السؤال: بناءً على النظريّة التي تقول بأنّ الأئمّة علماء أبرار، والتي يعتقد بها بعضهم اليوم، كيف يتمّ تفسير المهدويّة والغيبة؟
الجواب: لا أريد أن أتكلّم باسم الاتجاه الذي يختار اليوم نظريّة العلماء الأبرار، حتى لا أقوّلهم ما لا يقولون، لكنّني أحلّل المسألة تحليلاً صرفاً، وما يبدو لي هو أنّ هذه النظريّة لا تتحمّس، لكنّها لا تنفي بالضرورة مسألة المهدويّة والغيبة؛ لأنّ العناصر الأساسيّة التي تقوم عليها هذه النظريّة وتشكّل محور عقيدتها، هي:
1 ـ نفي العصمة المطلقة والأخذ بالعصمة النسبيّة، بمعنى أنّ الإمام هو الأقلّ خطأ بين البشر، لا أنّه الشخص الذي لا يخطأ أبداً، وأنّ خطأه قد يشمل الشؤون الدينيّة، لكنّ قوله مع ذلك ـ حيث لا يحرز الخطأ ـ هو حجّة على الناس عامّة.
2 ـ نفي العلم بالغيب والولاية التكوينيّة، فالأئمّة بشرٌ لا يعلمون الغيب إلا بمقدار محدود جداً، وليست لهم أيّة ولاية على العالم التكويني، ولا هم وسائط في الفيض، ولا تقوم حياتهم على المعاجز والكرامات.
3 ـ نفي العلوم اللدنية غير المكتسبة للأئمّة، بل هم أخذوا علومهم عن النبي بالتعليم البشري، وعبر الكتب والصحف التي أملاها عليهم رسول الله، كالجامعة ومصحف فاطمة وغير ذلك، وكلّ واحد أخذ علمه عن والده بشكل طبيعي غير ميتافيزيقي، ولا يمنع ذلك من حصول بعض الإلهامات لهم هنا وهناك.
4 ـ نفي النصّ المسبق على هؤلاء الأئمّة، بل الإمام السابق يعيّن الإمام اللاحق؛ لأنّه يراه الأفضل للمرحلة اللاحقة والجامع لمواصفات الإمام.
إنّ هذا الفهم للإمامة ـ والذي يرى أصحابه أنّه الذي كان سائداً بين الشيعة في القرون الأربعة الهجريّة الأولى، لاسيما في مدرسة بني نوبخت ومدرسة قم وشخصيات مثل ابن الغضائري وابن الجنيد الاسكافي وغيرهم، وأنّ غلبة التيار المغالي بعد ذلك أوجبت انحراف التشيّع نحو الغلوّ إلى يومنا هذا ـ إنّ هذا الفهم للإمامة لا يفرض إلغاء فكرة المهدويّة والغيبة، وإن مال إلى نفيها، وذلك:
أولاً: إنّ فكرة المهدويّة لا تساوق فكرة الغيبة، فقد يؤمن هؤلاء بأنّ المهدي يظهر في آخر الزمان لكنّه لم يولد بعد كما عليه الكثير من اهل السنّة، أو ولد وأنّه ابن الحسن العسكري لكنّه مات وسيبعثه الله في آخر الزمان كما هو المنسوب لبعض قدامى متكلّمي بني نوبخت من الشيعة، لكنّ المهم عندهم أنّ المهدي لا يحوي صفات العصمة المطلقة والعلم بالغيب والولاية التكوينية والعلم اللدني ونحو ذلك.
ثانياً: لا مانع أن يؤمن شخصٌ بنظرية العلماء الأبرار، لكنّه يعتقد بأنّ أحد هؤلاء العلماء الأبرار قد اختصّه الله بطول العمر والغيبة والظهور آخر الزمان، فالقائلون بنظريّة العلماء الأبرار لا ينفون بالمرّة وجود عناية إلهيّة خاصّة بهؤلاء العلماء الأبرار، بل معيار نظريّتهم هو نفي الأمور المتقدّمة التي أشرنا إليها (العصمة المطلقة والولاية التكوينية والعلم اللدني والعلم بالغيب والنصّ المسبق ونحو ذلك)، فلا مانع مبدئيّاً عندهم من أن يتصف إمامٌ بهذه الأوصاف وتخصّه العناية الإلهيّة بالغيبة.
فمن الناحية الذاتية والمنطقيّة لا مانع من الجمع بين المهدويّة والغيبة وبين فكرة العلماء الأبرار، نعم ربما نجد من يؤمن بهذه النظرية ينكر المهدوية أو الغيبة، وهذا شيء آخر، لا أنّ أصل النظريّة يفرض إنكار المهدويّة والغيبة فليلاحظ جيداً.
ولابدّ لي أن أشير إلى أنّ نظريّة العلماء الأبرار التي طُرحت ضمن ما تقدّم، والتي أطلق عليها أصحابها اسم (نظريّة بشريّة الإمامة) يمكن أن يأخذ بها بعض الناس مع بعض التعديلات، فقد يكون لها مفهوم مشكّك، فليس الأمر أنّك إما أن تؤمن بهذه النظريّة بشكلها المطروح أعلاه أو تذهب ناحية النظريّة البديلة القائمة، بل قد يتوصّل باحثٌ إلى حلول وسطى بين هذه النظريّات.