السؤال: يجعل بعض العلماء من شواهد وضع الحديث وكذبه أن يعطي ثواباً عظيماً على أمر بسيط، لماذا نستغرب من أن يعادل عملٌ صغير كذا وكذا من الثواب والأعمال، مع أنّ القرآن يصرّح بأنّ ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر؟ (كامل).
الجواب: أولاً: ليس هناك مانع من أن يكون العمل الصغير موجباً لثواب كبير عند الله، فالله هو المتفضّل على عباده بالثواب، لكنّ المستغرب هو أن يكون العمل الصغير موجباً لثوابٍ يفوق العمل الكبير أو لثوابٍ خياليّ، كأن يقول: من قال كذا وكذا، كان له أجر جميع الأنبياء، أو كان له ثواب جميع الشهداء، فكيف يعقل هذا دون استخدام تأويلات غير مستساغة؟ وكيف يفسّر؟ أو كأن يأتي حديث ويقول: من ذكر هذا الدعاء بعد الصلاة لعشرة أيام وجبت له الجنة، فإنّ ثبوت الجنة له لأجل مثل ذلك أمرٌ خيالي غير معقول. ولهذا لا نجد مثل هذه النصوص في القرآن الكريم، بل قارن بين هذا الحديث مثلاً وبين الثقافة التي يبنيها القرآن الكريم بقوله: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت: 2 ـ 3)، وبقوله سبحانه: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة: 214)، وبقوله عزّ من قائل: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران: 140 ـ 142)، ولو تأمّلنا قليلاً في الثقافة القرآنية فهي تريد أن ترفض أسلوب إعطاء القيمة والدرجة الواحدة بين سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام وبين الجهاد والقيام بالواجبات الدينية العظمى التي تحمل معاني التحدّي في الحياة، قال تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التوبة: 19 ـ 22)، فالقرآن في كلّ تفاصيله يقدّم التجربة الابتلائية التي تمنح الإنسان درجة الخلاص على أنّها تجربة تحدٍّ ومثابرة وجهاد ومصاعب، أمّا أولئك الذي يريدون نشر ثقافة الدخول للجنّة بمجرّد حبّ النبي أو حبّ الصحابة أو حبّ أهل البيت فقط وفقط مهما فعل الإنسان من أمورٍ أخرى، أو بمجرّد المحافظة على المراسم والطقوس التي تصدر منهم بلا صعوبة وإنّما عن طريق العادة الاجتماعية، وقد خلقوا على ذلك كلّه نتيجة وضعهم الاجتماعي، دون أن يركّزوا النظر على أدائهم الديني في مواقع الاختبار والامتحان، فإنّهم يبتعدون عن مقاصد القرآن الكريم، ويتشبّثون بالنصوص الحديثية التي غالبها ضعيف ويقدّم ثقافةً تعطيليّة. نعم هذه الأشياء لها عند الله ثواب كبير جدّاً، لكنّ وجود الثواب الكبير جدّاً أمر يختلف في الثقافة القرآنية عن دخول الجنّة والنجاح في تجارب الامتحان الدنيوية، فالحياة في القرآن تجربة وتحدّ وابتلاء، وكم رأينا من أشخاص حافظوا على الشكليّات لكنّهم سقطوا في أبسط الامتحانات الأخلاقيّة، وتخلّوا عن كثير من واجباتهم الدينية، فإذا أريد تبنّي هذه النصوص الحديثية بهذه الطريقة فهذا خلاف المحتوى القرآني، وإذا أريد تقييدها فليبيّن هذا التقييد، فإن كان عرفيّاً أمكن الأخذ بالحديث، أمّا إذا كان غير عرفي فإنّ هذه الأحاديث التي من هذا النوع ـ لا مطلق الأحاديث التي تفيد الثواب العظيم ـ يصبح التأكّد من صدورها مشكلاً بحسب فهمي القاصر.
ثانياً: إنّ الآية القرآنية التي أشرتم إليها لا علاقة لها بموضوعنا هنا، فهي تفيد أنّ هذه الليلة تفوق تلك الليالي بكثير، لا أنّ العمل في هذه الليلة يفوق أعمال كلّ شيء، فهذا لا تثبته هذه الآية الشريفة، فكأنّ العالم ـ بغيبه وشهوده ـ في هذه الليلة المباركة تعلَن فيه حالة الطوارئ ويحصل فيه ما لا يحصل في ألف شهر، من تنزّل الملائكة والروح ومن أنّه يفرق فيها كلّ أمرٍ حكيم، وأين هذا من أنّ المراد من الآية أنّ من يفعل فعلاً في هذه الليلة يكون له أجر ألف شهر؟! فليلاحظ جيداً فإنّ حديثنا خاصّ بالآية الكريمة.