السؤال: تتحدّثون في بعض كتاباتكم ومحاضراتكم عن مدرسة التفكيك الخراسانية، وأنها لا تقبل بتدخّل العناصر الفلسفية والعرفانية في فهم النصّ الديني، ولكن من الملاحظ أنّ النصوص الدينية نفسها تحمل عناصر فلسفية، بل إنّ بعضها مشبعٌ بالمصطلحات العرفانية الفلسفية، وهي تُنسب للأئمة، وكما فهمنا فإنّ تفكيكية خراسان شكلٌ من الإخبارية، فكيف يوفّق الإخباريون الجدد بين التفكيك وبين الروايات ذات النفس الغنوصي الفلسفي؟ (محمّد عباس إبراهيم، البحرين).
الجواب: هناك فرقٌ بين أن نقول بأنّ النصوص الدينية لا علاقة لها بالقضايا الفلسفيّة، وبين أن نقول بأنّ فهم النصوص الدينية لا يحتاج لآليات فلسفية ونظارات فلسفية نرى معاني النصوص من خلالها، فلا أحد يناقش في أنّ النصوص الدينية تتحدّث عن بعض القضايا الفلسفية، سواء بمصطلحات فلسفية أم بغير ذلك، فالحديث عن المبدأ، وهو الله وصفاته وأسماؤه وأفعاله، وكذلك الحديث عن المعاد والآخرة ونهاية الخلق ونوع الحشر والبعث وغير ذلك، هو من قضايا الفلسفة التي تسمّى اليوم بمباحث الإلهيات بالمعنى الأخصّ، ولا يرى التفكيكيُّ أنّ القرآن والسنّة لم يتعرّضا لقضايا فلسفية أو توجد مشكلة من تعرّضهما لقضايا فلسفية، وإنّما يرى أنّ فهم النصوص الدينية وتفسيرها ينبغي أن يعتمد المنظومة الداخلية للنصوص نفسها، بحيث لا نأتي على النصّ الديني محمّلين بالإرث الفلسفي، ثم نقوم بتفسير النصّ الديني على أساس تلك القضايا الفلسفية أو على خلفية تلك القضايا الفلسفية، فنفهم النصّ بطريقة مشوّهة وتأويلية وتطويعيّة، ولهذا أطلق عليهم اسم التفكيكيين؛ لأنّهم يفكّكون بين العقل والنقل والقلب، لا أنّهم يرفضون العقل والقلب، وإلا لتسمّوا باسمٍ آخر يفيد طرحهم للعقل والقلب لا تفكيكهم بين المصادر الثلاثة للمعرفة، فلا تناقض ـ من وجهة نظريهم ـ بين وجود نصوص فلسفية ونفي الفهم الفلسفي للنص.