّيه، شرط أن ندرس التأثيرات الأخرى لظاهرة تعدّد الزوجات؛ لنوازن ونقارن بين الآثار الإيجابية والسلبيّة له ما دام البحث قائماً على التعقيل وعلى محاولة تقديم تحليل عقلاني.
وفي الحالة الثانية، فإنّ المدافع عن تعدّد الزوجات لا يريد سوى أن يحطّم الجدار المرتفع بين الآخرين وتعدّد الزوجات، فهم يرفضون هذا المبدأ بالمطلق، ونريد أن نقنعهم بأنّ هذا الرفض المطلق غير مبرّر. ولا نريد أن نثبت لهم صحّة الترخيص المطلق، بل نريد إثبات بطلان الرفض المطلق، فعندما نعطيهم حالات يكون فيها الإناث في المجتمع أكثر من عدد الذكور بنسبة عالية، وأنّ هذه الحالات سوف تفضي ـ لو لم نشرّع تعدّد الزوجات ـ إلى خلق مشاكل اجتماعية ونفسيّة عميقة، نكون قد نجحنا في إقناعهم بأن يفتحوا كوّةً في جدار الرفض، ليقبلوا ولو في بعض الحالات بأنّ تعدّد الزوجات يمكن أن يغدو تشريعاً معقولاً لضمان سلامة الاستقرار الاجتماعي في بلدٍ ما ضمن ظرفٍ ما.
إذن، فهذه الفكرة تنفع في مجال محدود لكسر حدّة الرفض، لكنّها غير قادرة ـ لوحدها ـ على أن تثبت معقوليّة تشريع تعدّد الزوجات دائماً، فضلاً عن أن تبرّر لنا السبب في الوقوف عند أربعة وعدم كون الرقم أقلّ أو أكثر كما هو المعروف في الفقه الإسلامي، وهي لا تشرح لنا أيضاً سبب تحريم الإسلام لتعدّد الأزواج لو كان الذكور أكثر عدداً من الإناث في مجتمعٍ ما في زمانٍ ما.
إذن، ما هو رأيكم في هذه القضية المعقدة؟؟ كيف نفهم أو نعقّل موقف الشريعة من ذلك؟؟؟ ما هو التحليل العقلاني لتعدد الازواج؟؟؟