السؤال: ما السبب في تأخير الصلاة في حديث الرسول الأعظم محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: (أحبّ إليّ من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وقرّة عيني الصلاة)؟ حيث نلاحظ أنّه ـ عليه وعلى آله الصلاة والسلام ـ قدّم الطيب وبعده النساء، وفي المرتبة الأخيرة جعل الصلاة؟
الجواب: يعتاد كثيرون على الاهتمام بالتقديم والتأخير في بيان الأمور في النصوص الدينية، ويبني كثيرون على ذلك نتائج، لكنّ اللغة العربيّة مفتوحة ـ في الرأي المشهور عند اللغويين ـ على كلّ الاحتمالات ما دام العطف بالواو، وليس بالفاء ولا بـ (ثم)، فلا يوجد في اللغة ما يفرض أن يكون التقديم لكون المقدَّم هو الأهم، بل قد يكون التأخير لما هو الأهم، وقد ذكروا في اللغة أنّ ذكر الخاص قبل العام يكون لإفادة أهميّته، وأنّ ذكر الخاص بعد العام يفيد الأهميّة أيضاً. ولنفرض أنّ عندك ثلاثة أمور متساوية، فأنت مضطرّ ـ تكويناً ـ لأن تقدّم بعضها على بعض في بيانها، فلا يكون في البيان خصوصيّة إضافية مقصودة، فإن قام شاهد لغوي أو نحوه يمكنه أن يفسّر التقديم والتأخير لخصوصيّة معينة فهو جيّد، وإلا فلا داعي لإتعاب النفس بمثل هذه التأوّلات عند عدم قيام دليل عليها.
ولعلّ ـ وأؤكّد على كلمة (لعلّ) ـ الترتيبَ المشار إليه في الحديث أعلاه يرجع إلى أنّ الصلاة أقرب إلى الآخرة منها إلى الدنيا، فقدّم ما هو ألصق بالدنيا وأخّر ما هو أبعد عنها بحسب النظرة الأولى، كما ولعلّ مجيئ كلمة (قرّة عيني) يناسب التأخير؛ نظراً لكون ذلك موجباً لتطويل شرح الصلاة، فأنت تقول: جاء زيدٌ وخالدٌ وحبيبُ قلبي حسين، فدخول التوصيف ـ بالمعنى العام ـ هنا قد يناسب إيقاعيّاً التأخير، إذ قد يكون أجمل من قولك: جاء حبيب قلبي حسين وزيد وخالد، لاسيما وأنّ جعل (قرّة عيني) في بداية الحديث قد يوهم أنّ قرّة عينه هي الصلاة والطيب والنساء معاً، فأراد فصل الصلاة لكي تتميّز بأنّها قرّة عينه دون النساء والطيب، كلّ هذا محتمل، وقد يرجّح الإنسان فيه ترجيحاً، لاسيما للوجه الأخير، لكنّ الجزم به غير مقدورٍ لي، فإذا أردنا أن نطرح هنا فرضيّات، فلنبيّنها بأسلوب الترجيح لا الجزم، ما لم نملك معطى مؤكّداً موثوقاً في الدلالة اللغوية والعرفيّة والسياقيّة، وليكن هذا هو نهجنا في مثل هذه الحالات التي تتصل بما خلف سطور الكلام، لا التظنّي والتخرّص والتخمين والنسبة إلى الله ورسوله بلا علم، كما صار سائداً في الكثير من الأوساط، والعلم عند الله.