السؤال: قرأت جوابك عن ابن الزنا والأحكام المتعلّقة به، وقد ذكرت ـ كما لدى بعض الأعلام ـ أنّ شهادته لا تُقبل، السؤال: لمَ لا تقبل ما دام ثقةً عدلاً أميناً صادقاً؟ (عبد الله).
1 ـ خبر أبي بصير، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام: ولد الزنى أتجوز شهادته؟ فقال: «لا»، فقلت: إنّ الحكم بن عتيبة يزعم أنّها تجوز. قال: «اللهم لا تغفر ذنبه، ما قال الله عز وجلّ للحكم بن عتيبة: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾». (الكافي1: 40، و7: 395؛ وانظر: تهذيب الأحكام 6: 244).
2 ـ خبر محمد بن مسلم، قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: «لا تجوز شهادة ولد الزنا». (تهذيب الأحكام 6: 244؛ والكافي7: 395 ـ 396؛ وانظر: دعائم الإسلام 2: 511).
3 ـ صحيحة زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام، يقول: «لو أنّ أربعةً شهدوا عندي على رجل بالزنى، وفيهم ولد الزنى لحددتهم جميعاً؛ لأنه لا تجوز شهادته ولا يؤمّ الناس». (الكافي 7: 396؛ وتهذيب الأحكام 6: 244ـ 245).
4 ـ خبر الحلبي، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: سألته عن شهادة ولد الزنا، فقال: «لا، ولا عبد» (تهذيب الأحكام 6: 244).
5 ـ خبر العياشي، عن الحلبي، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: «ينبغي لولد الزنا أن لا تجوز له شهادة، ولا يؤمّ بالناس..». (تفسير العياشي 2: 148).
فهذه خمس روايات عمدة استند إليها الفقهاء لهذا الحكم، ليس تشكيكاً في عدالة ابن الزنا أو صلاحه بالضرورة، بل للنصّ الخاصّ الذي ذكروا أنّنا متعبّدون به شرعاً، ومن بين هذه الأحاديث هناك ما هو الصحيح سنداً ودلالةً معاً.
هذا، وهناك مجموعة أخرى من الأحاديث تعارض هذه المجموعة في الجملة، وهي التي دفعت بعض الفقهاء للقول بقبول شهادة ابن الزنا في الشيء اليسير، وهي:
أ ـ خبر أبان، عن عيسى بن عبدالله، قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن شهادة ولد الزنا، فقال: «لا تجوز إلا في الشيء اليسير، إذا رأيت منه صلاحاً». (تهذيب الأحكام 6: 244).
ب ـ خبر علي بن جعفر، عن أخيه، قال: سألته عن ولد الزنا، هل تجوز شهادته؟ قال: «نعم، تجوز شهادته، ولا يؤم» ولهذا الحديث نفسه صيغة أخرى ورد فيها أنّه لا تجوز شهادته.
إلا أنه في مقابل هذا كلّه ذكر الشيخ الطوسي أن: «شهادة ولد الزنا إذا كان عدلاً مقبولة عند قوم في الزنا وفي غيره، وهو قويّ، لكنّ أخبار أصحابنا يدلّ على أنه لا يقبل شهادته.. وقال بعضهم: لا تقبل شهادة ولد الزنا… والأوّل مذهبنا» (الطوسي، المبسوط 8: 228). ويظهر من الشهيد الثاني تبنّي هذا الكلام حيث قال بعد نقل كلام الشيخ الطوسي: «ومجرّد معارضة أخبار أصحابنا لا يقتضي الرجوع عن ما قوّاه؛ لجواز العدول عن الأخبار لوجه يقتضيه، فقد وقع له كثيراً، ووجه العدول واضح؛ فإنّ عموم الأدلّة من الكتاب والسنّة على قبول شهادة العدل ظاهراً يتناول ولد الزنا، ومن ثم ذهب إليه أكثر من خالفنا» (مسالك الأفهام 14: 224). وهذا الموقف من الشهيد الثاني جاء بعد ذهابه لضعف سند الأخبار على مبانيه إلا خبراً واحداً قاصر الدلالة عنده.
وعليه، فعدم أخذهم بشهادة ولد الزنا ليس لأجل نفي العدالة عنه أو الوثاقة أو الأمانة، بل لنصوص خاصّة التزموا بها، وهناك مناقشات عدّة في هذه النصوص أثارت بعض الجدل بينهم، يمكن أن تراجع في محلّها، وقد استعرضناها في بحثنا حول ولد الزنا.