السؤال: لماذا اقتصرت بيعة الإمام عليّ عليه السلام (أو هكذا أراد الإمام) على المهاجرين والأنصار، ولم يشترك عامّة الناس في البيعة؟ وهل نظام البيعة هو نفس نظام اﻻنتخابات الساري في المجتمعات الحديثة مع إدخال تطويرات عليه؟ (مصطفى).
الجواب: في تلك الأزمنة لم تكن هناك إمكانيات لمبايعة كلّ الناس من كلّ الأقطار للخليفة، لهذا كانت التكتّلات المجتمعيّة قائمة على القبائل والعشائر والرموز الدينية، فإذا بايع شيخ القبيلة فهذا معناه عادةً مبايعة غالبية أفرادها، وإذا بايع رمزٌ كبير من الصحابة فهذا معناه أنّ جمهوراً واسعاً من المسلمين سيبايعون ضمناً من بايعه الذي اعتبروه مرجعاً لهم إذا جاز التعبير. علماً أنّ الذين بايعوا عليّاً عليه السلام بعد مقتل عثمان بن عفان لم يكونوا من الصحابة فقط، ولهذا كلّه كانت هناك قيمة مضاعفة للمكان الذي تجري فيه المبايعة آنذاك من حيث اشتماله على الرؤوس الكبيرة في المسلمين؛ فلو كان المدينة المنوّرة في العصر النبوي، فإنّ غالبية رؤوس الناس تكون هناك بحيث يعلم في العادة رضا الأطراف بما توافق عليه أعمدة المسلمين المحيطين بالنبي، ممّن يشكّلون رموز القبائل والعشائر والتيارات، فهذا أشبه شيء بالنظام البرلماني (دون الجمهوري) القائم على أعضاء المجلس النيابي وكتله النيابيّة المعبّرة عن التيارات السياسية في المجتمع، وهي التيارات التي تملك نفوذاً شعبياً بحجمها عادةً، أمّا لو جرت البيعة في مكانٍ بعيد من الأطراف كما لو بويع شخص في العصر الإسلامي الأوّل مثلاً في السودان أو طبرستان (مازندران حالياً)، بحيث لا تحوي هذه المنطقة كبار شخصيات المسلمين النافذة في المجتمع، فإنّ البيعة هنا تكون مجتزأة، ويقال بأنّه بويع في محلّته ولم يبايعه المسلمون، بل بايعه أهل السودان، أو أهل طبرستان، أو أهل الشام مثلاً.
وأمّا اعتبار نظام البيعة هو نفس نظام الانتخابات المعاصر، فهذا بحث طويل، إذ توجد عناصر تشابه وعناصر اختلاف، وهناك من يرى أنّ البيعة إعلانٌ لإدخال زعامة شخص في العهدة والمسؤوليّة الفرديّة، لا جعل هذا الشخص أميراً، ويشبّه ذلك بأن يتوفّى زعيم البلاد، ثم يقوم المجلس المسؤول عن انتخابه بانتخاب شخصٍ آخر، ثم تقوم المؤسّسات العسكرية والأمنية والسياسية والمدنية الأخرى بإعلان مبايعتها، وكأنّها تعلن التزامها تجاهه، لا أنّها تعلن انتخابها له، بحيث يأخذ شرعيّته منها. وهذا هو الرأي الذي يذهب إليه علماء الإماميّة عادةً في تفسيرهم لمبايعات الناس لأهل البيت كعليّ والحسن عليهما السلام.