السؤال: إنّ إيداع الأموال في البنوك والحصول نتيجة ذلك على الفائدة البنكية يحرّمه الفقهاء، وأنا هنا عندي سؤال فكّرت فيه كثيراً: لماذا يعتبر الفقهاء أنّ الإيداع في البنك شكلٌ من أشكال إقراض البنك؟ فنحن لو راجعنا لرأينا أنّهم يسمّون ذلك وديعة وإيداعاً، ولا يمكن لأحد أن يقول بأنّني أقرض البنك، بل أنا أودع مالي عنده، وأسمح له بالتصرّف فيه مقابل أن يحفظه لي؟ فلماذا يصرّ الفقهاء على تسميته قرضاً حتى تكون الفائدة نوعاً من الربا القرضي؟ (عادل، لبنان).
الجواب: لا يقبل الفقهاء أن تكون الودائع البنكية من أحكام الوديعة، بل يصرّون على اعتبارها قرضاً، والسبب في إصرارهم هو أنّ الوديعة لا تُخرج واقع المال عن ملك صاحبه، فيكون نماؤه وربحه له، مع أنّ المفروض هو أنّ نماء المال الحاصل بالتجارة سيكون للبنك، وليس للمودع سوى المال المخصّص له من البداية باسم الفائدة البنكيّة، وهذا خلاف الوديعة وحقيقتها المعامليّة وأحكامها، بل لا يمكن تفسيره إلا بكونه متناسباً مع القرض وأحكامه، ولو أنّنا استطعنا من البداية حلّ إشكاليّة الوديعة والقرض لارتفعت كلّ مشاكل البنك، لكنّ المشكلة تكمن هنا، ولهذا فإنّ تسمية الوديعة البنكية تسمية قانونية وعرفيّة، والفقهاء يصرّون على أنّها قروض من جميع الجهات، وإلا فلو كانت ودائع لحرم على البنك أن يأخذ أرباح هذه الودائع، بل عليه أن يعطيها بأجمعها لصاحب المال، وإذا أراد أن يأخذ شيئاً في مقابل عمله فسوف تكون المعاملة التي بينه وبين صاحب المال (المودع) هي ما يسمّيه الفقهاء بالمضاربة؛ لأنّ المضاربة تعبير آخر عن وضع رأس مال من قبل المالك عند عاملٍ يتاجر به، ويكون للعامل نسبة من الربح، فيما يكون الباقي للمالك صاحب رأس المال، فنحن في البنك إمّا أن نعتبر الودائع البنكية وديعة بالمصطلح الفقهي، فيلزم أن نقبل بعود كلّ رأس المال مع كلّ أرباحه إلى المودع، وهذا خلاف الواقع والمقصود في المعاملات التي تكون بين البنوك والمودعين، أو نعتبرها مضاربةً بمعنى أن يضع المودع المال عند البنك ليشتغل فيه ويأخذ مقابل عمله حصّةً من الربح، وهذا يلزم منه أن يكون ربح البنك وربح المودع تابعاً لما تنتجه العمليّة التجاريّة، فلو لم تنتج شيئاً لا يكون للاثنين شيء، وهذا أيضاً خلاف روح الإيداعات البنكية والفوائد المصرفيّة؛ لأنّ المفروض أنّ المودع يأخذ الفائدة على كلّ حال مهما كانت حالة الربح عند البنك أو درجتها ومعدّلها، فليس أمامنا إلا أن نعتبرها قرضاً، وبهذا تكون الفائدة البنكية تعبيراً آخر عن قرض من قبل المودع جرّ له نفعاً، وهذا هو الربا، ولهذا حاول الفقهاء المتأخّرون ابتكار تخريجات فقهيّة لهذه المعاملات تسمح بنتائجها القائمة اليوم، في الوقت عينه الذي تخرجها عن حالة القرض، وإلا فكونها وديعة ممّا لا يمكن الالتزام به فقهيّاً عندهم.