• الرئيسية
  • السيرة الذاتية
  • الكتب والمؤلفات
  • المحاضرات والدروس
  • المقالات
  • الحوارات واللقاءات
  • المرئيات
  • الأسئلة والأجوبة
  • لغات اُخرى
  • تطبيق مؤلفات حب الله
  • آراء
الموقع الرسمي لحيدر حب الله
الاجتماعية والأخلاقية التاريخ والسيرة الفقهية والشرعية الفكرية والثقافية الفلسفية والكلامية القرآنية والحديثية
# العنوان تاريخ النشر التعليقات الزائرين
94 كيف يمكن التصديق بالأحاديث التي تحكي عن آثار تكوينية للأفعال مع انّها لا تطابق الواقع؟! 2014-05-12 0 1289

كيف يمكن التصديق بالأحاديث التي تحكي عن آثار تكوينية للأفعال مع انّها لا تطابق الواقع؟!

السؤال: هناك أحاديث كثيرة مثل (بالمعنى) من تصدّق يطول عمره واذا انتشر الزنى انتشرت الزﻻزل، وزيارة الأرحام تطيل العمر وغير ذلك، فما مدى صحّة سند هذه الأحاديث؟ وهل يمكن ان نفهم من الربط أنّه ربط تكويني مثل السمّ له أثر تكويني، سواء علم المتناول له أم لم يعلم؟ وما هو ذنب الذي يتناول اللحم الحرام وهو جاهل بحرمته ولكنّ آثار الحرمة تحاصر قلبه وتمنع دعاءه من اﻻستجابة؟ ثم كيف نفسّر حالة أخوين أحدهما ملتزمٌ دينيّاً والآخر بعيد عن التديّن ويرتكب جميع المعاصي، ولكنّ الثاني أطول عمراً وأكثر رزقاً من الآخر؟ (شادي، لبنان).

 

الجواب: أولاً: هذه الأحاديث كثيرة جدّاً، وموجودة عند مذاهب المسلمين المتعدّدة، وفي مختلف أنواع المصادر الحديثية على درجاتها، وبعضها صحيح، بل قد نجد فيها تواتراً إجماليّاً، فلابدّ من النظر في وجود مشكلة متنيّة ومضمونيّة فيها، فإن سلمت من المشاكل المتنية أمكن قبولها في الجملة.

ثانياً: إنّ نظام هذا العالم المادي ـ كما كشف ذلك الفلاسفة من قبل ـ هو نظام تزاحمات وصراع أضداد، وولادة الأضداد من الأضداد كما يقول جلال الدين الرومي، وهذا ما تثبته العلوم كلّها، وتخبرنا به الحياة اليومية أيضاً، فكأنّ هذا العالم كمٌّ هائل من الأشياء التي تتنافس على أن تكون هي الموجودة والفاعلة، ومن الصعب اجتماعها كلّها، لهذا فعندما نقول بأنّ (أ) تحقّق (ب)، فهذا يعني أنّني أقول بأنها توجده إذا لم يكن هناك مانع مزاحم لصالح عدم (ب) وهو (ج)، فدائماً هذا العالم في حالة صراع بين الأشياء، كما هي المصارعات في حياتنا الاجتماعيّة والفردية، وهذه ليست فكرة ماركسيّة أو هيجليّة كما يتصوّر بعضنا، إنّها فكرة ضاربة في أعماق الثقافة الفلسفيّة والعرفانية عند المسلمين أيضاً، إذاً فكلّ إنتاج لشيء من شيء مستبطِنٌ لافتراض عدم وجود مانع من هذا الإنتاج، ولهذا بُنيت العلّة التامّة في الفلسفة على افتراض انعدام المانع، فأنت تقول: النار تحرق الورقة، وهذا يستبطن ثلاثة معطيات: 1 ـ وجود النار (المقتضي). 2 ـ حصول شرط الإحراق كالاتصال والاحتكاك مثلاً (الشرط). 3 ـ (انعدام المانع)، وهو مثلاً رطوبة الورقة التي قد تمنع من احتراقها أو وجود مادّة مضادّة فيها تحول دون احتراقها. فنحن دائماً في العلّيّات والأسباب نفترض ضمناً أنّ هناك تجاوزاً للمانع، ولهذا يقول بعض الفلاسفة والعرفاء بأنّ العالم الأخروي لا يقوم على نظام التمانع والتزاحم، بل هو عالم من نوع آخر، ولهذا يحصل فيه ما يشتهيه الكلّ ولو بدا متعارضاً، لأنّه لا يقوم على المنع، بل يقوم على الجمع، وهذا موضوع طويل يخضع لنقاش في محلّه.

حسناً، إذا أخذنا هذه الفكرة تصبح هذه النصوص دالّة على المعنى الذي نقول، فهذه النصوص مثل فعل الأطبّاء ومختصّي التغذية وغيرهم، إنّهم كلّ يوم يقولون لنا بأنّ تناول الكميّة المعيّنة من الماء مفيد للكُلية وللجهاز الهضمي ولغير ذلك، لكن مع ذلك نجد شخصين يفعلان الفعل نفسه، لكنّ أحدهما يصاب في كُليته والثاني لا يصاب! لماذا؟ لأنّ الماء ليس هو الشيء الوحيد في الحياة التي يؤثر في سلامة الكُلية، بل هناك تنافس دائم بين المؤثرات بحيث يصبح كلّ مؤثر فاعلاً فيما يؤثر فيه، ومانعاً عن تأثير مضادّه. إنّ هذه النصوص تريد أن تقول بأنّ هذه الأفعال أو المأكولات أو الظواهر الاجتماعية أو الفردية هي سبب لهذه النتائج، وهذا يستبطن افتراض عدم المانع أو المنافس، وهو وجود عناصر تحول دون تحقّق هذا الشيء. إنّ عدم ذكر هذه النصوص هذه الموانع لا يعني أنّها أغفلتها، بل يعني أنّها سارت على النسق الطبيعي في بيان الأسباب والمسبّبات مفترضةً أنّنا نعرف أنّ القضية ستكون كذلك لولا المانع، فالله أخبرنا في كتابه بأنّ العذاب ينزل عند تكذيب الأنبياء، لكنّه في الوقت نفسه أخبرنا بأنّه لو كان النبي موجوداً في تلك القرية فإنّ العذاب لن ينزل على من يستحقّ نزول العذاب، فوجود النبيّ مانعُ نزول العذاب على من يستحقّه، وهكذا الحال في التوبة فهي تمنع تأثير الذنب في بعض المساحات على الأقلّ. وهذا كلّه يمكن اختصاره بالقول: إنّ هذه الأحاديث تبيّن المقتضي لا العلّة التامّة، وهي الفكرة التي يمكن أن نستوحيها من كلمات بعض العلماء أيضاً.

ثالثاً: إنّ ظاهر أكثر هذه النصوص هو الربط التكويني بين الأفعال والنتائج، بل في بعض الروايات حديثٌ عن الربط التكويني بين كلّ الظواهر الكونية الضارّة والمؤذية للإنسان وبين الفعل الإنساني، إنّني الآن غير قادر على فهم هذا الربط؛ لأنّ معلوماتي محدودة، لكنّي أقدر على فهم بعض جوانبه أحياناً، فأقول: إنّ شيوع الزنا يفضي إلى تفكّك الأسرة تكويناً، وهذا شيء ربما لم يكن الإنسان سابقاً لينتبه إليه قبل تطوّر العلوم الإنسانيّة وظهور تجارب واقعيّة. لكن لا أستطيع معرفة الربط بين المعاصي والزلازل، هذا شيء لا يقع في حدود معلوماتي المتواضعة كإنسان اليوم، ومن ثم فلست قادراً على تفسيره عقلانيّاً وعلميّاً، ومع ذلك لا أقدر أن أنفي العلاقة بين الأمرين بطريقة غير مباشرة، فإذا جاء النصّ الديني ـ بشكل حاسم وقطعي ـ في الربط بين المعاصي والزلازل، فإنّني من موقع التسليم لله ورسوله أقول بأنّ الأمور كذلك، دون أن أملك تفسيراً واضحاً لكلّ زوايا الارتباطات هذه، وهذا شيء لا يضرّ هنا، إذ ما أكثر ما نقول: يوجد سبب في الماء أدّى إلى الظاهرة الفلانية، لكن مع ذلك نكون عاجزين عن كشف هويّة هذا السبب، وشبكة علاقته بالظاهرة الحادثة.

رابعاً: في بعض الأحيان يكون الربط بين الفعل والأثر التكويني ربطاً علميّاً، ومعنى ذلك أنّ آثار الأفعال تنقسم إلى قسمين: آثار واقعيّة، وآثار علميّة، والمقصود بهذا التقسيم الذي يوجد شبيهٌ له في الفقه الإسلامي، ولو في غير موضع بحثنا، هو أنّ بعض الأفعال تترك أثراً، سواء كان الإنسان عالماً بالأمور أم لا، قاصداً أم لا، فعندما اُطلق النار وأنا أقوم بالصيد فتنطلق الطلقة باتجاه شخصٍ ما خطأ، فإنّ موته محتّم، سواء كنت قاصداً أم غير قاصد، وسواء كنت عالماً بوجوده أم غير عالم، وهكذا عندما أتناول السمّ وأنا أظنّه ملحاً، فإنّ النتيجة التكوينية لا ترتبط بمقدار معلوماتي بالموضوع؛ لأنّ العلاقة تكوينية بين الفعل ونتائجه، وهذا ما نسمّيه بالآثار الواقعيّة للفعل. لكن في بعض الأحيان تكون العلاقة التكوينية مرتبطةً أيضاً بقصد الفاعل وعلمه، فقساوة القلب مرتبطة ـ عادةً ـ بصدور المعاصي والجرائم منّي عالماً بأنها معصية، أمّا لو كنت أصلّي بالطريقة الفلانية معتقداً ـ عن جهل وقصور لا عن تقصير ـ بأنّ هذا هو ما أراده الله، فإنّ الأثر النفسي لا يترتّب عليّ، بل قد يترتّب أثرٌ حسن، رغم حرمة الفعل نفسه، وهنا يسمّي العلماء الفلاسفة والأصوليّون هذه الظاهرة بحالة القُبح الفعلي والحُسن الفاعلي، فمن جهة الفعل أكون قد قمت بأمرٍ غير حسن، لكن من جهة الفاعل أكون قد قمت بأمرٍ حسن، وهو القيام بما أعتقد أنّه يرضي الله سبحانه وتعالى، وبأنّه أمرٌ صحيح. إنّ الكثير من النتائج النفسيّة ترتبط بالحُسن والقبح الفاعلي لا الفعلي فقط، وإن كان بعضها يرتبط بالفعل نفسه بصرف النظر عن الفاعل وقصوده.

وهنا يجب أن نعرف أنّ هذه النصوص التي نتكلّم عنها هنا، هل ترتبط بالفعل نفسه أم بالفعل مع ملاحظة الفاعل وقصده ونيّته وحالته ومديات علمه؟ وهذا ما يحتاج لدراسة مجمل هذه النصوص، لتكوين مجموعات حديثية منها، والقيام بإجراء مقارنات ومقاربات بينها، بغية الخروج بنظرية كاملة في هذا السياق، بدل تلقّيها بطريقة فوضوية وعفويّة. كما أنّ كلّ ما قلناه لا يفرض تصحيح كلّ هذه الروايات، بل لابدّ ـ بعد هذا كلّه ـ من الغربلة التفصيلية بممارسة نقد متني وسندي على كلّ رواية رواية من هذه الروايات؛ بغية الخروج باستنتاج نهائي منها.

خامساً: تعدّ مسألة الفوارق بين الناس في الظروف المساعدة، قضيّة من أعقد مغاليق البحث الفلسفي والكلامي عند المسلمين وسائر الأديان والمذاهب، وهي ترتبط بالشرور في العالم، لماذا خُلق زيد في موضع أن يكون غنيّاً فأنفق المال في الخير، فحصل على ثواب، فيما حرم عمرو من المال فخسر ثواب النفقة؟ ولماذا وُلد زيد في أسرة متديّنة أو راقية أخلاقيّاً فتوفّرت له ظروف التديّن والرقيّ الأخلاقي، فيما حكمت ولادة عمرو عليه بأن يكون في مناخ أسرة متخلّفة رجعيّة فاسقة خارجة عن حدود الأخلاق والدين والقيم؟ ولماذا يدخل ذاك الجنّة ويذهب هذا بائساً إلى النار؟ لماذا المآسي والزلازل والبراكين والأمراض والشرور في هذا العالم؟ ولماذا كان الشيطان أساساً؟ إنّ هذا النوع من الأسئلة ربما يبلغ الآلاف، وهي قضية بالغة التعقيد، وقد اتخذت مواقف متناقضة منها عبر التاريخ، وما تزال تحيّر الباحثين، حتى أنّ الفكر الغربي ودراسات علم الكلام الجديد وفلسفة الدين في الغرب ما تزال تتناول هذه القضية باهتمام كبير إلى يومنا هذا، منذ ترتوليان (230م)، وأوريجين (254م) مروراً بالقدّيس أغسطين (430م)، وتوما الأكويني (1274م)، ومارتن لوثر (1546م)، وصولاً إلى فلاسفة الدين المتأخّرين مثل شلايرماخر وبلانتينجا وجون هيغ وغيرهم، فضلاً عن كبار فلاسفة الإسلام ومتكلّميه، مثل ابن سينا، ونصير الدين الطوسي، والعلامة الحلي، وفخر الدين الرازي، وصدر الدين الشيرازي، وصولاً إلى العلامة الطباطبائي والشيخ المطهري وغيرهم.. وهي من الأسئلة الراجعة برمّتها إلى فلسفة الخلقة، ولماذا خلقنا؟ ولماذا كان ما كان ولم يكن غيره؟ و..

لست هنا في معرض بحث هذا الموضوع المعقّد، لكن ما أريده هو أنّ سؤالكم عن (ما ذنب هذا الشخص أن تناول هذا الطعام فأثّر على قلبه مثلاً؟) ليس شيئاً جديداً سوى أنّه واحدٌ من آلاف أسئلة قضيّة الشرور في العالم، ومن ثم فلا يبرّر لنا هذا السؤال الإطاحة بهذه الأحاديث؛ لأنّه لو برّر ذلك لبرّر الإطاحة بالكثير من نصوص القرآن الكريم وبقضايا دينية كثيرة! فأيّ جواب يختاره الباحثون في قضية الشرور يصلح جواباً هنا على سؤالكم، وأيّ عجزٍ في الإجابة هناك يمتدّ للجواب عن سؤالكم. ما أريد التركيز عليه هو أنّ هذا السؤال ليس خاصّاً بموضوع البحث هنا، بل هو من الأسئلة الدينية والفلسفيّة الكبرى والعامّة.

 

إرسال

you should login to send comment link

جديد الأسئلة والأجوبة
  • تأليف الكتب وإلقاء المحاضرات بين الكمّ والنوعيّة والجودة
  • مع حوادث قتل المحارم اليوم كيف نفسّر النصوص المفتخرة بقتل المسلمين الأوائل لأقربائهم؟!
  • استفهامات في مسألة عدم كون تقليد الأعلم مسألة تقليديّة
  • كيف يمكن أداء المتابعة في الصلوات الجهرية حفاظاً على حرمة الجماعات؟
  • هل يمكن للفتاة العقد على خطيبها دون إذن أهلها خوفاً من الحرام؟
  • كيف يتعامل من ينكر حجيّة الظنّ في الدين مع ظهورات الكتاب والسنّة؟!
  • هل دعاء رفع المصاحف على الرؤوس في ليلة القدر صحيحٌ وثابت أو لا؟
الأرشيف
أرسل السؤال
الاشتراك في الموقع

كافة الحقوق محفوظة لصاحب الموقع ولا يجوز الاستفادة من المحتويات إلا مع ذكر المصدر
جميع عدد الزيارات : 36833619       عدد زيارات اليوم : 13908