السؤال: ماذا عن التفسير الموضوعي للقرآن الكريم في مشروعكم التفسيري؟ ولماذا اخترتم التفسير الترتيبي؟ (خ).
الجواب: بعد الغضّ عن تسميتكم دروسي في التفسير بـ (المشروع)، فهي ليست مشروعاً، وإنّما مجرّد دروس تفسيريّة، والأفضل تسمية الأشياء بحجمها الطبيعي.. فإنّ الذي دعاني لاختيار التفسير الترتيبي على الموضوعي، واختيار قصار السور على طوالها ما يلي:
1 ـ إنّ التفسير الموضوعي سيفرض تناول موضوع واحد من جوانبه القرآنية عامّة، وهذا ما يستدعي عادةً مجموعة كبيرة من المحاضرات لتناول موضوع واحد، الأمر الذي قد يوجب الملل لكثيرين، لاسيما وأنّ الدرس أسبوعي وليس يوميّاً، علماً أنّني أتحيّن الفرص للدخول في بحث موضوعي قرآني حينما يمكن الأمر، ولو باختصار، كما فعلنا في بحث موضوع اليتيم، وموضوع الفقراء والمساكين، وموضوع الصلاة، و..
2 ـ إنّ غرضي من الدرس التفسيري ليس تقديم نظريّات قرآنية أو مفاهيم قرآنيّة فحسب، بل أحد أهم أغراضي هو اعتقادي بوجود مدّ غريب عن اللغة في تفسير القرآن الكريم خلال العقود الأخيرة، وزعمي هو أنّ منهج تأويل النصّ القرآني بشكل تعسّفي أحياناً وادّعائي أحياناً أخرى، وبُعد الكثيرين في الفترة الأخيرة عن اللغة بعلومها وعن طرائق العرب في البيان والتبيين وعن التاريخ بفضاءاته، لفهم الدلالات القرآنيّة، فرضا عليّ أن أعيد ـ بحدود مساحتي الصغيرة ـ إحياء أو تصحيح مسار تفسير النصّ القرآني بعيداً عن العجمة التي تجتاحه في الفترة الأخيرة، إمّا نتيجة الاعتماد على رواياتٍ وأحاديث يعاني كثير منها من ضعف مصادرها أو طرقها وأسانيدها أو متونها، وقد تتّسم بفهم تأويلي غريب للنصّ، أو نتيجة غزو الثقافة الفلسفية والعرفانيّة والباطنيّة لنمط فهم النصوص القرآنية، بحيث غدا كثيرون مدمنين على طرائق غريبة في فهم النصّ وهم لا يشعرون أساساً بغربة أسلوب فهمهم عن فضاء التعبير القرآني، وهو ما أجده يشكّل نوعاً من القلق ـ لو استمرّ وطال ـ على سلامة الفهم القرآني والحديثي معاً، وهذا ما يخلق ضرورة كبيرة لإنقاذ النزعة اللغويّة والتاريخيّة في فهم كتاب الله تعالى، وإلا فقد ندخل ـ بل قد دخلنا بالفعل ـ في مرحلة التحرّر من القواعد في تفسير القرآن الكريم، والذهاب خلف المزاجيات التي تدغدغ عواطفنا، وهي ـ أي المزاجيّات ـ لا مرجعيّة يحتكم إليها فيها، ولن تقف هذه المزاجيات عند حدود مزاجك الذي تراه مضموناً، بل ستتعدّى إلى أمزجة الآخرين التي لن تعجبك أبداً. إنّني أعتقد بأنّ الفقهاء ما زالوا إلى الآن هم الأقلّ تأويلاً للنصوص، إذا غضضنا الطرف عن الاتجاه التفسيري اللغوي والعرفي والحركي، والذي له أنصار كُثر، وقدّم تجارب مشهودة خلال القرون الإسلاميّة.
من هنا، كان اهتمامي بالتفسير الترتيبي لإعادة الانضباط ـ قدر الإمكان، وضمن دائرتي الصغيرة ـ لعمليّة فهم النصّ الديني من زاوية اللغة والتاريخ والسياقات الداخلية والخارجيّة، وأيّ مستمع لهذه الدروس والمحاضرات المتواضعة سيرى فيها بوضوح تكريس مرجعيّة اللغة والتاريخ والفهم التفكيكي والتركيبي للنصوص القرآنية؛ لإعطاء هويّة حقيقيّة للنصّ القرآني لا تجعله مهدوراً أمام كشوفات العرفاء والمتصوّفة، وعقول المتكلّمين والفلاسفة، ونصوص المحدّثين والرواة، بل نحن نسعى لاكتشاف لغته وطريقته ومفاهيمه وأسلوبه ومزاجه العام، بما أوتينا من سعة وما رُزقنا من الفهم البسيط، كلّ بحسبه. إنّ مرجعيّة القرآن ليست شعاراً يُرفع، بل هي رؤية لها ضرائبها التي على الباحث أن ينتظرها في استنتاجاته عندما يعتقد بأنّ مرجعيّة القرآن قد تمّ تغييبها في القرون الأخيرة.
3 ـ إنّ قصار السور غالباً ما أهملت في أعمال المفسّرين المسلمين، إذ يصل المفسّر الترتيبي إلى نهايات الكتاب الكريم، وهو قد بحث أغلب الموضوعات أو أنهكت قواه، فلا تحظى قصار السور سوى بالقليل من البحث مقارنةً بالسور الطوال، لاسيما السور التي تسبق سورة مريم، ومن هنا كانت هناك ضرورة لإحياء هذه السور، كما فعل بعض العلماء مثل السيد الشهيد محمد الصدر رضوان الله عليه في تفسيره (منّة المنّان)، فإنّ في هذه السور الكثير من اللطائف والمفاهيم الجميلة التي تستحقّ الوقوف عندها. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّقنا لتقديم هذه البضاعة المزجاة بأحسن وجه، وأن يصوّب أنظارنا، ويصلح حالنا، إنّه وليّ قدير.
أحسنتم!!!!!
تحليل دقيق ورائع وياريت يكون لديكم شيخنا العزيز الوقت لتفسير قصار السور كلها… رحمة الله على والديك وجعلها ربي في ميزان اعمالك فهو خير المحسنين
نسأل الله تعالى أن يوفقكم لخدمة الإسلام وان تكون محاضراتكم مجموعة ضمن كتاب مستقل