السؤال: من خلال محاضراتك عن الولاية العرفانيّة وجولتك في كتبهم، كيف ترى المشهد الآن؟ فهل ما تزال أقرب إلى الفقهاء في فهمك لهم أو افترقت عنهم كثيراً؟
الجواب: المحاضرات المتواضعة التي ألقيتُها لم تكن تعبّر سوى عن محاولة بسيطة لتوضيح بعض الأفكار التي طرحها العرفاء والمتصوّفة في موضوع الولاية والإنسان الكامل، ولكن لأنّنا غير معتادين على أن يقوم شخص غير مقتنع بفكرة، بشرحها بطريقة حيادية وكأنّه يتماهى مع أنصارها والمدافعين عنها، لهذا قد نظنّ أنّ مثل هذه المحاضرات تعكس اقتناع صاحبها بما جاء فيها. والحقيقة إنّ الأمر ليس كذلك، فكثيرٌ ممّا جاء في نظريّة الإنسان الكامل والحقيقة المحمديّة التي طرحها المتصوّفة والعرفاء مازلت لا أعتقد به، ولم يتوفّر لي دليل مقنع عليه، ولم أحظَ على المستوى الشخصي بكشف ولا شهود يُثبتانه، ولم أجد في النصّ القرآني شيئاً مقنعاً فيه، ولا في متواتر أو يقيني السنّة الشريفة شيئاً مثبتاً له، بل لعلّ ما رأيتُه في كتاب الله هو إلى العكس أقرب، لكنّ هذا لا يمنع أن تكون هذه النظريّة وجهة نظر محترمة جداً، وعلينا توضيحها بوصفها رؤية في فهم العالم والوجود والإنسان والدين أيضاً، وأن ندافع عن حقّ أصحابها في طرح أفكارهم، حتى لو لم تكن مقنعةً بالنسبة إلينا.. هذه هي القضيّة.
ولا أعتقد بأنّني أقرب إلى منهج الفقهاء، فالموضوع ليس موضوع الفقهاء، وأنتم تعرفون أنّ لدي ملاحظات كثيرة على مناهج الفقهاء في فهم النصوص وغيرها، بل هو موضوع منهج فهم النصّ الديني تارةً، ومدى جدّيّة الأدلّة العقليّة التي تطرح في هذا الموضوع أو ذاك تارةً أخرى بعد استبعاد ادّعاءات المتصوّفة بوصفها حجّةً لهم وعليهم، حيث لم يحصل لنا شهود أو كشف مشابه لما حصل لهم، وما زلت مقتنعاً بأنّ العرفاء والمتصوّفة أبدعوا في الجانب الروحي من الإسلام، كما أثاروا الكثير من الأفكار الجميلة والرائعة التي تبقى (جميلاً) لهم في رقابنا، لكنّ إثبات جملة من نظرياتهم ـ بعيداً عن العرفان نفسه وأدبيّاته والثقة النفسيّة بما يقولون ـ تبدو غير مقنعة، مهما حاولوا أن يقدّموها على أنّها فتوحات كبيرة في ميدان المعرفة.
ونصيحتي الأخويّة لكلّ إخواننا الذين يميلون إلى الفضاء العرفاني والصوفي: أن لا يبنوا فكرهم على الإعجاب، ولا على الذوبان في أشخاص مهما كانوا كباراً، ولا على الثقة بآخرين لم يثبت أنّ قولهم حجّة عند الله، ولا على الانجذاب العاطفي، ولا على الخلط بين العرفان والفلسفة؛ لأنّهم قد يُسألون عن ذلك أمام الله في بناء عقائدهم وتصوّراتهم وفهمهم، فإذا نجحوا في التحرّر التام، فهناك عليهم أن ينظروا بعيون فاحصة وجريئة: هل ما قاله (الأعاظم والأفاخم) يوجد عليه دليل حقّاً، وليس فقط قال فلان بأنّ عليه دليل مقنع؟! لأنّ جماليّة فكرة لا تعني دوماً أنّها صحيحة، فالعنصر الجمالي هو أحد عناصر الصحّة في الأفكار والمشاريع، وليس العنصر الوحيد، وهذه بعينها مشكلة بعض الحداثويّين الذين يكتفون للاقتناع بفكرة غربيّة بجمالها ورونقها، وقد يقتنعون بها بقوّة لكنّهم لا يملكون أبسط دليل عليها؛ لأنّها نفذت إلى نفوسهم بفعل عوامل متعدّدة وتجذرت نتيجة عناصر متواشجة وليس نتيجة عملية استدلاليّة بحثية فقط، وليراجع بعض الإخوة أنفسهم هل اقتنعوا بهذه الأفكار الكبيرة في العرفان وغيره عن دليل حقيقيّ أو نتيجة انبهار وإعجاب ـ أحياناً ـ نشأ عن وضع نفسي خضع له صاحبه عند الخوض في هذا النوع من العلوم المُبْهِرة بطبيعتها ولغتها؟ فإذا عثروا على الدليل المقنع فليأخذوا به وليعضّوا عليه بالنواجذ، وإلا فلتكن لهم الجرأة أن لا يدافعوا عن كشفٍ لم يروه، ولا عن شهود لم يعيشوه، فهذا تقليد محض مذموم في مثل هذه العلوم. نعم، إنكار ما قاله المتصوّفة والعرفاء والقطع بعدم واقعيّته أمرٌ غير صحيح ما لم نملك دليلاً على ذلك.
بارك الله بكم… رائع
السلام عليكم
ماهي افضل الكتب الكلامية
للمبتدئين ؟ وهل توجد كتب تدرس بعد كشف المراد في علم الكلام؟