السؤال: لا أرى ما يلزمني بالتمسّك بعالمٍ دون المعصوم أو من يعيّنه المعصوم بالاسم، لذا قناعتي الحالية ـ ولست أقطع بصوابها ـ أن آخذ مسائلي الفقهية من كلّ مجتهد مشهود بقدرته العلميّة، خاصّة الذين شُهد لهم بالأعلميّة، فما نقدك لهذه القناعة؟ (عبد الله).
الجواب: إنّ أوّل كلامكم يناقض آخره على أحد التفسيرين، ولا يناقضه على تفسير آخر، فإنّكم في البداية رفضتم الأخذ عن غير المعصوم، ثم في النهاية قلتم بأنّكم ستأخذون عن أيّ مجتهد، مع أنّ هذا أخذٌ من غير المعصوم، ما لم تقصدوا في البداية تعيّن شخصٍ بعينه، ويبدو لي أنّكم تقصدون ممّا ذكرتموه نقد نظرية تقليد الأعلم لا نقد أصل نظريّة التقليد، وإن أوحى مطلع حديثكم بعكس ذلك.
وبناء عليه، وحيث إنّني من الأشخاص الذين لا يؤمنون بنظرية لزوم تقليد الأعلم بالمعنى السائد، لهذا لا أجد أيّ مشكلة في الذي طرحتموه أعلاه، لكنّ هذه وجهة نظري التي لا تُلزم أحداً ولا تمثل إفتاءً أساساً، بل إنّ بعض النظريات التي تذهب لوجوب تقليد الأعلم يمكنها أن تساعدكم هنا وتقترب كثيراً من طرحكم، وهي نظريّة أمثال السيد كاظم الحائري وأستاذنا الجليل السيد محمود الهاشمي حفظهما الله تعالى، وما سمعته أيضاً من أستاذنا المغفور له الشيخ محمّد تقي الفقيه رحمه الله، وهو أنّ المراد بالأعلم من تكون بينه وبين غيره مسافةٌ علميّة كبيرة، فلو أخذنا ثلاثة أشخاص على سبيل المثال: زيد وعمرو وبكر، وكانت المسافة العلميّة بين زيد وعمرو من جهة وبين بكر من جهة ثانية كبيرة، بحيث كان زيد وعمرو أكثر قدرةً اجتهادية من بكر بشكل واضح جداً، فهنا لا يجوز تقليد بكر، لكن لمّا كانت الفاصلة فيما بين نفس زيد وعمرو بسيطة، فلا يعتبر أحدهما أعلم من الآخر ولو كان كذلك واقعاً، بل يعدّان في رتبة واحدة، وهذا ما يمكن تسميته بنظريّة الأعلم / الطبقة، مقابل نظريّة الأعلم / الفرد، وبهذه الطريقة ننظر في أبرز فقهاء العصر وأقواهم، فنقلّد أيَّ واحدٍ منهم بلا حاجة للبحث والتفتيش عن تعيّن فردٍ منهم بعينه، وهي نظرية وسطى بين نظريّة أعلميّة الفرد التي يقول بها مشهور الفقهاء المتأخّرين كالسيد الخوئي وغيره، ونظريّة عدم وجوب تقليد الأعلم أساساً، والتي يقول بها أمثال السيد محمّد حسين فضل الله والشيخ إبراهيم الجنّاتي.